لا تستوحشوا مِمّا في العراق .. إنّها آلتربية!
أتَذَكّر .. و يا له من ذكرى حزينة, كما أكثر الذكريات في عراق الفساد والمأساة .. عندما كنتُ أواسط القرن الماضي تلميذاً في الأبتدائية في (مدرسة النصر للبنين) في واسط / بدرة, كان مُرشدنا “مرشد الصف” (ما شاء الله على هذا الأسم) و كذلك المدير … و (يا له من مدير) وأعتذر بآلمناسبة عن ذكر أسمائهم, فلربما توفّوا الآن غفر الله ذنوبهم, و لكي لا يزعل علينا أبنائهم أو أحفادهم بجرح مشاعرهم؛ كان هؤلاء المرشدين و المعلمين و الأصح تسميتهم بآلجلادين الحاقدين هو أقرب للواقع .. من تسميتهم بآلمربين أو المعلمين .. لأنّهم لم يتّصفوا بصفات المعلم أو المربي الأنسانيّ الهادف إطلاقاً, وسلوكهم الشاذ ذاك هو في الحقيقة إنعكاس لما ورثوه عن آبائهم و أجدادهم, إنعكست علينا؛ فكانوا يستحقروننا و يجلدوننا دائماً, بحيث كانوا لا يدخلون (الصّف) إلّا و العصي بإيديهم لتخويفنا وآلتلويح بمعاقبتنا, و كان ألم الضرب يتضاعف في فصل الشتاء لبرودة الجو و تشقق جلود أيدينا لنقص الفيتامينات الأساسية لسوء التغذية بسبب تدني المستوى المعيشي و الأجتماعي و العلمي ليس في مدينتنا بل كل العراق .. و كأننا لم نكن أطفالاً بل أسرى أو عبيد محكومين بآلأشغال الشاقة مع التعذيب حتى الأعدام؛ و رغم إني كنتُ من المُجتهدين في دروسي لكني لم أسلم من تعذيبهم وضربهم أحياناً, بل كان مُجرّد رؤية وجوههم القترة العبوسة كلّ صباح تُخيفنا و تُعذّبنا, وكانوا يزرعون الألم بدل الأمل في قلوبنا, فالعقوبة كانت أحياناً جماعيّة كما في نظام الجيوش العسكرية, و كان المعلم أو المدير أثناء المُعاقبة يتباهى ملوحاً بعصاه وبعنف وهو يضرب الطلاب واحداً تلو الآخر .. وأحياناً يبتسم و يسبّ متشفياً بآلامنا و قهرنا.

لذلك لا تتعجبوا إنْ رأيتم الرؤوساء و السياسيين اليوم كما كان أقرانهم بآلأمس قساة وفاسدين وهكذا الأطباء و المهندسين و المدراء و الرئيس و الوزير و النائب وحتى الكاسب بدرجة أقل ووغيرهم .. لأنهم تخرّجوا على أيدي أؤلئك الجلاديين الذين خلت قلوبهم من الضمير والرحمة و التواضع و الأنصاف و الوجدان و المحبة و الأيمان الصحيح بآلله و إمتلأت بدل ذلك بآلقسوة و العنف و الكراهية التي إنعكست قهرياً على سلوك الأجيال و منها هذا الجيل المسكين.

المطلوب الآن و كما بيّنا في (فلسفتنا الكونية), و لأجل تربية إنسان مُنتج و شعب مُحب و صالح, أو حتى إعداد أمّة بكاملها إعداداً سوياً بنقلها من الصفة البشريّة – الحيوانية إلى الأنسانيّة فالآدمية إن أمكن, وبعكس ما نشهده الآن في العراق و الأمّة؛ يتطلب التالي :
تربية الأطفال وهكذا الأجيال .. على المحبة و الأحترام و التواضع و فتح عقولهم على الكون و الوجود و خالقه الذي أتّخذ (الرحمة وآلمحبة) عنوانا و إسماً له .. تسبقها تناول لقمة الحلال من قبل والديه, بجانب وجود قانون إنسانيّ واضح المعالم وصارم يُحرّم الضرب وتعنيف ألأطفال حتى من قبل الوالدين والمربين و يؤكد – أيّ القانون – على آلتسامح و الهداية و المحبة والتواضع و حب الخير وإحترام كل مخلوق و الأيثار والعدالة أولاً, ثمّ تصويب عقوبات صارمة بحقّ كلّ أب أو أم أو معلم أو مرب أو شيخ أو سيّد يتجاوز على الأطفال و التلاميذ, وكل من يخالف القانون وينشر الأرهاب والقسوة والعنف في الأسرة والمدرسة والشارع بدل المحبة و الأنسانية!

لأنّ عراق اليوم كما عراق الأمس مازالت القيم فيه مقلوبة والمناهج مُضللة ومنحرفة والدِّين مُؤدلج يُبعد الأنسان عن الحقيقة و الهدف من وجوده, وهذا حال دولنا العربيّة و الإسلاميّة و حتى العالميّة تقريباً؛ لذلك تحوّلت الحياة إلى جحيم و عذاب و تكبّر بحيث أصبح الفساد ثقافة وآلتعالي بآلرواتب والمناصب والحمايات نعمة وتوفيقاً و العنف رجولة و التعدي شجاعة والسرقة و الخيانة فن و جرأة و الواسطات عزّة و حظ والرشاوى قدرة و قربة لله وتشريد المثقف قوّة ولذلك صارت اللاإنسانية صفة مشتركة موروثة كنتاج للأمس بسبب التربية الخاطئة و الدِّين القشريّ و النشأة الفاسدة وآلجّهل باصول التربية العلميّة وفقدان الأخلاق والضمير ألذي هو الأساس.
الفيلسوف الكوني
https://www.youtube.com/watch?v=eh12Q_kvJYQ