بقلم: صادق غانم الاسدي

لم يغيب عن الذاكرة يوما ولم تتوقف الألسن من التردد بلهج اسمه وما من دار خلت من نفحات كلماته الرنانة في احداث السيرة النبوية والتاريخ والفلسلفة وواقعة الطف التي كان ينشد اليها في كل مناسبة يرتقي فيها المنبر , ظل اسمه محفورا في الذاكرة لتعشقه القلوب وأرَتوَى الناس من ينابيع العلم والمعرفة حينما يرسلها كالدررتتناثر لتضيء جميع السبل , غاص في بحور الفكر وسار في التاريخ حتى ابقر الباطل حارب من على المنبر الخرافات والاساطير واثبت ماهو صالح واقنع كل من سمعه بالادلة وهذب الحزن والبكاء بعد ان كانت تذرف الدموع لمجرد السماع فقط ليحولها الى وعي سياسي وفكري لمواجهة التحديات وحصن عقول الناس للبحث عن الحقيقة دائما ,لم تكل يديه يوما بالدعاء لأن تكون الامة متماسكة والاسلام جسد واحد ,حينما تسمع له محاضرة يغنيك قراءة جمعا من الكتب وصف بانه المكتبة المتنقلة الحاوية على مختلف العلوم , ايها الشيخ الدكتور الوائلي اي كفن عملاق يحتضنك عشت في الدنيا فقيرا لتهذب اجيالا وذهبت الى ربك غنيا بعد ان تغابنتَ من الدنيا لتاخذ حظك في الاخرة , شيعك الملايين واصدحت لك حناجر المحبين وتزاحمت افواجا لترفع نعشك الى مثواه الاخير , ليجزيك ربك على ما قمت به من مجهود كبير لايوصف جزاك الله خير وجعل عملك ضلا لك يوم القيامة وانيساً في القبر وستر وحجابا من النار, ولد الوائلي 17/ربيع الاول/1347 ,1/9/1928 وتوفي 14تموز 2003 ,ودفن الى جوار كميل بن زياد في البقعة الطاهرة في النجف الاشرف,بعد فترة قسرية غيب فيها خارج الوطن ودخل العراق بعد ان رأى الطاغية مكسورا مهزوما وقد استجاب له ربه بأن يدفن في بقعة النجف الاشرف وهذا ما كان يتمناه المرحوم الوائلي , اشتهرت عائلة الوائلي بال حرج نسبة الى جدهم الأكبر (حرج)وهو أول من نزح من مدينة الغراف بلدهم الاصلي وهبط في النجف الاشرف,أول أستاذ يتعلم على يديه الدكتور الوائلي هو الشيخ عبد الكريم قفطان الذي أشرف على تعليمه في مسجد الشيخ ( علي نويه ) وبعدها تتلمذ على يد ثلة من العلماء ومنهم المصلح الاسلامي الكبير الشيخ محمد رضا المظفر , ثم ولج المدارس الرسمية وانتسب الى مدرسة الملك غازي الابتدائية , وبعدها انهى تعليمه النظامي ليحصل على البكلوريوس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية عام 1962 ثم التحق بكلية الفقة وتخرج منها عام 1969 وبعد ذلك حصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن رسالته ( احكام السجون في الشريعة والقانون ) وفي عام 1972 حصل على شهادة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن أطروحته ( استغلال الأجير وموقف الاسلام منه ) ,أثناء دراسة الوائلي بالقاهرة كان ملتزما ومبتعد عن كل اللقاءات في الاماكن العامة ,وقد تعرض الى الكثير من الحرج وفي احد الأيام الح عليه المرحوم الدكتور عبد الرزاق محي الدين على ان يقضي مع الدكتور الوائلي سويعات في متنزه على نهر النيل بقدم فيه الشاي لرواده وفيه جو منعش ومنظر لأباس فيه , فقال الدكتور الوائلي للراحل , أنا اعرف ذلك وأتذوقه ولكن لو جاءت أسرة وجلست بالقرب منا أو جاء بعض الخليجين او العراقيين وقال: بالله لقد رأيت هذا الذي يعظ الناس جالسا بين النساء الحاسرات فماذا ستكون النتيجة , ستكون النتيجة حتما مؤذية واهتزاز ثقة المنبر ,لهذا امتنع الوائلي من الظهور والجلوس في تلك الاماكن واستمر بالحفاظ على هيبة المنبر وامتثل لطاعة الله وتطابق قوله مع فعله في ظروف ربما يحتاج الترفيه والتنفس قليلا لكي يستمر بعطائه الدراسي ولكن هذا لم يمنعه من المذاكرة والبحث , كان الوائلي شاعرا وخطيبا ارتقى المنبر وهو في عمر 14 سنة وتدرج وبكفاءته العلمية وذكائه واطلاعه الواسع فقد ذاعته شهرته واتساع محبيه في مختلف دول العالم , وفي مرحلة السبعينيات ظهرت الفلسلفة وتيارات غربية سادت وسيطرت على عقو الناس وبعضها كانت منحرفة تحارب معتقدات الاسلام , وبفضل مايحمله الوائلي من فكر ومنهجية تسودها الحقيقة استطاع ان ينقذ المجتمع ويفند بعض الاراء المخالفة للواقع وتشويه معالم الدين الاسلامي , كما هذب الناس من خلال المنبر وأثر في عقولهم واستقطبهم والمنبر مثل كل عملية او مدرسة تربوية تهدف لبناء الانسان اذا ما استغل بشكل الصحيح واذا ما صدقت النية , اطلاعات الوائلي واتسع معرفته من خلال قراءته للكثير من الكتب والمؤلفات لكبار علماء السنة في السير والتاريخ مثل تفاسير القرطبي والرزاي الذي كان يستشهد بهاما كثيرا بحيث كان يعطي الحكم على اوجه متعددة , وقد تصدى الوائلي الى حكم عبد السلام عارف الذي تميز حكمه بالطائفية والمقت الشديد فقد قال في قصيدته بمهرجان عام 1965 ::
بغداد يومـك لا يزال كأمسه صورٌ علـى طرفي نقيض تجمع
يطغى النعيـم بجانب وبجانب يطغـى الشقا فمرفّه ومضيع
في القصراغنية على شفةِ الهوى والكوخ دمعٌ في المحاجر يلذع
ومن الطوى جنب البيادر صرّع وبجنب زق ابـي نؤاس صرّع
كما له اشعار شعبية مثل قصيدة ( حمد ) و ( سيارة السلاني ) وقصيدة (شباك العباس) والكثير …ترك الوائلي العراق عام 1979 الى المهجر لمدة 24 سنة وفي عام 1996 أصيب الوائلي بمرض السرطان في فكه وتشافا من المرض ونظم قصيدة من على فراش المرض ندب فيها الامام الحسين عليه السلام قال أيـهــا الـرمـلــة الــتــي حـضــنــت جــســم حـســيــنٍ ولَـفَّـعَــتْــهُ iiرِداءَ
بـلّـغــي عـنــي الـســلام iiحـسـيــنــا واحـمـلـيــنــي اسـتـغــاثــةً ونـــداءَ
واسـكـبـيـنــي دمـعــاً عـلــى رَمـلَــكِ الأســمــر يــجـــري مــحــبّــة iiوولاء
تم تكريمه مرة واحدة في لندن عام 1999 , اما اشهر كتبه فهو هوية التشيع الذي فند فيه على المغرضين والباحثين من السنة بان التشيع فارسي واثبت بالادلة التاريخية واسلوب المنهجية بعروبة التشيع , (كتاب تفسير علمي للقرآن) ودفاع عن الحقيقة ومن فقه الجنس في قنواته المذهبية , واحكام السجون , واستغلال الاجير , بالاضافة الى دواوينه الشعرية , سيبقى عبق وعطاء الوائلي ومنهجيته تنتقل من جيل الى اخر حماه الله في الدنيا ويرحمه في الاخرة .