لكون المالية العامة مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية في الدول المعاصرة التي تختص بدراسة نواحي السلوك الإنساني، فمن الطبيعي أن تنشأ لها علاقات مع مظاهر الحياة الاجتماعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والإحصاء والقانون والتاريخ وعلم الإدارة والمحاسبة وعلم الأخلاق. ويتطلب فهمها كعلم وبغية توضيح الروابط بين علم المالية والعلوم الأخرى سوف نتناول دراسة هذه الروابط بشيء من الإيجاز، كما وسبق في موضوع سابق تناول العناصر المؤلفة لها.
1 ــ المالية العامة والاقتصاد.
علاقة علم المالية بعلم الاقتصاد من العلاقات الوثيقة جداً، لكونه فرع من فروع علم الاقتصاد ولأنه كما هو معروف يتناول القوانين المتعلقة بالظواهر الاقتصادية، أي العلاقات الاجتماعية التي تأخذ من الإنتاج والتوزيع للسلع والخدمات التي تشبع حاجات الإنسان المتعددة. وجوهر النشاط الاقتصادي هو بذل العمل على استخدام الموارد الموضوعة تحت تصرف المجتمع من أجل إشباع الحاجات، فأن الإلمام بمبادئ الاقتصاد يعد شرطا أساسيا لتفهم موضوعات المالية العامة، من إنفاق حكومي وضرائب وقروض عامة والتي جميعها تعد أدوات مالية واقتصادية مجتمعة في آن واحد، تستخدمها الدولة في توجيه الاقتصاد للتأثير في مستوى الدخل القومي ومجرى النشاط الاقتصادي. كما إن القواعد العلمية المتعلقة بالمالية العامة تتناول النظام الخاص بالعلاقات المالية للدولة التي تنعكس بشكل فعلي في علاقات اقتصادية عينية.
2 ــ المالية العامة والعلوم السياسية.
يرى Duvergerإن المالية العامة ما هي إلا فرع من فروع العلوم السياسية. كما وثق Dalton العلاقة بين المالية العامة والعلوم السياسية، حيث يقول أن المالية العامة تقع على الحد الذي يفصل بين السياسة والاقتصاد. فالعلوم السياسية تهتم بدراسة نظام الحكم والعلاقات بين السلطات العامة فيما بينها من جهة وعلاقتها بالمواطنين من جهة أخرى، في حين تبحث المالية العامة في النفقات والإيرادات العامة في إطار هذه السلطات. فارتباطها بالمالية العامة ارتباطا قويا لأنه يتأثر بها ويؤثر فيه.
الأوضاع الدستورية والإدارية لها أثرها في مالية الدولة العامة، حيث تختلف النفقات والإيرادات العامة في إطار هذه السلطات وحسب ما إذا كانت الدولة “استبدادية أو ديمقراطية أو موحدة (بسيطة) كانت أو تعاقدية (مركبة)” أو تملك نظاما إداريا مركزيا أو لا مركزيا. للظروف المالية أثرا مهما في أوضاع الدولة السياسية واستقرارها. فكم من بلد فقد استقلاله وتعرض لنشوب الثورات والصراعات بسبب اضطراب في مالية وميزانية الدولة العامة.
وضع ميزانية الدولة يعد عملا سياسيا وجميع العمليات المالية ترد في وثائق إحصائية كبيرة، وهذه المعلومات تشكل معطيات ثمينة في سياسة أية حكومة، لان ما تدرجهُ في الميزانية يبين ما أنفقتهُ الدولة على أي نشاط تتدخل فيه، ومنها يتضح التفاوت في الإيرادات والنفقات، وما إذا كانت تميل إلى الإقلال أو الزيادة.
3 ـــ المالية العامة والقانون.
القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف المجالات. ومنها المجال المالي. لذلك تأخذ جميع عناصر المالية العامة من: (نفقات، إيرادات، موازنة) شكل قواعد قانونية من: (دستور، قانون، نظام، تعليمات). ويطلق على هذه القواعد اسم التشريع المالي. وهو عبارة عن مجموعة قواعد قانونية تنظم شؤون الدولة المالية، وبخاصة دراسة ظواهر المالية العامة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وتحديد العلاقات بين تلك الظواهر.
4 ــ المالية العامة وعلم الأخلاق.
الأخلاق هي مجموع القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان ويتعامل على ضوئها مع الآخرين. وكثير من الأمور التي تتضمنها السياسة العامة لها أحكام قيميه تمتد جذورها إلى ميادين الفلسفة والأخلاق. فالحّد من التفاوت في توزيع الدخول والثروات لابد لهُ من التعرض لأحكام استندت في مجموعها إلى مبادئ الأخلاق والفلسفة عامة.
5 ــ المالية العامة والمحاسبة.
كثير من موضوعات المالية العامة وخاصة الضرائب تتطلب الإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة وفنونها من استهلاك وجرّد واحتياطات ومُخصصات وعمل الحسابات الختامية والميزانية العمومّية للمنشات التجارية والصناعية. وتعتبر المحاسبة القومية أداة أسياسية تستعين بها الحكومة في رسم سياستها المالية.
ويزداد الارتباط بين المالية العامة والمحاسبة كلما زاد دخل الدولة في الحياة الاقتصادية وشاركت في المشروعات الإنتاجية المختلفة مما يستدعي نشر ميزانيات تجارية لهذه المشروعات.
6 ــ المالية العامة وعلم الإدارة.
الترابط وثيق بينهما، ويتضح هذا الترابط من اهتمام الإدارة في بلورة الصيغ والأساليب العلمية التي تضمن إدارة أي مرفق من مرافق الحياة الاقتصادية المالية بغية تسهيل انجازات الفعاليات الاقتصادية والمالية بكفاءة لتحقيق الأهداف المرجّوة.
7 ــ المالية العامة والتاريخ.
التاريخ كما هو معروف حصيلة البشرية على مرّ العصور، وهو يزود الباحث بمعلومات تساعده على استخلاص النتائج الصحيحة وتفسير الكثير من الظواهر الاقتصادية والمالية المعاصرة على ضوء إطلاعه على تطور النظم الاقتصادية والمالية عبر مختلف العصور.
8 ــ المالية العامة وعلم الاجتماع.
العلاقة بين هذين العلمين يتضح في مجال الضرائب، لأنه يترتب على الأخيرة أثار اجتماعية إلى جانب أثارها المالية والاقتصادية تمس طوائف معينة من المواطنين. وقد أكد Myrdal الصّلة الوثيقة بين النظم المالية والعلوم الاجتماعية والسياسية. ويعتقد العلماء بأن المالية والاقتصاد والأخلاق والمعتقدات وغيرها من أنواع السلوك الاجتماعي ظواهر مترابطة ومتداخلة والتأثير بينها متبادل. وان دراستها بشكل منفصل يؤدي إلى نتائج ناقصة. فتوزيع الدخل بين فئات المجتمع وفرض الضرائب أمثلة حية للعلاقة بين علم المالية والظواهر الاجتماعية كافة.
9 ــ المالية العامة والإحصاء.
المالية العامة تستعين بعلم الإحصاء لما يقدمه من بيانات وأرقام لمعرفة حجم الدخل القومي وتوزيع الثروة بين فئات المجتمع وعدد السكان ودخولهم وتوزيعهم على الحرف المختلفة وتوزيعهم في المناطق الجغرافية وحالة ميزان المدفوعات ومقدار الضرائب والرسوم وغيرها من البيانات الإحصائية التي لها أهميتها عند وضع ميزانية ورسم السياسة الاتفاقية التي تستخدمها الدولة لزيادة الدخل القومي أو أعادة توزيعه.
يتضح مما سبق ذكره أن للمالية العامة دور هام في حياة الدولة، فإذا أحسنت الدولة التصرف في ماليتها من خلال موازنة نفقاتها وإيراداتها، فذلك حتمًا سيؤدي إلى تجنب الوقوع في أزمات مالية ويغنيها عن اقتصاد مُضطرب يهزُّ مركزها كدولة تسير وفقًا لسياسة مُتراصة وواضحة لتكون لها قاعدة سليمة وقوية لرسم تشريع مالي للبلد يحافظ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ككُل .