د. هيثم كريم صيوان/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

 

هناك خلافات كبيرة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كوردستان، وتلك الخلافات تنعكس سنويا على تأخر إقرار الموازنة العامة للعراق، فحكومة الإقليم تطالب بنسبة (17%) من الموازنة العامة وترفض مشاركتها بالمصروفات السيادية، وهذا ماحصل عام 2015 وبسبب تعرض العراق لضائقة مالية وعجز كبير في الموازنة العامة بلغ أكثر من 21 مليار دولار، رفضت قيادة الإقليم مشاركتهم حتى في تحمل جزء من النفقات السيادية من اجل خفض العجز في الموازنة العامة، وطالبت بحصتها كاملة من الموازنة بل طالبت برفعها إلى 25% بدلا عن 17%، وكذلك أعلنت رفضها تحمل جزء من ديون وتعويضات العراق وأعلنت أنها غير مسؤولة عن تلك الديون والتعويضات.

ومن ثم دخلت قيادة الإقليم في اتفاقيات مشاركة بالإنتاج بعيدا عن سلطة وتوجهات الحكومة المركزية، فإنتاج النفط وتصديره من قبل قيادة الإقليم كان وما يزال محط خلاف بين الحكومة المركزية ببغداد وقيادة إقليم كوردستان العراق، وما لم يتم حسمه سيبقي الوضع في اطار علاقة غير متوازنة واضطرارية في تعامل الحكومة المركزية مع حكومة الإقليم ولصالح حكومة الإقليم، فقيادة الإقليم بادرت الى اقرار قانون النفط في حزيران عام 2007 وصادق عليه برلمان كوردستان قبل اقرار قانون النفط والغاز للدولة الاتحادية.

 وهذا بحد ذاته خروج عن ارادة الحكومة الاتحادية وفرض سياسة الأمر الواقع والتي تعد استفزازية لعموم الشعب العراقي وباشر في ابرام عقود نفطية بصورة مستقلة مع شركات عالمية، ونجد حكومة إقليم كوردستان قد أقرت عقود مشاركة مع الشركات النفطية الأجنبية اذ وقّع إقليم كوردستان 48 عقد مشاركة مع شركات أجنبية، وأعلن عن خارطة نفطية لم تشمل (اربيل والسليمانية ودهوك) فقط بل شمل المناطق المتنازع عليها في نينوى وديالى وكركوك وصلاح الدين، وكذلك ابرم 6 عقود أخرى مع شركة أكسون موبيل الأميركية العملاقة، آخرها في 18 من أكتوبر/ تشرين الأول 2011، منها عقدان لمنطقتي القوش وبعشيقة ضمن حدود محافظة نينوى، وعقد ثالث ضمن حدود محافظة كركوك.

 في حين أن وزارة النفط بالحكومة المركزية دخلت في عقود خدمة مع الشركات النفطية وهذا بحد ذاته يمثل ازدواجية في موقف العراق بتعامله مع الشركات الأجنبية مثل شركة انيرجي التركية وشركة غولف بتروليوم كايستون من المملكة المتحدة وشركة هس وشركة ماراثون الأمريكيتين وشركة ريسبول واي بي اف الاسبانية واو ام في النمساوية وشركة ويسترن اويل ساندز من كندا وكذلك شركة اكسون موبيل الأمريكية، وباشرت العمل في المناطق المتنازع عليها معلنة خارطة نفطية جديدة لكوردستان.

ونؤكد هنا أن بعض الشركات أخذت تتدخل بالشأن الداخلي للعراق وبدأت حكومة الإقليم تستقوي بتلك الشركات من اجل تثبيت أمر واقع على الأرض وأخذت توطن الشركات في المناطق المتنازع عليها (ديالى، كركوك، نينوى وصلاح الدين) وتثبيت مصالح تلك الشركات ولمدد طويلة جدا كي يكون لها تأثير قوي على حكوماتها الأم لدعم اقتطاع تلك المناطق مستقبلاً عن حكومة المركز تمهيدا لقيام دولة كوردستان.

وبالرغم من مخالفة حكومة الاقليم للدستور العراقي المادة 111 منه التي تنص على ان ملكية النفط تعود الى الشعب العراقي، وعقد كوردستان العراق عقود مشاركة مع الشركات الاجنبية جعلت الشركات شريكة في ملكية النفط العراقي، الا ان حكومة الاقليم مضت في ذلك وعقدت اتفاقيات مشاركة مع الشركات العالمية غير مكترثة بالدستور العراقي، ورغم ذلك أرادت الحكومة المركزية إن يكون تسويق النفط المنتج في الإقليم من خلال شركة سومو العراقية والتي تعدها الجهة الوحيدة المخولة ببيع النفط العراقي، إلا أن إقليم كوردستان رفض ذلك أيضا وقام ببيع النفط بعيدا عن شركة سومو العراقية.

وأمام تلك العقود النفطية التي تعتبر محل خلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم إلا أن الأخير اخذ يطالب بزيادة حصة الإقليم ورفعها إلى 25% بدلا عن 17%.

وكل عام نشهد تأخر في إقرار الموازنة العامة بسبب موقف ممثلي اقليم كوردستان ومطالبتهم بحصتهم كاملة دون مشاركتهم في النفقات السيادية، وعليه فإننا نواجه مشكلة عجز مزمن وكبير في الموازنة العامة للدولة العراقية وانخفاض أسعار النفط بشكل كبير ولدينا متطلبات كبيرة يجب الاضطلاع بها سواء سياسية او أمنية او عسكرية او اقتصادية ولا نريد ان يحدث تأخر في إعداد موازنة 2016 والتأخر في إقرارها كما حدث في الأعوام السابقة.

وعليه لابد من حسم الموضوع مع حكومة إقليم كوردستان بدلا من أن يصار إلى ضياع الوقت وبالتالي تضطر الحكومة العراقية إلى الرضوخ لمطالب الإقليم من اجل تمرير الموازنة وإقرارها وبالتالي نكون رحلنا مشاكلنا مع كوردستان دون التوصل لحلول نهائية وتحقق عدالة لكل الطرفين.

وهنا نقترح تشكيل لجنة عليا من اجل الدخول بمفاوضات مبكرة مع حكومة اقليم كوردستان لتسوية الموضوع وبشكل نهائي ونطرح خيارين هما:

الخيار الاول: تسليم النفط المنتج بالكامل إلى الحكومة المركزية بما فيها 10% المقدمة لحكومة الإقليم من قبل الشركات النفطية العالمية:

إنتاج إقليم كوردستان العراق، وبسبب اتفاقياته مع الشركات النفطية العالمية على أساس المشاركة بالإنتاج أصبح ينتج ما يقارب 600 إلف برميل يوميا، لذا ان أرادت حكومة الإقليم الإبقاء على ارتباطاتها المالية مع الحكومة المركزية لابد من تسليمها النفط المنتج إلى شركة سومو العراقية لتسويق النفط بإعتبارها الجهة المخولة بتسويق النفط وكذلك اعادة النظر بكل الاتفاقيات المشاركة مع الشركات العالمية لأنها تنطوي على هدر كبير للثروة العراقية النفطية وتوقفها في منح عقود جديدة للشركات النفطية العالمية وخاصة في المناطق المتنازع عليها في ديالى ونينوى وكركوك وصلاح الدين وبالتالي تحصل على نسبتها المقررة وهي 17% من الموازنة العامة.

الخيار الثاني: فك الارتباط المالي بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية

ان تمسك الإقليم بتوجهاته السابقة واستمراره بتوقيع عقود مشاركة مع الشركات الأجنبية النفطية وعدم اكتراثه بالدستور العراقي وإعطاء تراخيص جديدة لشركات النفط العالمية للاستثمار في المناطق المتنازع عليها يستوجب فكّ الارتباط المالي بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية واعتماده بشكل تام على إيرادات بيع النفط المنتج في الإقليم خاصة وانه دخل في اتفاقيات مشاركة مع الشركات النفطية العالمية والتي تجري عمليات كبيرة من الاستكشاف لمكامن جديدة من النفط ويتوقع أن يصل إنتاجها إلى أكثر من 1,5 برميل يوميا.

الخيار الثالث: الخيار الموازن

يستند هذا الخيار على فكره مفادها احتفاظ الإقليم بإنتاجه النفطي عن طريق اتفاقياته مع الشركات النفطية الأجنبية مقابل إعطاء الحكومة المركزية جزء من الإنتاج النفطي المنتج في الإقليم باعتبار ان النفط المنتج في الإقليم يعود إلى الشعب العراقي ككل وليس لسكان الإقليم فقط استنادا إلى نص المادة 111 من الدستور العراقي لعام 2005، وتخفيض حصة الإقليم من 17% إلى 12% على اعتبار أن النسبة المخفضة من حصتها يتم تعويضها من إيرادات بيع النفط المنتج في الإقليم.

ومن كل ما تقدم لابد من الدخول في مفاوضات عاجلة مع حكومة الإقليم ويجب ان يتم طرح الخيارات على ممثلي الإقليم ليترك للإقليم حرية الاختيار من بين تلك الخيارات المتاحة لا أن يتم إحراج الحكومة المركزية في نهاية وقت اقرار الموازنة مما يضطرها للاستجابة في نهاية المطاف لمطالب قادة الإقليم.