أراس الجباري : يكتب

 

ركزت وسائل الاعلام في السنوات العشر او الخمسة عشر سنة الاخيرة فقط على جرائم الانفال وهيروشيما حلبجة في حين ان جرائم مروعة اخرى حدثت في كردستان ومنذ بداية ثورة ايلول المجيدة وعندما اذكر هنا وسائل الاعلام اقصد بها وسائل الاعلام الاجنبية وليست العربية منها ولأن الاعلام العربي لم يرقى الى مستوى من الاستقلالية من سلطاتها الحاكمة التي كانت تساند الحكام الدكتاتوريين في احكام الطوق الاعلامي حول الجرائم الانسانية في كردستان او لكون العاملين حقل الاعلام العربي لم يخرجوا عن التقاليد الفكرية التي تحمل تراث من المكونات المتراكمة التي رسختها مباديء شاعت في بدايات القرن الماضي اتت بها احزاب عنصرية اكدت فقط وبتطرف على الشخصية العربية ولغة الانا والذات المتطرفة دون الاقوام والطوائف الغير عربية التي عاشت مع العرب في الوطن الواحد قرونا توكد فيها وطنيتها ودفاعها عن هذه الاوطان بكل اخلاص ونكران ذات حيث قوبل بالتهميش والاقصاء …. وقد افردت عدة مقالات مستشهدا باحداث وتواريخ معطيا فيها امثلة على ما اقول في هذا الشأن لا حاجة الى اعادتها .ولااريد ان اعيد تأكيدها واعادة سيناريوهاتها وقد كتب وتوثق عشرات المرات من قبل كتاب وباحثين في اللجان الدولية الانسانية
.
ان احد اسباب اغفال اكثر الجرائم الانسانية في كردستان في سنين الستينات والسبعينات هو ان الاعلام العربي لاتعترف بالقضايا الانسانية ما لم تكن لها مساس في الشأن العربي واكثر القضايا الانسانية والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكردي كانت تصل الى العالم عن طريق الاعلام الغربي وصحافتها او في تقارير صحفية لممثلي المنظمات الانسانية ولجانها التي كانت تجوب تخوم كردستان حيث كانت تسرب اخبار المظالم التي ترتكب بحق هذا الشعب المسالم و تعيد الى الاذهان الفضائع التي ارتكبها هولاكو وجنكيز خان وهتلر وموسوليني مع سابقة كون كل هؤلاء الطغاة في التأريخ كانوا يرتكبون جرائمهم ضد شعوب غير شعوبهم عدا العنصرية العربية ورائدتها حزب البعث الفاشستي التي شنت حرب ابادة على الكرد الذين هم اكبر ثاني قومية في العراق وشركاء للشعب العراقي بالتساوي بالحقوق والواجبات وبموجب اقدم دستور عراقي .
وسابقة اخرى جدير لنا ذكره عن العنصرية العربية المتمثلة بحزب البعث وهي استعمال الاسلحة المحرمة دوليا وتجربتها لاول مرة في الشرق الاوسط في كردستان بالذات ومنذ ستينات القرن الماضي كقنابل النابالم المحرمة دوليا حيث جرب لاول مرة في العراق في ستينات القرن الماضي ابان الحكم البعث الفاشستي بعد انقلابهم المشؤوم في الثامن من شباط الاسود وفي عهد المجرم علي صالح السعدي الذي كان امين سر قطر حزب البعث في العراق حينذاك وكانت طائرات الباجر والسوخوي تسقط المئات من هذه القنابل على القرى الكردية وتفتك بالآلاف المدنيين من النساء والاطفال , ,, وبعد عقود من الزمن وكأن الفاشست تعودوا استرخاص حياة الكرد عادوا بافعالهم المخزية وبالسلاح الكيماوي هذه المرة وتحت انظار الهيئات والمنظمات والحكومات العربية والهيئات والمنظمات الدينية العربية التي لاتعرف الا الاسلام الا من خلال العروبة .
وهذه مشاهد من تراجيديا تبقى في ذاكرة الاجيال والتأريخ وستتكلم عنها العالم المعاصر لاجيالها اللاحقة كما يتحدثون عن الطغاة في التأريخ وجرائمهم الانسانية ضد البشرية وهذه المشاهد استقيتها من اناس كانوا في خضم الاحداث او من العسكريين الذين كانوا في جيش صدام ابت نفوسهم الا ان
الا ان يتحدثوا عن اكبر تراجيديا انسانية في القرن العشرين.

المشهد الاول
صيف عام 1974
—————–
كنا مفرزة من المقاتلين البيشمركة مكلفين بواجب قرب قصبة ( سنكسر ) على بعد خمسة عشر كلم من قضاء ( قلعة دزة ) بأتجاه الشمال الغربي منها حيث سمعنا هدير سرب من طائرات الميك المقاتلة اعقبتها طائرتا باجر القاصفة متجهة الى قلعة دزة وبعد لحظات سمعنا اصوات دوي وانفجارات رغم بعد المسافة بين سنكسر وقلعة دزة ولكن شدة الانفجارت ووصول اصواتها الينا دلت على الكميات الهائلة من القنابل التي القيت على المدينة التي لم تكن فيها ايا من المظاهر العسكرية او وجود قوات للبيشمركة.
وقد هرعت مفرزتنا باتجاه قلعة دزة وبعد وصولنا رأينا مشاهد تضاهي ماكنا نشاهده في الافلام الوثائقية للقصف الالماني النازي على مدينة لندن او العواصم الاخرى التي كانت هدفا للطائرات الحربية الالمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية مع فارق ان هتلر كان يدمر
ويقتل غير الشعب الالماني
ا .
وقد رأينا ان مدينة قلعة دزة هدمت على رأس اهلها وتحولت الى ركام وانقاض ,,,وقد قتل المئات من الاطفال و الشيوخ والنساء ماتوا سحقا تحت الانقاض والابنية المدمرة , وقد هرع الناس من القرى القريبة وتحولوا الى فرق انقاذ لاخراج الضحايا من تحت اطنان الانقاض ,,كما هدمت ابنية الجامعة وكلياتها وسويت مع الارض على الطلاب والطالبات …وكانت جامعة السليمانية قد انتقلت الى مدينة قلعة دزة عند بدأ معارك سنة1974 بامر من قيادة الحركة الكردية ظنا” منها بان رجال السلطة البعثية قد تخجل من الهيئات والمؤسسات الانسانية المتواجدة في المنطقة وقسم من هذه المنظمات كانت تقدم مساعدات علمية وفنية للجامعة ولم يدر في خلد احد ان الحياء والخجل لا تعرف طريقها الى اناس مجردين من كل قيمة اخلاقية وحتى الشرف,, وانني اتذكر في وقتها هروع المنظمات والهيئات الانسانية الى مدينة قلعة دزة لتقديم العون الى المدينة المنكوبة اضافة الى مراسلين لامهات الصحف العالمية يتحملون الصعوبات في المناطق الجبلية الوعرة للوصول الى حقائق تحاول السلطات الفاشستية طمسها ويشجعها في هذا العمل الغير حضاري سكوت المؤسسات الاعلامية العربية والمؤسسات الدينية للاسلام السياسي العربي التي لاتعرف الاسلام الا من خلال نظريات ميشيل عفلق ومقولات منيف الرزاز وعبدالمجيد الرافعي .
وقد صورت الكارثة و ارسلت عشرات الصور الفوتوغرافية الى السفارات والى الهيئات والمنظمات الرسمية والانسانية ……وقد كانت كارثة قصف مدينة قلعة دزة مادة الحديث والكتابة في وسائل الاعلام العالمية لاشهر و كنا نتابع الصحافة انا وبعض الاخوة ولم نسمع او نقرأ اية وسيلة اعلامية عربية تطرقت الى الكارثة كما لم تتكم اية هيئة اسلامية عربية عنها .في حين ان بعض الصحف الاجنبية كانت تصف الكارثة بشكل تضع علامة استفهام كبيرة على وجوه العالم المتحضر لاستغرابها عن وجود مخلوقات مجردة من كل قيمة حضارية في القرن العشرين حيث تتساوى مع مخلوقات الغابة في بشاعتها ووحشيتها .

المشهد
الثاني
——————–

ليلة عيد الاضحى عام سبع وسبعون وتسعمائة والف استنفرت وحدات من الجيش العراقي في المناطق المتاخمة لسلسلة جبال قنديل والقرى المنتشرة في اطرافها ونزولا ألي قرى جنوب شرقي قنديل القريبة لقصبتي ( هيرو وهلشو ) حيث الوحدة العسكرية للنائب الضابط الذي كان من صنف المخابرة والذي التقط الاتصالات الجارية بين القادة الميدانيين العسكريين في الفيلق الاول والفرقة الثانية التابعة لها.. وقد سردهذا العسكري جريمة اليوم الاول من العيد الاضحى في منطقة عمليات وحدته العسكرية التي كانت ترابط منطقة قنديل ,,,,, اقسم بالله بأنه كان يبكي وهو يتكلم عن الحادث وهومن ابناء الجنوب ويسكن حاليا في احد مدن
الفرات الاوسط
. وكانت قد وصلت معلومات استخبارية بوجود قوات البيشمركة والبعض من قياداتها في المنطقة حيث بدات الحركة قيادة الوطنية الكردستانية مسيرتها النضالية مجددا بعد مؤامرة الجزائر المشؤومة عام خمس وسبعون من القرن الماضي عندما طوق نظام الشاه والنظام الدكتاتوري الحركة الوطنية الكردستانية . باسناد بعض الدول مثل الجزائر حيث حركتهم مصالحهم لضرب الحركة الوطنية الكردية .
وقد جرى اتصال بين المجرم الفريق الاول ( وليد محمود سيرت ) قائد الفيلق الاول في حينه وبين العميد الطيار يوسف الهيتي قائد طيران الجيش ومقره في منطقة ( ك1—او كيوان ) في كركوك وكانت المخابرة في ليلةعيد الاضحى عام سبع وسبعون وتسعمائة والف وقد سال الفريق الاول قائد الفيلق قائد طيران الجيش عن عدد الطائرات التي في معيته والجاهزة لتنفيذ عمليات خاصة في اليوم الاول من عيد الاضحى ويجيبه العميد قائد طيران الجيش ( طائرات عمودية حربية ) بأن كل طائراته جاهزة لتنفيذ اية عملية,, ويأمره الفريق الاول قائد الفيلق ان يبدأ طائراته صباح اليوم الاول من عيد الاضحى بالهجوم على قصبات وقرى منطقة قنديل لوجود قوات البيشمركة في المنطقة وان يكون الضرب على أي هدف متحرك وفي اليوم التالي ,,أي اليوم الاول من العيد وبعد اقلاع الطائرات العمودية لتنفيذ اوامر المجرم قائد الفيلق وقبل تنفيذ امر القصف يتصل قائد السرب المهاجم مباشرة مع الفريق الاول المجرم وليد محمود سيرت ويخبره بانه لا يرى اية ظاهرة مسلحة وان اكثر الذين يراهم هم فلاحين ومدنيين وفلاحات يجاوبه المجرم قائد الفيلق بتأكيد الضرب على أي تواجد بشري متحرك ومهما كان نوعه ويؤكد بان هذا امر عسكري ويجب تنفيذه .
ثم يرفع المجرم قائد الفيلق الهاتف ويتصل بمدراء الوحدات الصحية والمستشفيات في مدن رانية وقلعة دزة والسليمانية والوحدات الصحية الاخرى القريبة من منطقة الهجوم الجوي يبلغ وبشدة بأنه سيعاقب اية مستشفى او جهة صحية ويحيله الى المحاكم العسكرية لدى استقباله المصابين والجرحى جراء هجومه الجوى وحتى لو كانوا اطفالا او نساء .
وانني لاانسى سيلان دموع العسكري المخابر على وجنتيه وهو يصف ركام الاطفال والنساء والفلاحين الغارقين في دمائهم موتى وجرحى ولا انسى اهالى الجرحى وهم يتجهون الى الحدود للاتصال بالصليب الاحمر الدولي في مدينة سردشت الايرانية لاستقبال مصابيهم لعدم استقبال الجهات الصحية العراقية لهم خوفا من بطش السلطة الدكتاتورية ولا شك ان اكثر الجرحى ماتوا في الطريق قبل وصولهم الى الحدود.