الشائعات .. أنواعها وتأثيرها في المجتمع

د. نبيل أحمد الأمير

عرّف العلماء” الشائعة ” أو “الإشاعة” على أنها خبر أو مجموعة من الإخبار الزائفة التي تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتداولها بين العامة ظنّاً منهم على صحتها ، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيّقة و مثيرة ، وتفتقر الإشاعة عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة صحتها ، وتهدف هذه الإخبار إلى التأثير علي الروح المعنوية والبلبلة وزرع بذور الشك ، وقد تكون هذه الإشاعة “عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .
وأتفق العلماء والمختصون في هذا المجال علي أن الإشاعة تُعدُّ من أحد أساليب الحرب النفسية ، فقد ورد في جميع كتب الحرب النفسية أن الإشاعة أسلوب من أساليبها أو وسيلة من وسائلها مثلها مثل الدعاية وغسل الدماغ وافتعال الفتن والأزمات وغير ذلك من الأساليب الكثيرة .

ويُعرّف الشائعة كل من (جولدن البورت) و(ليوبوستمان ) في كتابهما سيكولوجية الشائعة بأنها “اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين مطروح كي يؤمن به من يسمعه” وهي تنتقل عادة من شخص إلى أخر عن طريق الكلمة الشفهية دون أن يتطلب ذلك مستوى من البرهان أو الدليل على انه كثيراً ما تنتقل الشائعة عن طريق :
– الصحافة
– الإذاعة
– القنوات الفضائية
– مواقع التواصل الإحتماعي
– أجهزه الإعلام الأخرى . 
والشائعة تمس أحيانا أحداث مثل الحرب والتظاهرات والفيضانات والكوارث وارتفاع الأسعار والعلاقات السياسية والموضوعات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية وانتشار مرض معين والتسقيط السياسي وفضائح المشاهير وغيرها …. الخ كما يمكن أن تمس كل الأشخاص مثل : رئيس الدولة أو رجال الحكومة أو الصحافة والسياسة والفنانين والمشاهير وغيرهم .. وتختلف الشائعات بأشكالها فقد تكون ثرثرة ونكات وتقولات وقذف وتنبؤ بخير أو شر بالأحداث المقبلة وغيرها من الأشكال .

إن الشائعات كما تقول لنا المصادر ، لعبة قديمة عمرها من عمر حروب الإنسان وعمره ، ففي كل حرب يسعى العدو دوماً لهدم الجبهة الداخلية للعدو وإشاعة البلبلة فيها ، وبث روح الفرقة ، وقطع كل رباط ثقة بينها وبين قياداتها ودفاعاتها ، بحيث يصنع منها جبهة جديدة ، ينشغل بها عدوه ، فتسهل هزيمته في جبهة الحرب والقتال .
والشائعات لعبة استخدمها الفراعنة ، وانتهجها البربر ، وبرع فيها التتار الذين كانت تسبقهم الشائعات التي ابتكروها ، والتي تبالغ في قوتهم وبأسهم وجبروتهم ، لكى ترهب عدوًهم من قبل حتى أن يواجههم … ولقد نجحت الشائعات التي بثها الألمان في الشعب الروسي إبان الحرب العالمية الأولى في إشعال وإذكاء جذوة الثورة الروسية التي كان على رأس مطالبها الانسحاب من الحرب … ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ، وجاء معها الفكر النازي الذى أدرك أهمية الدعاية والشائعات حتى أنه أنشأ وربما لأوًل مرة وزارة البروباجاندا أو الدعاية والتي رأسها (جوزيف جوبلز) ، وهو أحد مؤسسي علم الشائعات المعروف الآن …
وتعتبر الشائعات فن من فنون عالم الجاسوسية ، له تقسيماته وأنواعه وتأثيراته ، ولكل شائعة من تصنيفاته مهمة وغاية وهدف ، يجعلها أحد فنون الحياة ، وفن عميق أيضاً ، يدرك كيفية استخدام الشائعة الصحيحة في الوقت الصحيح لبلوغ الهدف الصحيح … 
وتعتمد الشائعات بتصنيفاتها كافة على قاعدة أساسية توصّل إليها خبراء علم النفس منذ سنوات وسنوات .. قاعدة تقول : «إن الناس مستعدون لتصديق الكذب مهما بدا زيفه ، إذا ما صادف هواهم وتكذيب الصدق مهما بلغ وضوحه إذا ما خالف هواهم»….

وتصنّف الشائعات من حيث طريقة وسرعة انتشارها فهناك :
– الشائعة الزاحفة : وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همسا وبطريقة سرية تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع .
– الشائعة العنيفة : وهي التي تتصف بالعنف وتنتشر انتشار النار في الهشيم ، وهذا النوع من الشائعات يغطي جماعة كبيرة جدا في وقت بالغ القصر … ومن نمط هذا النوع تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب ، ولأن هذه الشائعة تبدأ بشحنة كبيرة فإنها تثير العمل الثوري لأنها تستند إلى العواطف الجياشة من الذعر والغضب والسرور المفاجئ .
– الشائعات الغائصة : فهي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظرف للظهور ، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص المماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب كتلك التي تدور حول تسميم قوات العدو لمياه الشرب مثلاً ، أو التي تصف وحشية العدو وقسوته مع الأطفال والنساء . 

وبحسب أغلب الخبراء فأن الشائعة في مضمونها تلعب دورا كبيرا في التأثير على معنويات الشعب وإن اختلفت درجة تأثيرها تبعا لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها .. فشائعات الخوف مثلاً من شأنها أن تشيع عدم الثقة في جدوى المجهودات العسكرية ، وهذا يؤدي بدوره إلى إشاعة الروح الانهزامية لإثارة الذعر والرعب بين المواطنين ..
أما (شائعات الأماني) .. فهي تؤدي إلى هدوء الناس والتخفيف من توترهم لما فيها من وعود وتفاؤل . ولعل استخدام الشائعات في الحروب كنوع من انواع التكتيكات النفسية ادى الى تأكيد بعض الامور غير الصحيحة ، مثلما حدث مع اليهود في ترويجهم للهولوكوست فهي بالقطع ليست كما وصفوها وانما لاستخدامهم اسلوب الشائعات مع اعلام جيد استطاعوا ان يقنعوا كثير من البلدان بصحتها او مثل تلك الاكاذيب التي نشرتها الولايات المتحدة الامريكية قبيل احتلال العراق او افغانستان فالشائعات تسبق كل الحروب عادة . ويرجع انتشارها بهذه السرعة نتيجة طبيعية للخوف الذى يسود من جراء الكارثة او موضوع الاشاعة .

وبهذا فإن الشائعات و الحرب النفسية تدخلان في إطار الطب النفسي العسكري الذي يسخّر كل تقنيات الاختصاص للخدمة العسكرية سواء في زمن الحرب أو السلم . حيث تتوزع مسؤوليات الاختصاص وتتنوع باختلاف الحاجات . وتشكل ظروف الحرب ميداناً مميزاً للاختصاص إذ تتحول مسئوليته إلى الإشراف على الحرب النفسية التي تتمحور حول وقاية الداخل من الإرباك وتحصينه في وجه التجسس ، كما المساعدة في عمليات التجسس المضاد وعمليات إرباك الخصم ، وهي تتضمن كل وجوه النشاط الإنساني و المعلوماتي ، ومنها الشائعات والأنباء والإعلام وتصنيع المعلومات وإعادة تصنيعها .

وتعدّ الإشاعات من أهم أساليب ووسائل الحروب النفسية والاجتماعية لأنها تستعمل بفاعلية في وقت الحرب وكذلك وقت السلم وتتميز بشدة تأثيرها علي عواطف الجماهير وقدرتها الكبيرة على الانتشار وفاعليتها العظيمة التي تبدأ منذ وصولها إلى المكان الموجه إليه ، وقد أظهرت دراسات عديدة على تفوقها عن الحروب العسكرية ومدى خطورتها على تفكك المجتمعات وبث الفتنة بين أفراد المجتمع ..

كما يُعد خلق وصناعة ترويج الشائعات على وجه الخصوص من الظواهر المنتشرة بشكل غريب في المجتمعات الضعيفة والمهلهلة والتي تساهم فيها الصحافة الصفراء والمواقع الإخبارية بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج والإنتشار فيها ، هذا النوع من الشائعات في هذه المحتمعات تلاحق كل كبير وصغير ، لا تستثني أحد على الإطلاق ، بل طالت قديما وحديثا العديد من مشاهير السياسة والفن والمجتمع وماتزال إلى وقتنا الحاضر .. وفي ظل هذا التطور من التكنولوجيا وعالم الاتصالات ، أصبح للإعلام دور مهم في تكوين الوعي الاجتماعي لدي الفرد وتشكيل اتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم والسلوك تجاه الآخرين ، وانفتاح البيوت والعوائل على الفضائيات جعل من الخطاب الإعلامي وسيلة يمكن توظيفها حسب مستوى الفرد والجماعة ، حيث تستحوذ اليون هذه الفضائيات على اهتمامنا ، بل تحاصرنا في كل مكان نذهب إليه ويكاد يكون في جميع الأوقات .

كما أسلفنا .. فليس كل الشائعات من طراز واحد ، لكنها تندرج عموماً بنوعين كبيرين من التقسيمات :
– نوع يعتمد على هدفها
– والآخر يعتمد على مصدرها …
وعموم الشائعات التى ترتبط بمصدر الشائعة هى الشائعات البيضاء ، والشائعات السوداء ، والشائعات الرمادية … والمصطلح هنا لا صلة له بهدف الشائعة ، ولا يعنى أن الشائعة البيضاء ذات هدف نبيل ، أو العكس بالعكس ، إنما يرتبط بمصدرها فحسب .. فالشائعة البيضاء هى شائعة معلومة المصدر ، مثل خبر ينشر أو يذاع فى التليفزيون الإسرائيلى ويثير بلبلة فى الشارع المصرى ، أو ينشر على لسان مسئول أمريكى ، ليحتل مكانة رفيعة ، ولكنه ليس صاحب القرار الرئيسى ، فيثير بلبلة هنا ، لما حواه من تهديدات ومخاوف وتصريحات ليست فى النهاية سوى تعبير عن وجهة نظر صاحبها الذى يمكنه التصريح بأنه ليس فى موقع إصدار القرار ، إذا ما أتت الشائعة بنتيجة عكسية …
أما الشائعة الرمادية فهى شائعة يصعب تحديد مصدرها بالضبط ، إذ أنها تنطلق وتنتشر فى الشارع ويتناقلها ويردًَّدها البعض مما يزيد من انتشارها السريع على الرغم من أنها لم تأت على لسان شخص بعينه ، ولم تصدر عن جهة معلومة ، وليس هناك حتى ما يمكن أن يثبتها أو ينفيها ، لذا فهى شائعة مجهولة المصدر ، تحدث تأثيراً كبيراً دون أن ينتبه أحد إلى ضبابية ورمادية مصدرها …
أما الشائعة السوداء فأمرها يختلف ، فهي تصدر عن مصدر يخالف تماماً ما توحي به ، أو ما تنسب إليه … كأن تتحًَّدث بها إذاعة ناطقة بالعربية مثلاً ، وتبدو وكأنها إذاعة وطنية فى أغنياتها وإعلانها ومضمونها ومعظم نشراتها الاخبارية ، والتى تدس فيها الشائعات التى هى سر وجودها من الأساس … وتلك الإذاعات ولأنها تتخذ مظهراً وطنياً لتدس السم فى العسل ، تحظى فى المعتاد بنسبة مستمعين عالية ، وبنسبة مصداقية كبيرة بين الناس ، مما يرفع من قيمة دورها عندما تدس شائعاتها بين الأوساط البسيطة والمتابعة لها ، خاصة أنها تنفرد أحياناً بمجموعة من الحقائق ، ترفع ثقة الناس بها إلى الحد المطلوب …

والشائعات بكافة تصنيفاتها تعتمد على قاعدة أساسية توًَّصل إليها خبراء علم النفس منذ سنوات …
في قاعدة تقول : «إن الناس مستعدون لتصديق الكذب مهما بدا زيفه إذا ما صادف هواهم ، وتكذيب الصدق مهما بلغ وضوحه إذا ما خالف هواهم»….

المسألة إذن ليست فى صدق أو كذب ما يقال ، ولكنها فى رغبة الناس فى تصديق أو تكذيب ما يقال … ولكن دعنا نعُد إلى الشائعات نفسها ، وإلى تقسيماتها حيث تنقسم من منطلق الهدف إلى ثلاثة تصنيفات أخرى وهى :
– الشائعات المتفجًَّرة
– الشائعات الزاحفة
– الشائعات الغائصة …

والشائعة المتفجًَّرة، هى شائعة سريعة المفعول، معًَّدة بحيث تتفجًَّر فى المجتمع، تحت ظروف بعينها، لكى تحقًَّق هدفاً تكتيكياً سريعاً، مثل شائعة موت (هتلر)، التى أطلقت عام 1941م؛ فى محاولة لإثارة بلبلة كبيرة يمكن من خلالها العمل على قلب نظام الحكم… وشائعة فرار القيادة مع الأيام الاولى لثورة يناير 2011م ، والتى أشاعت الاضطراب فى صفوف قيادات الشرطة …وهذا النوع من الشائعات يقتصر على فترات المواجهات المباشرة ولا يصلح للتعامل على مستوى كبير او لفترات طويلة ، إذ أنه ينكشف فى سرعة بعد أن يحقًَّق الهدف المرجو منه ، على عكس الشائعات الزاحفة ذات التأثير الاستراتيجى طويل المدى ، وهى شائعة تعتمد على الانتشار والتوًَّغل فى المجتمع ، بحيث تتناقلها الألسن وتضيف إليها وتعمل على تقويتها دون أن تدرى ، فتزحف الشائعة فى المجتمع وتزحف ، وتصبح بالنسبة إليه غير قابلة للجدل بحيث يكون تكذيبها أشبه بالكذب ، وليس بكشف الحقيقة ، لذا فالشائعة الزاحفة تعد من أخطر أنواع الشائعات لقدرتها على تغيير تفكير مجتمع كامل مع مرور الوقت …
أما الشائعة الغائصة فهى شائعة من نوع خاص تظهر فى ظروف بعينها ، ثم تغوص فى المجتمع ، وتعود للظهور مرة أخرى كلما عادت الظروف نفسها ، وهو نوع من الشائعات التى تعتمد على تكرار ظروف بعينها فى مجتمع بعينه …
هذا بالإضافة إلى نوعين أساسيين كبيرين من الشائعات تندرج تحتهما كل أنواع الشائعات الأخرى بمختلف تصنيفاتها وهما :
– الشائعة الاستراتيجية .. والتى تندرج تحتها كل أنواع الشائعات التى تستهدف ترك أثر دائم فى المجتمع كله على نطاق واسع ، وتستهدف كل فئات المجتمع بلا استثناء على المدى الطويل .
– الشائعة التكتيكية .. والتى تستهدف فئة من الشعب أو حتى الشعب كله لتحقيق هدف سريع ومرحلى ، والوصول إلى نتائج قوية وفورية …
والشائعات على الرغم من كونها وسيلة شديدة الفاعلية لضرب الجبهة الداخلية ، وربما الجبهة الخارجية المباشرة أيضاً ، فإنها ليست الوسيلة الوحيدة للحرب النفسية ولهدم الجبهات الداخلية ، فهناك وسائل اكثر قوة وأكثر عنفاً أيضاً .

وللموضوع بقية في حال نال إعجابكم ..
والله من وراء القصد .