من الحقائق التي وقف عليها القارىء المتتبع لكتاب ” شهادتي حول التعذيب 1957-1959″، للسفاح الجلاد الجنرال أوساريس، ترجمة مصطفى فرحات، دار المعرفة، الجزائر، من 217 صفحة..

الجلاد السفاح أوساريس بدأ مقدمة الكتاب بأنه لن يندم على مافعله في الجزائر والجزائريين من قتل وتعذيب وإهانة، ويختم كتابه في آخر سطر بكونه لم يندم على ما فعل في الجزائر من قتل وتعذيب وإهانة الجزائريين.

كان صريحا من أول سطر، ويقول عبر صفحات الكتاب.. أنا قتلت بن مهيدي، وأنا الذي فجرت الدار الذي يحتمي بها علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي والطفل الصغير كان معهم،  وأنا الذي عذبت فلان، ولو تمكنت من جميلة بوحيرد لقتلتها.

يتحدث عن الفيلا التي أنشأها خصيصا للتعذيب، فيقول .. كل من دخل من الجزائريين المقبوض عليهم يقتل، سواء إعترف جراء التعذيب، أو لم يعترف. ويعترف أنه حفر حفرة كبيرة ليدفن فيها الجزائريين الذين قتلهم إثر التعذيب.

يعترف أنه كان يهوى قتل الجزائريين ويرفض إطلاق سراحهم، حتى لا يمكّنهم الجزائريين وبعض الفرنسيين من الهرب.

ويعترف أنه كان يقتل الجزائري المقبوض عليه حتى لا تتدخل وسائل الإعلام فتجعل منه بطلا، وحتى لا تتدخل العدالة فتطلق سراحه، فكان يختار القتل وهو أضمن وأقصر الطرق بالنسبة للسفاح الجلاد أوساريس.

واضح جدا أنه كان معجب ببطولة الشهيد بن مهيدي الذي يقر بأنه لم يقر بشيء ضد اصحابه، وكان معجب ببطولة علي لابوانت وهو الذي أطلق عليه لقب المهاب لابوانت، رغم أنه فرح فرحا شديدا حين ألقى القبض على العربي بن مهيدي وقتله شنقا فيما بعد، وفرح فرحا شديدا حين فجر البيت الذي كان يحتمي به علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي والطفل الصغير ومن معهم.

إعترف أنه هو الذي قتل بن مهيدي في سرعة فائقة، وهو الذي أعدّ زورا تقريرا فيما بعد أن بن مهيد إنتحر . ومن فرط حرصه على قتل بن مهيدي، يوصي السائق وهم يحملون بن مهيدي للفيلا لقتله، بأنه إذا تعرض الموكب للرصاص من طرف المجاهدين الجزائريين، أقتلوا بن مهيدي أولا حتى وأطلقوا عليه الرصاص ولو لم يصبنا شيء.

يعترف أن القتل والتعذيب كان يمارس بأمر من وزير العدل، ووزير الداخلية ميتران، والرئيس الفرنسي ديغول ، والجنرال ماسو باعتباره القائد الأعلى في الجزائر، وكل جنرات فرنسا.

يعترف أن فرنسا لم تضغط يوما على الحركي الجزائري الذي باع وطنه وتفنن في قتل وتعذيب الجزائريين. كما أنه يعترف أن الفرنسي كان يمارس القتل وتعذيب الجزائريين وإهانتهم بمحض إرادتهم ولم يكن هناك ضغط على الفرنسي القاتل أو الجزائري الحركي.

يعترف بأنه كوّن شبكة من العملاء الجزائريين وفريقه المظليين، أحاطت بالجزائريين من كل جانب، فأصبح يعرف كل صغيرة وكبيرة عنهم، وبدأ الشبكة بعملية الإحصاء حيث تمكن من إحصاء السكان والعمال ، ويعرف الدوائر التي تحيط بهم، وبالتالي تمكنه من معرفة القيادة وخنقها والضغط عليها، من خلال الكم الهائل من المعلومات التي تحصل عليها، لذلك إستطاع أن يقضي على إضراب سنة 1957 بسرعة.

يعترف بأن المجاهدين الجزائريين لهم نقاط قوة يصعب التحكم فيها، ويذكر أن لهم نقاط ضعف يسهل إختراقها . ويعترف بأنه يتفوق على المجاهدين الجزائريين بعناصر قوة لا تملكها الجزائر. ويعترف بنقاط ضعفه كالعدد القليل من الجنود، ويحاول تجاوز ضعفه وأن لا يظهر أمام الجزائريين حتى لا يستغل ضده.

كان صريحا من البداية ولم ينافق أحدا، ولم يكذب على أحد، ولم يزوّر في معلومة قدمها. قال عذبت وقتلت بمحض إرادتي. ومن كان هذا شأنه، فليس الكذب شيمته ، وإن إعترف بجرائمه. فالكتاب وثيقة تاريخية يعتمد عليها في التوثيق لمرحلة جزائرية بالغة الخطورة، ولجرائم القتل والتعذيب بشهادة صاحبها وفاعلها.

يعترف بأن قتله لقادة جزائريين بارزين ، كانت نتيجة وشاية حركى جزائريين كانوا متطوعين لهذا الفعل الشنيع، مثل ما فعل ياسف سعدي حين وشى بعلي لابوانت لأنه كان يغار منه، وكذلك علي بومنجل كان يغار من علي لابوانت حسب شهادة الجنرال. ويذكر أنه لم يضغط على أحد ليكون له عينا سواء فرنسي أو جزائري. فكلا من المخبر الفرنسي والحركي الجزائري كانا يعملان لصالح المحتل الفرنسي بمحض إرادتهما، دون ضغط من فرنسا أو تهديد من المحتل الفرنسي. فالجزائر كانت ضحية مجرم فرنسي متطوع بمحض إرادته، وحركي جزائري متطوع بمحض إرادته .