قصة قصيرة جداً

 حيدر حسين سويري

 

 

   دَخَلتْ إلى الغُرفةِ وأحكَمَتْ غَلَقَ البابِ، ثُمَّ بَدأتْ خَلَعَ ثِيابِها رويداً رويدا… وهي تَنظرُ إليهِ، عُيونها تَلمعُ ببريقِ الشهوةِ القُصوى، وتَفَتحَتْ مَفاتِنها كـ وردةٍ حمراءٍ تَسرُ الناظرين…

   هو، مُلقىً على السريرِ، قد أشاحَ بوجههِ عنها، صوب النافذةِ ودموعهُ تنحدر على وجنتيه، وقد بللت وسادته، وشفتاهُ يعتصران مِنْ الحَزَنِ، والألمِ والغضب، وهو بين هذا وذاك، لا يَنبُس ببنتِ شفةٍ…

   إقتربت منهُ، وأخذت تمسح قدميه ببدنها، في شهوةٍ عارمة، وما بين قبلةٍ ولعقةٍ، ثار جنونها، فإمتطتهُ، وهي تهتزُ كأنها جان، وهو منها كعصا صولجان، حتى إذا ما هدأت شهوتها، وأُطفئتْ نارها، إستلقت على صدرهِ برهةً، كالمغشي عليهِ من الموت…

   تَرَكتْهُ والسرير، وإرتدت شيئاً من ثيابها…ذهبت إلى الحمام لتغتسل، ثُم عادت إليهِ لتنظفهُ وترتبهُ، فوجدتهُ غارقاً في البكاء، فقبلتهُ في جبينهِ، فصرف وجهه عنها وقال:

  • لعنك الله يا فاجرة

جَلَستْ على كرسيٍ قرب السرير، أخذت تلوكُ أسنانها وهي تبتسم، وتضغط على أصابع كفيها المتشابكة، ثُم تنحني لتقترب منهُ، وتهمسُ في أُذنه:

  • إنك تعلمُ… أن لا فائدة من هذا الكلام

فيهز رأسهُ، محاولاً الإبتعاد عنها، فتستوي على الكرسي، وتبدأ قطراتُ دمعها تنزل كحبات ندى، على ورق الزهر، ثُمَّ تتنهدُ قائلةً:

  • لا ذنب لي، إن إبنك حمار
  • إبني رجلٌ صالح
  • نعم… هو رَجلٌ صالح، يحبني ويحب عياله، ولا يمشي في ما يغضب الله، يحب الناس والناس تحبه، لم يبخل علينا بشئ، ولكنهُ ليس صالحاً معي، فهو لا يُشبع رغباتي، ولا يفقهُ من معاشرةِ المرأةِ شيئاً….
  • أفتجازينهُ بهذه الخيانة؟
  • على العكس مما تقول! فلقد سترتُ عليه، ولم أخنهُ… مع رجل غريب ليفضحهُ ويفضحُني، أنت رجلٌ مشلول، لا تستطيع الحركة، وأنا أخذ منك ما أُريد، وأعلم أنك لن تُخبره أو تُخبر غيره…
  • وماذا عن الحرام؟ وإن كُنتِ تجدين لذنبكِ عذراً؟ فما ذنبي أنا؟ أأدخلُ النار بسببكِ؟
  • هدئ من روعك… سأجلبُ لكَ عصير الليمون
  • لا اريد منكِ شيئا، سأُضربُ عِنْ الطعام
  • ههههههههههه في كل مرة تفعل ذلك، ولكنك تفقد مقاومتك، مع حضور إبنك ليطعمك، نم هانئاً

تخرجُ وتُغلقُ الباب، فيتوجهُ إلى النافذةَ يسأل السماء، وهو يجهش بالبكاء، أن تَمُنَّ عليهِ بالموت، فلم يَعُد يُطيقُ هذا الأمر أبداً….

   في هذه الأثناء، يدخل عليهِ حفيده الصغير، الذي لم يَبلُغ السنة الرابعة من عُمره بَعد، وهو ينادي:

  • جدي… جدي… لقد وجدتُ هذا القرص تحت سريري
  • أين أُمك؟ لماذا لم تذهب لتعطيها القرص؟
  • في المطبخ، لقد ذهبتُ وبعدُ لم أتكلم، صاحت بي وهي تبكي: إغرب عن وجهي… فحضرتُ عندك
  • دعني أرآه؟

يقترب الطفل، ليُري جدهُ القرص، فيتبين لهُ إنهُ سُمٌ، يُستخدم لقتل الجرذان، فخطرت في بالهِ فكرة الإنتحار… طلب من حفيده أن يضعهُ في قدح الماء، ويخوطه حتى يذوب، فهو دواءه، وشكر حفيده على إحضاره…

أتم الحفيد ما طلبهُ جدهُ منهُ، وبدأ يُسقيه الماء… ثُم أمر الجدُ الحفيد بوضع القدح في مكانه، والذهاب إلى اللعب خارجاً، فخرج الحفيد وأغلق الباب…

   طُرِقَ البابُ… تمسحُ دموعها وتغسل وجهها، وتفتح الباب:

  • أهلاً حبيبي… لقد حضرت مبكراً اليوم؟
  • نعم أحسستُ بوعكةٍ، وطلبت الأذن بالخروج، فأذنو لي
  • هلا ذهب إلى الطبيب؟
  • لا.. سأستريح قليلاً، وأرى إن إستمر الألم ذهبتُ إلى الطبيب، سأذهب لأرى أبي

تتجه نحو المطبخ، ويذهب ليرى أبيه، يَفتحُ الباب، فيصرخ: أبي أبي ….. تأتي مسرعةً وتَقفُ عند الباب مُتسمرةً في مكانها، بعد أن رأت الأبن يحضن أباه، وهو مُلقىً بين ذراعي ولده ميتاً، وقد تَقيأ سُماً…

تحضر الشرطة، وتُثار الشكوك حول الزوجة، التي بقيت صامته… يتقدم ضابط التحقيق ويسألها:

  • أنتِ مَن قَتل الرجل؟

وبعد صمتٍ قليل، تجيب:

  • نعم

تخضع للمحاكمة ويتم إعدامها، بالرغم من أنها لم تشرح كيف ولماذا إدَّعت قَتله، ولكنها إختارت هذا المصير، لأنها في قرارة نفسها، أيقنت أنها دفعتهُ لهذا الفعل…