الإتحاد مع الأصل:
أقوى و أهمّ إنجاز يُمكن تحقيقه في شهر رمضان هو تحقيق ألوصال مع المعشوق الحقيقيّ، و تلك هي غاية ألسّعي و العبادة في الصوفية.. و شهر رمضان هو أنسب الفرص والاوقات التي فيها تتحقق مقوّمات الوصال بعد نيل التقوى .. و ( لعلكم تتقون )؟
ألتّصوف نظرة روحيّة ترمي الوصول لله .. و واجب المتصوّف هو بيان و توضيح هذه النزعة في مظاهرها و أحوالها بحسب مبادئ الفلسفة العزيزية و القواعد الكونيّة ، و أبحاث الصوفيّة الاساسية التي تدور حول هذين النقطتين، فهم يشرحون آداب المريد و ما يجب ان يتحلّى به من سامي الخصال كالصّدق و الاخلاص و القناعة و الزهد .. و يرسمون له وسائل النجاة من توبة و ندم و تقوى و ورع و صمت و تامّل و خلوة و إعتكاف و يتحدّثون عن أحوال النفس و مقاماتها كالعشق و الشوق و الخوف و الرجاء و الغيبة و الحضور و الفناء و البقاء و ما وراء ذلك من عوالم آفاقية.
ان من اهم الأفكار الاساسية لنهجنا الكونيّ هو (الاتحاد) و (وحدة الوجود)
:
الاتحاد : اعلى مقامات النفس و اسمى مراتبها يحسّ معه الواصل كأنه و البارئ شئ واحد فيرى ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و يشعر بغبطة و سرور لا نظير لهما و يخترق الحجب و يصعد الى عالم النور و الملائكة فتنكشف امامه الاسرار و الغيبيات و الخفايا حتى يُخيّل لجلسائه أنه حاضر و الواقع انه غائب و أنه قريب و الحقيقة انه بعيد .. قد إنصرف عن كل شؤون الدنيا وتغرّب و فُنِي في الله، و قد اشرنا من قبل الى انّ البسطامي هو اوّل مَنْ قال بهذه الفكرة و يقال أنه اخذها من التعاليم الهندية التى كانت سائدة في بلاد فارس (مسقط رأسه) .. و فكرة الاتحاد الصوفية شبيه كل الشبه بفكرة الفناء المطلق او (النيرفانا) الهندية ألتي تقول بإمحاء الشخصية الفردية و تلاشيها في الحقيقة الكلّية .. و قد ايّدها الحلاج نظماً و نثرا .. و قد اشار لها القرآن و الحديث حتى القدسية منها ..
كالاشارات التالية:
قوله تعالى : (…و نحن اقرب اليه من حبل الوريد). و (و هو معكم اينما كنتم) .. و كذلك حديث القرب .. و هكذا كان الحافز الاساسي لهم على التفاني طول الخط؛ العبادة و الزهد.
في الحلقة القادمة سنُبين الحقيقة الثانية (وحدة الوجود) ان شاء الله.