الدهاء الدبلوماسي والسياسي الفعال يتفوق على الجاه والمال !
احمد الحاج
بصرف النظر عن حبك أو بغضك لهؤلاء، فإن الدهاء الصيني ، التركي ،الفارسي ، في العلاقات الدولية والدبلوماسية وعموم المفاوضات السياسية هو المفتاح الذهبي الذي يمتلكونه ويحققون من خلاله ما يصبون اليه بما لايخطر على بال ، حتى صاروا يفتحون به من الأبواب الموصدة والمنافذ محكمة الاغلاق ما لايمكنك تصوره البتة، وتبقى الكارثة فينا نحن اذ ان هذا المفتاح الذي نذهل عنه ونتجاهله ولا نمتلكه نحن العرب في عموم العراق والمنطقة صار وبالا علينا بحق حتى أن أحدنا يدخل الى المفاوضات – أية مفاوضات – اما وهو في حالة خضوع تام وانبطاح مخز وبين يديه أنواع الهدايا والوان التنازلات ليقدم فروض الطاعة والولاء صاغرا لعل المقابل يرضى عنه ، ولن يرضى عنه الى درجة ان هذا المقابل لو أخر طائرته في المطار عمدا ، او ارسل من ينوب عنه من المستشارين لاستقباله في احدى المطارات الثانوية وبخلاف البروتوكولات الدبلوماسية ،ولو انه تعمد رفع علم بلاده من غرفة المفاوضات وقاعة الاجتماعات ، أو وضع قدمه في وجهه – ترس – وهو جالس بأسترخاء على اريكته ،فلا مشكلة عنده ، بالمقابل تجد ان نفس المفاوض وفي ظروف أخرى مع دول أخرى ، او ان مفاوضنا يدخل مغترا بأمواله ، بأنسابه ، بأحسابه ، بأصهاره ، بآباره النفطية ، بحقول الغازية ، ببضع ميليشيات او القبائل المسلحة التي تقف من ورائه هاتفة بإسمه على طريقة “فوت بيها وعالزلم خيلها” فتراه وبناء على ذلك كله – معنترا ومشمرا ومشنترا – وكأنه يمتلك ترسانة لاتقهر من القنابل والغواصات النووية وحاملات الطائرات الحربية ، وفي كلا الحالتين فإن العرب لايحصلون في العادة على شيء يذكر على الاطلاق بإستثناء الأبهة الفارغة والوعود الزائفة، رئيس واحد فحسب – ترامب ابو كذيلة – تمكن من حلب العرب والحصول على 400 مليار دولار بظرف ساعات لا أكثر ثم رحل بعيدا عن الانظار وغادر القصر الابيض من دون أن يحصل العرب منه على شيء يذكر اطلاقا بإستثناء الوعود الفضفاضة، لأن الهدايا الثمينة وكرم الضيافة الزائد عن حده ومن غير حنكة ولا مناورة ولادراية ولا دهاء ولاتنظيم أشبه ما يكون بعزائم وولائم الفخر والوجاهة التي تنحر فيها عشرات الخراف ويدعى اليها الاغنياء فيما يطرد عنها الجياع والفقراء = صفر على الشمال ، ثقوا لو أن 10 مليارات دولار فقط من هذا المبلغ المخيف قد وضعت بحكمة وفي مكانها الصحيح والمعتبر لقلبت الطاولة على رأس ترامب وادارته ولجعلته يتملقنا بدلا من أن نتملقه !
ولعل الدليل على الدهاء الصيني هي تلكم الخطة الجهنمية “الحزام والطريق “التي جعلت من الصين قوة عظمى بحق تسيطر حاليا على أشهر الطرق البرية والموانئ البحرية في العالم وتبني القواعد العسكرية في طول الكرة الارضية وعرضها ، وتتغول اقتصاديا بشكل مخيف ومتصاعد بما يهدد اميركا واوربا سوية بالابتلاع والذوبان من خلال إعادة احياء طريق الحرير القديم الذي من شأنه ان يجعل التنين الصيني يتربع على قائمة الاقتصاد الاقوى على وجه الارض في غضون بضعة اعوام ، ولعل الدليل على الدهاء الفارسي هي تلكم المفاوضات التي تجريها مع الجانب الاميركي والاوربي بشأن ملفها النووي في ذات الوقت الذي تخصب فيه اليورانيوم وتوسع من برنامجها حتى باتت قاب قوسين من صناعة القنبلة الذرية في حال لم يحسم هذا الملف بالمفاوضات او بما يناقضها حتى بت اشك بأن ايران إنما تناور لكسب المزيد من الوقت بهذه المفاوضات للوصول الى مبتغاها ، ولعل من الادلة على الدهاء التركي وأحد نماذجه هي تلك الصورة التي ظهرت خلالها مترجمة شابة جميلة محجبة تجلس الى جوار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في لقائه الأخير مع الرئيس الاميركي بايدن ، وهذه الفتاة بإختصار هي ” فاطمة قاوقجي” وهي ابنة النائبة التركية السابقة مروة قاوقجي، والتي سبق أن طردت من البرلمان التركي واسقطت عنها الجنسية ايام الرئيس التركي الاسبق سليمان ديمريل ، بسبب حجابها تحديدا وتم مطاردتها حتى هربت خارج البلاد والى غير رجعة “، فاطمة هذه واسمها الكامل هو ” فاطمة قاوقجي ابو شنب” والدها من اصول عربية فلسطينية وكأننا باردوغان يريد ان يقول لبايدن “حجابنا وفلسطيننا وهويتنا وتقاليدنا وأعرافنا خط احمر” ، ليس هذا فحسب بل وأن فاطمة قاوقجي خريجة اميركا تخصص علاقات دولية ما يعطي رسالة متعددة الأوجه والمعاني الى العديد من الأطراف في آن واحد، وكان بامكان اردوغان أن يأتي بأي مترجم يجيد الانجليزية متعاقد مع وزارة الخارجية التركية في لقائه مع بايدن الذي يريد ويتمنى كسب تركيا الى صفه في حربه الاقتصادية المعلنة والملحة ضد الصين وانتهى الامر، الا ان هذا الرجل يحسب لهكذا لقاءات الف حساب ولن يخرج من أي منها خاسرا ولا مهزوما ولا مأزوما من دون حصيلة لابأس لها من المكاسب والانتصارات ومن دون ان يدفع قرشا واحدا لتصبح حديث الشارع والاعلام على سواء، ولهذا السبب – سواء احببت هذا الرجل ، ام كرهته فهذا ليس مهما في السياسة وهي فن الممكن حيث المصالح والمصالح والمصالح فقط هي التي تتغلب في نهاية المطاف على كل الصداقات والقرابات والعنتريات – فإنهم يهابونه ، واحيانا يتملقونه ، وأحيانا يتحاشونه ، وأحيانا يفاوضونه ، وقد أجاد اردوغان مسك العصا من الوسط وبرع في لعبة مسك الخيوط كلها بيد واحدة حتى صارت كل من الصين واميركا وروسيا واوربا تتسابق جميعها للتحالف معه وتسارع لتخطب وده في صراع كسر العظم ضد بعضها بعضا برغم الجعجعات الاعلامية الصادرة عنهم جميعا بحقه بين الفينة والأخرى !
ارجوكم ايها العرب من المحيط الى الخليج حكاما ومحكومين تعلموا من هذه الدروس جيدا ، فكل حركة وسكنة وتصرف وتوقيت وكلمة محسوبة بدقة فائقة وبالمليم حتى الملابس ، حتى طريقة الجلوس ، حتى نوع الضيافة ، حتى نوعية الاثاث ، حتى الصور المعلقة على الجدران ، حتى الزهور او التماثيل الموضوعة على الطاولة ، حتى الملابس كلها ذات دلالات رمزية وتأريخية وقومية ووطنية محسوبة بدقة متناهية ولايوجد شيء عبثي ابدا ، يقرأها الخصم جيدا ان كان نبها بما فيه الكفاية ، ويقرأها اعلامه بعد ذلك مليا ان لم يكن هو بالمستوى المطلوب وبالحد الادنى من الدهاء …كفاكم سطحية في التعامل مع القضايا الدولية ..اموالكم ونفطكم لاتساوي شيئا امام دهائكم فلرب داهية وان كان مفلسا اشد وطأة على الخصوم واصعب مراسا في المفاوضات ..من 100الف ملياردير امير لايفقه في فن المفاوضات ولا الدبلوماسيات ولا السياسات الخارجية شيئا قط !
وبما ان الشيء بالشيء يذكر فإن سفاراتنا العربية عموما والعراقية خصوصا تتباهى بالاثاث الغربي واللوحات الغربية والموسيقى الغربية والملابس الغربية اثناء اللقاءات والمفاوضات ..بينما المفترض ان يكون اثاث السفارات والملحقيات وكل اللوحات والزهور والملابس والموسيقى والطعام والشراب المقدم عراقيا خالصا اذا كانت عراقية ، وسعوديا اذا كانت سعودية ..وكويتيا اذ كانت كويتية وهكذا دواليك ، ولابأس بمغازلة الجمهور هناك بأرتداء ملابسهم التراثية في اعيادهم او تناول طعامهم كما كان يفعل السفير الياباني السابق في العراق حين كان يتناول الكاهي والقيمر صباح عيدي الفطر والاضحى وهو يرتدي الملابس البغدادية التراثية فكسب قلوب الملايين من العراقيين بتصرفاته تلك التي لاقت استحسانهم ، ولكن من المعيب ان يتفاوض السفير الياباني نفسه مع وفد عراقي بغير ملابس بلاده التقليدية ، افهموا القواعد الدبلوماسية واصول اللعبة السياسية جيدا قبل ان تتفاوضوا وقبل ان تصيروا سفراء ..حذاؤك ، قميصك ، بدلتك ، جواريك ، حقيبتك الدبلوماسية ، عطرك ، ضيافتك ، زهورك ، اثاثك ،كلها يجب ان تكون صناعة عراقية خالصة خلال اللقاءات والمفاوضات مع تخير التواريخ والتوقيات واللوحات والهدايا ذات الدلالات الرمزية والوطنية المناسبة من دون ان تغفل ايا منها ولو سهوا ” انت تهدي لوحة / صورة عن الملوية ، عن الاهوار ، عن اثار الحضر ، الخ ” فبها ونعمت ، ولكن ان تهدي ضيفك البريطاني صورة لساعة بيغ بن مثلا ، او برج ايفل ان كان فرنسيا ، وانت تفاوضه بشأن تعوبضات العراق من جراء الغزو الانلكو ساكسوني لبلادك فهذا هو الهراء بعينه ! اودعناكم اغاتي