حكومة الدعوة وملف المقابر الجماعية
كان بودي أن تكون هذه الحلقة متممة للحلقة الماضية ، فأتكلم عما بدأته فيها عن مصداقية حزب الدعوة ، وكيف تسنى له أن  يحاصر كوادره الكفوءة ويجلسها في بيوتها ويستبدلها بقطعان البعثيين ، أو عناصره الفاشلين ، وكنت أنوي أن اجيب على تساؤل ، لطالما حير البعض وهو كيف استطاع حزب الدعوة أن يستحوذ بهذا الشكل الغريب على مقدرات العراق مع إفلاسه الجماهيري وفشله وسوء إدارته للدولة ، إذن هناك اسباب ( تمس كرامة الأمة والمذهب ) سوف أجيب عليها ، واتركها لقابل الحلقات … لكن دعوني أتناول علاقة حزب الدعوة بملف المقابر الجماعية ، فلقد وردني أن وزير حزب الدعوة لحقوق الإنسان محمد شياع السوداني ينوي أن يقيم معرضا للمقابر الجماعية في جنيف ، ومن قبلها بشهور أقام معرضا في لندن ، فما حكاية هذه المعارض وهل فيها فعلاً علاجا ناجعا لمعالجة هذا الملف الإنساني الكبير الذي لم يزل يحبو على ركبتيه – مع أهميته الإنسانية والمعنوية – أسوة بالكهرباء والخدمات ، وبالزراعة والصناعة  ؟ .
أحب أولاً أن اضع في خدمة أحبتي ، أنه لو أراد أن يطلع أحد منكم ، على تفصيلات أكثر في هذا الملف الإنساني الكبير فعليه أن يقرأ سلسلة مقالاتي السبع وهي بعنوان ( جرائم ترفض أن تموت ) ويمكن له أن يجدها في شبكة الأنترنت وموقع ( العراق الجديد للإعلام والدراسات ) ، أما في هذه الحلقة فسوف أتناول ( صحوة الضمير ) لحزب الدعوة  فيما يخص شهداء المقابر الجماعية ، وكيف أوعز أو أنه أعطى الضوء الأخضر لوزيره لحقوق الإنسان ، محمد شياع السوداني للتعامل من الملف ، من أجل أن يعيد الاعتبار للشهداء ويمسح الدموع عن عيون أراملهم وأمهاتهم وأطفالهم ، فماذا فعل إذن معالي الوزير محمد شياع السوداني من أجل تحقيق ذلك بعد قطيعة لملف المقابر الجماعية دامت أكثر من ثمان سنوات تقريبا وهي فترة حكم المالكي وحكم سلفه ( الصادق الأمين ) ؟ علما أن حزب الدعوة سبق وأن قاطع ثلاث مؤتمرات دولية  متتالية  على مدى خمس سنوات ( لندن – النجف – أربيل )  استطاعت أن تثبت هذه الجريمة في وجدان الشعب وما عاد أحد في وسعه أن يطمسها كما حاول حزب الدعوة طيلة سنوات توليه السلطة ، وخاصة أن المؤتمر الدولي الأول الذي تشرفت بإقامته في لندن بتاريخ 16 أيلول 2006 قد أقر في توصيته الثالثة ( يوم 16 مايس ) من كل سنة  يوما وطنيا للمقابر الجماعية في العراق ، فبعد أن اصبح العراق يحتفل بهذه الجرائم في كل سنة لا أعتقد أن حزب الدعوة أو غيره يستطيع أن يحقق ما أراده من طمس  واستخفاف ، تنفيذا لرغبة بعض الشركاء السياسيين من الكتل الأخرى والتي تتوجس خيفة من الحديث عن جرائم المقابر الجماعية ، والتي كانت وما تزال أكبر عنوان لجرائم النظام البعثي السابق .
لكن لا أكتمكم سرا فما زالت في داخلي جمرة تتوقد ، فمع أني وبعض الخيرين استطعت أن أحافظ على الجريمة من النسيان ، إلا أن الأهداف التي سعيت من أجل تحقيقها للملف وخاصة فيما يخص تدويل الجريمة ، لم تتحقق بعد ، وتدويل الجريمة الذي أعنيه ، هو غير ذلك الذي يعمل به وزير حزب الدعوة من خلال إقامة ندوة هنا في العاصمة البريطانية أو معرض هناك في جنيف ، من أجل الفسحة والاستجمام في فنادق الدرجات العلى ، وينتهي كل شيء مع انتهاء الندوة ، ويحرق من أجل تلك الفسح وباسم شهداء المقابر الجماعية مئات الملايين من رصيد هذا الملف ، وأنما الذي أعنيه هو العمل الحكومي الدؤوب من أجل اعتراف دولي بهذه الجرائم الكبيرة ، وهذا الاعتراف يتم فقط من خلال أعمال كبيرة قد فصلتها في سلسلة بحوث ( جرائم ترفض أن تموت )  وهتفت بها في المؤتمرات الدولية الثلاث وثبتها في توصية كل مؤتمر ، أعمال كتلك التي جعلت من المفقودين الكويتين وهم 600 فقط مسجلين لدى منظمات حقوق الإنسان ومعترف بها لدى  الأمم المتحدة رسميا ، أعمال كتلك التي أجبرت ألمانيا أن تعتذر للشعب اليهودي وتبقيها صاغرة تسدد ثمن قتلها لليهود في تعويضات مستمرة ، أعمال كتلك التي أجبرت العالم الغربي على منح اليهود وطنا قوميا  في فلسطين ، أعمال كتلك التي اقدمت عليها حكومة البوسنا فدفعت الإتحاد الأوربي على منح مئات الملايين من الدولارات لضحايا المقابر الجماعية وذويهم ، أعمال تنقذ ذوي الضحايا من الفقر والتهميش والاستخفاف ، أو السكن في الخرائب والمجمعات العشوائية ، مثل تلك الأعمال نحن دعونا لها وما زلنا نعمل من أجلها في المؤتمرات الثلاث الماضية وهتفنا بها في مقالاتنا وخطاباتنا إلى حكومة السيد المالكي حتى بحت أصواتنا ، واليوم يريد حزب الدعوة أن يوهم الشعب العراقي من أنه مهتم بملف المقابر الجماعية من خلال رحلات سياحية وسفرات استجمام تقوم بها وزارته بين حين وحين ، والمشكلة أن هذه الأعمال  (الترفيهية ) لهذه الوزارة هي امتداد لأعمال مماثلة كان يقوم بها سنوات طويلة  المدعو محمد طاهر التميمي والذي كان يرأس اللجنة العليا للمقابر الجماعية قبل (وفاتها ) فلقد سبق وزارة حقوق الإنسان في حرق الكثير من ميزانية الشهداء بسفرات مصطنعة وإيفادات – أحتفظ بكثير من الوثائق لها –  إلى الدول الأوربية بذريعة – التدويل – وليت شعري أي تدويل لهذه المظلمة الكبيرة يمكن لها أن تنجز من خلال ندوة بائسة أو معرض متوضع ليوم أو يومين ؟!! .. لقد فرض حزب الدعوة على نشاطي في هذا الملف حصارا غريبا غير مبرر ، وحاول حصر مسؤوليته في ( قسم متواضع ) في وزارة حقوق الإنسان خوفا من التمدد ، وخاصة أن مثل هكذا قضية بحاجة إلى أبعاد مادية ولوجستية ليس في وسع ( الفقير لله مثلي ) أن يمتلكها ، لكن حزب الدعوة  المهيمن على أموال البلاد والعباد يمتلكها وبخل بها ( لغاية في رأس يعقوب ) ، وسوف نبين هذه الغاية إنشاء الله .
لقد تعامل رموز حزب الدعوة مع أغلب قضايانا المهمة ، بأسلوب لم نكن نتوقعه من رموز حركة إسلامية كان المفروض بها أن تكون قدوة في التضحية والجهاد والوفاء ، لكنها أشاحت بوجهها عن كل معاني التضحية والجهاد بمجرد وصولها لدنيا السلطة ، ووضعت لها معايير خاصة بها في ممارساتها اليومية ، لا تتجاوز حدود المصالح الشخصية والحزبية ، ولعل المؤشرات كثيرة على صحة هذه الخصيصة ومن أبرزها تنامي الفساد بكل أشكاله مع تنامي قوة حزب الدعوة في الحكم .
وأسوق لكم مثالاً عمليا لذلك وله علاقة مباشرة بملف المقابر الجماعية ، الذي نحن بصدده .. فبعد أن لم تبادر حكومة السيد المالكي ومن قبله حكومة ( الصادق الأمين !! ) لعمل أي شي لجرائم المقابر الجماعية مع ما أحدثت من ضجة عالمية إعلامية وإنسانية بعد سقوط النظام البعثي ، قررتُ عقد المؤتمر الدولي الأول للمقابر الجماعية في المملكة المتحدة – في أيلول 2006 –  وكنت أظن أن حزب الدعوة سوف يبارك هذه الخطوة ويدعمها بكل أشكال الدعم ، فكتبت – وأنا أحضر للمؤتمر – رسالة للدكتور الجعفري أواخر2005 وكان رئيسا للوزراء ، طالبا منه دعم المؤتمر وقد شرحت له بالتفصيل دواعي ذلك ، وبالطبع لم أتلق منه ردا وقد تأكدت بطريقتي الخاصة أنه قد استلم الرسالة ، فعاودت الكتابة إليه كرة أخرى ، لكنه لم يرد أيضا ، وبعد أن تولى المالكي الوزارة في آيار 2006 ، ارسلت له رسالة لم يجب عليها ، وقبل عقد المؤتمر بشهر تقريباً كان هو في زيارة إلى لندن ، كتبت له رسالة أخرى أطلب فيها دعم المؤتمر ،  وسلمتها بيد مدير مكتبه ( انذاك ) طارق نجم عبد الله ،  وأتذكر أني قلت له مازحا وأنا أضع الرسالة بيده : هذه أمانة تسلمها للسيد المالكي ، وسوف أحسابك عنها غدا أمام الله فهي تتعلق بدماء ضحايانا . وكان أحد المسؤولين يقف معنا لا أتذكرأسمه ، التفتُ إليه وعقبتُ : وهذا الرجل سيكون شاهدا أيضاً عليك أمام الله . كنت ارغب في أن اضفي على الرسالة طابع الأمانة التي يستوجب على من يؤمن بالله أن يصونها .
لم اتلق أي إشارة من حكومة السيد المالكي ، لا مادية ولا تشجيعية ، علما أن حزب الدعوة في لندن كان يراقب عن كثب الحملة الإعلامية التي كنت أقوم بها تمهيدا لعقد المؤتمر ، وقبل اسبوع تقريبا من عقده في 16 أيلول 2006 كانت هناك مؤشرات كبيرة على نجاحه وخاصة أن صداه قد تجاوز الآفاق وكثر الحديث عنه في داخل العراق وخارجه ، ويبدو أن حزب الدعوة قد تفاجأ وهو يرى ملامح النجاح تلوح في الآفق ، لقد أشاح الجميع بوجوههم عنه ، ماعدا الدكتور عادل عبد المهدي فقد تبرع مشكورا بمبلغ  يعادل ثلث تكاليفه  التي تجاوزت العشرين ألف دولار بقليل ..وكم كانت دهشتي كبيرة عندما توالت علي المكالمات التلفونية من بعض الكتل والشخصيات السياسية ، كلٌ يريد أن تكون له كلمة في جلسة الإفتتاح  . لقد فهمت الغايات من تلك الكلمات ، لم تكن من أجل الشهداء ولا من أجل معالجة قضيتهم الكبرى ، إنها غايات سياسية ، لقد تسابقوا لإلقاء الكلمات ، لإهداف إعلامية ،  لكنهم قبل ذلك أحجموا بل أصموا آذانهم عن الدعوات لدعم هذه القضية ، وممن اتصل بي ( أبو مهدي الأنصاري ) من مكتب حزب الدعوة في لندن ، كان يريد كلمة لحزب الدعوة ، قلت له بالحرف الواحد : هذا المؤتمر ليس لإلقاء الخطب السياسية ، وأنما لمعالجة قضية إنسانية كبيرة ، فإذا كان لديكم بحث يتعلق بالمقابر الجماعية فسوف أدرجه في البرنامج … فبادر مرة أخرى قائلاً : إذن نريد خمس دقائق للدكتور ابراهيم الجعفري . فبادرته قائلاً : وحتى الجعفري لن اسمح له بذلك . للموضوع بقية إنشاء الله

د. طالب الرماحي