كتب العام الماضي صاحب الأسطر بتاريخ الجمعة 02 رمضان 1436هجري، الموافق لـ 19 جوان 2015، مقال بعنوان ” إنقلاب 19 جوان 1965″. ودون سعيا منه يكتب عن نفس الحدث، وفي نفس اليوم.
الدرس الأول الذي يسعى إليه الجزائري، أن لا يتكرر الإنقلاب مرة أخرى، مهما كانت الدواعي والأسباب. فإن الإنقلاب داء إستشرى وتكرر، وعلينا وضح حد له.
لن نقف مع أحد ضد أحد ولن نميل لأحد، وكل قد أفضى لربه بما يحمل وحمّل. فالساسة جميعا ودون استثناء، لا ملّة لهم ولا دين، يتغيّرون حسب المواقع والمصالح. والمثقف النيّر يترك مسافة شاسعة بينه وبين أهواء الساسة التي لا تنقطع ، وليس لها قرار.
الإنقلاب مذموم، سواء كان لأسباب دينية، أو أغراض شخصية، أو أطماع خارجية، أو دفاعا عن الوطن، أو ضد جهة معارضة للحكم القائم.
ويبقى مذموما مهما كانت نية الإنقلابيين حسنة، سواء تعلق الأمر في الوسيلة أو الغاية، أو التوقيت، أو التبريرات المستخدمة.
إن الاعتراف بأن إنقلاب جوان 1965، ليس تصحيحا ثوريا، يستوجب إعادة الاعتبار لمن كان ضحية ذلك الانقلاب، وإذا تطلب الأمر يستوجب أيضا تعويض الذين تضرروا.
تسميتنا لانقلاب 19 جوان 1965 بأنه إنقلاب، لايعني إطلاقا الوقوف بجانب بن بلة بالمجان، أو الوقوف بجانب بومدين بالمجان.
الوقف مع الرئيس المنتخب مهما إختلفنا مع وجهة نظره. والوقوف ضد قائد الانقلاب ولو كان القائد المصلح. فلا يمكن بحال الوقف لجانب الانقلاب، بحال من الأحوال.
إن الاستمرار في الانقلابات وبأشكال مختلفة، يدل على أن ثقافة الانقلاب ما زالت سائدة رائجة في المجتمعات المتخلفة.
إن الانقلاب ثقافة تقودها الأحذية الخشنة، وتبرر لها الأقلام الناعمة، وتفتي لها العمائم التابعة. فمشكلة الأمة في صناعة التبرير للأحذية الخشنة والدعوة لتثبيت أركانها، وليس في الإنقلاب بحد ذاته.
الثقافة المواجهة للإنقلاب، تعتمد على إحترام الإنسان كإنسان، خاصة حين يكون منتخبا، ولا تقدس أبدا قادة الانقلاب والداعين له، لأن ذلك لايندرج أبدا ضمن إحترام الإنسان وتقديره.
والمجتمع مطالب بأن يعلّم أبناءه على رفض الإنقلاب بكل أشكاله. ويتعلم الطفل في البيت والمدرسة، ويلقن ذلك في مؤسسة العمل، والمسجد، والملعب، وبيوت الثقافة والنشر، والبلدية، والدائرة، والولاية، والوزارة، والسفارة، وفي كل نواحي الحياة، لعلّ ذلك يخرج لنا مجتمعا يحترم المخالف، ويدافع عن المضطهد ظلما ولو خالفه الرأي، ويقف في وجه قادة الانقلاب، ولو وافقهم الرأي والمنهج.