بما أن القیادة ظاهرة إجتماعیة تنبثق من وجود الفرد داخل الجماعة وعامل مهم من عوامل تماسكها وتضامنها و تنظیمها ، أصبح هذا الأمر موضع إهتمام الفلاسفة والعلماء وخاصة علماء السوسیولوجیا والسیکولوجیا منذ كونفوشیوس الصیني حتی الفیلسوف البریطاني برتراند راسل وکان الهدف من ذلك معرفة الصفات التي تمیّز القادة من غیرهم من الناس.
رغم هذا الإهتمام بالموضوع المذکور إلا أنه لم یکن حتی نهایة القرن التاسع عشر أي کتاب علمي یتناول هذه الظاهرة خلال مناهج تجریبیة أو ملاحظات علمیة أو شخصیة منظّمة.
لو أردنا تعریف القیادة بإختصار، دون التعمق في نظریات أمثال ما قدمه الفیلسوف توماس کارلیل في القرن التاسع عشر أو ما طرحه علماء آخرون بعد الحرب العالمیة الثانیة ، نقول بأن القیادة هو دور سلوکي لإسهامات الفرد و النسق الإجتماعي في تفاعلها الدینامیکي، أو هي عملیة التأثير في الناس في موقف معین. إنها العملیة التي من خلالها یؤثر القائد في سلوك أعضاء الجماعة بغیة الوصول الی هدف معین.
وإذا أردنا ذکر السمات الشخصیة للقائد بتعبیر علماء الإجتماع والنفس ، نری بأن القائد یجب أن یحظی بالسمات التالیة:
الثقة بالنفس والإتزان الإنفعالي والسیطرة والذکاء والمبادءة والطموح والمرونة والحماس والبشاشة والمرح والحساسیة الإجتماعیة والشجاعة والإبتكار والابداع واللباقة والموضوعیة.
اللذین حالفهم الحظ أو سنحت لهم فرصة التعرف بالرئیس مسعود بارزاني عن كثب یؤیدونني بأنە کقیادي یمتلك السمات المذکورة أعلاه وبالإضافة الی تلك السمات الشخصیة ، فإنه یحمل في داخله منذ مرحلة مبکرة من عمله کبیشمرکة والی حین تمسکه زمام القیادة رؤیة وهدف إنساني نبیل ألا وهو الوصول الی الحریة التامة لشعبه وإستقلال دولة کوردستان بعد الإعلان عن تأسیسها.
نحن اليوم أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة، ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة. بارزاني یدرك جیدا بأننا الآن في زمن الكتروني لا يمهل كثيراً بل هو يهمل اذا لم نحسن التعاطي مع ادواته ، فهو یستجیب بتعقل ورؤیة وهدوء للمثیرات المختلفة، ونتیجة لذلك نراه یقرر بموضوعیة تضمن رؤیة ومصلحة شعب كوردستان، مدركاً العلاقات والإرتباطات بین الأشیاء والوقائع ، مستخلصاً العوامل البارزة من خبرات عقود من الکفاح المسلح والنضال الوطني للإنتفاع بها في إلقاء الضوء علی المشکلات الحاضرة. أما فیما یخص طموحاتە، فإنه یؤمن أكثر من غیره بطموحات شعبه في الإستقلال ، لا یهاب من مجاهرة تحقيق هذا الهدف المرجو أمام الملأ ، لذا نراه یؤكد علیه في کل مناسبة و مناسبة.
وما زیاراته المیدانیة الی جبهات القتال و المشارکة الفاعلة مع قوات البیشمرکة في صد هجوم قوی الظلام من أمثال “الدواعش” إلا دلیل واضح علی الحماسة والغیرة النابعة من ذاته کقائد و بیشمركة وهذه الحماسة ینعکس بشکل إیجابي علی المقاتلین في الجبهات وعلی قوات حفظ الأمن في الداخل.
إن إدراكه لشعور الآخرین وحرصه علی عدم إهانة أفراد شعبه أو القسوة علیهم هو بعد من أبعاد الحساسیة الإجتماعیة ، التي تلعب دوراً هاماً في الروح المعنویة للشعب الکوردستاني للوصول الی غایاته الأسمی.
هو الذي أكد غیر مرة علی مبدأ التّسامح الإنساني والأخلاقي لیشكل حجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية المستقبلية وحفّز الحوار الثقافي المتحضر بين الطوائف والقوميات والاديان المختلفة وعزز بسیاسته الحکیمة فلسفة التعایش السلمي کصناعة مفهومية في كوردستان.
هذه القدرة مكنه من أن یکون واسع الأفق لیتنبأ بنتائج أعمال شعبه وإنتصارات مقاتلیه علی أعداء الإنسانیة من الإرهابیین.
وفیما یخص موضوعیته ، نراه یحسن قرأة المجریات ويستثمر طاقته الفکریة بصورة مبتكرة و بناءة ، غیر متحیز لفئة أو جماعة أو جنس أو طبقة أو طائفة أو ناحیة معینة ویسعی الی تدعیم الإتصالات الشخصیة بین أفراد شعبه لیزید من قوتهم ویوحد صفهم و صوتهم وتضامنهم و تماسکهم بغیة الوصول الی الإجماع في الرأي حول القضایا المصیریة لإتخاذ قرارات تصب في مصلحة شعبه أو توصلە لتحقيق حلمه في بناء الدولة الکوردستانیة.
وختاما نقول: القيادة الناجحة تتطلب إذن أشخاصاً ذوي مواهب نادرة تجعلهم صالحين للقيادة ، لا یدعون بأنهم ینقذون البشریة ولا یعتبرون نفسهم أفضل من بقیة الكائنات، بل یعیشون وسط الطبیعة بوصفه جزءاً من موجوداتها.
“ومن لا یصنع واقعه و لایحضر في زمنه، الحضور الفعال والمزدهر، لایحسن الإفادة من ماضیه ، کما لا یحسن إستقبال آتیه”.