💥دراسة عن الجدوى الاقتصادية لمشروع انبوب نفط البصرة – العقبة ..
إعداد / الدكتور نبيل احمد الامير
مستشار سابق لإدارة الازمات الدولية بالامم المتحدة
تعود فكرة المشروع إلى ثمانينيات القرن الماضي حينما بدأ العراق في البحث عن طرق لمنفذ ثانٍ لتصدير النفط، وحاول العراق تحقيق تقدُّم ملحوظ في فكرة إنشاء أنبوب نفطي يمتد من الأراضي العراقية إلى الأراضي الأردنية، ليصل إلى هدفه الأساسي في ميناء العقبة، لكن العقبات التي واجهت الحكومات العراقية كانت مختلفة واهمها :
– العقوبات الدولية
– الحصار الاقتصادي
– كلفة المشروع العالية

ثم أُعِيدَ طرح تنفيذ المشروع في العام 2013 بوصفه جزءاً من فكرة التعاون المشترك بين العراق والأردن ومصر، حينما وقَّع العراق والأردن في نيسان 2013 اتفاقاً لمشروع مد أنبوب بطول (1700) كلم لنقل النفط العراقي إلى الأردن بكلفة تقارب نحو (18) مليار دولار، وبسعة مليون برميل يومياً، وكان من المفترض الانتهاء من تنفيذ المشروع في عام 2017 ، وقد تأجَّل تنفيذه بسبب هجوم تنظيم (داعش) الإرهابي واحتلاله لثلاث محافظات عراقية.

كذلك أخذ المشروع حيزاً كبيراً من الدراسة بسبب كلفته العالية حيث وصلت كلفته الى 18 مليار دولار، كما ان جدواه الاقتصادية غير مقبولة حيث ان كلفة نقل البرميل الواحد في هذا الانبوب تصل إلى 6 دولارات، في حين ينقل العراق نفطاً للخليج العربي عن طريق البصرة بكلفة لا تزيد عن 60 سنت.

أمَّا دخول مصر إلى التفاهمات المشتركة فتعود إلى العام 2016 عندما قام وزير النفط المصري طارق الملا بزيارة بغداد لبحث أسس التعاون المشترك وتبادل الخبرات فى مختلف الصناعات البترولية، وأكَّد الوفد المصري في حينها رغبة مصر في أن يصل مشروع خط الأنبوب النفطي من البصرة- العقبة إلى مصر، مستفيداً من رغبة مصر بتصدير الغاز إلى الأردن والعراق.

وطرح المشروع على جدول الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية برهم صالح إلى الأردن في تشرين الثاني عام 2018، ثم في زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى بغداد في كانون الأول من العام نفسه، وبعد شهر من هذه الزيارة توجَّه الملك الأردني عبدالله الثاني بزيارة رسمية إلى بغداد عام 2019. وكان الملف الاقتصادي من قبل الجانب الأردني هو المحرِّك الأساس في تلك الزيارات، يقابله ملفات عِدَّة من جانب العراق تتعلَّق بتسليم المطلوبين للقضاء العراقي في الأردن، وملف مكافحة الإرهاب وتسهيل دخول العراقيين إلى الأردن، وغيرها من الملفات تحت بند (التعاون الإستراتيجي المشترك).

ثم طرح المشروع على جدول الأعمال أثناء القمة الرسمية التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتَّاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي في القاهرة بتاريخ 24 آذار 2019 لبحث سبل التعاون والتنسيق والتكامل بين البلدان الثلاثة، والاستفادة من الإمكانات التي يتيحها تواصلها الجغرافي وتكامل مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية، وضرورة تعزيز المناطق الصناعية المشتركة وتطويرها، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار وغيرها من قطاعات التعاون التنموي.

💥إتفاقية الشام الجديد ..
ان قوة كل دولة تعتمد على عدة عناصر يأتي الاقتصاد في مقدمتها، ولذا عملت الولايات المتحدة وعملائها في العملية السياسية في العراق وبالتعاون مع الصندوق الدولي على اتباع عدة وسائل لتدمير اقتصاد العراق كجزء من خطة لاضعافه وجعل قراره السياسي مرتهن لارادة الولايات المتحدة وشروط صندوق النقد الدولي ومع ان هذا المشروع اتخذ عدة مسارات، الا ان اهمها اتفاقية (الشام الجديد)، وهي اتفاقية اقترحها صندوق النقد الدولي وذهبت الحكومة العراقية لتنفيذها، ولها اهداف بعضها ظاهرياً وبعضها كما نعتقد مخفياً ومنها :-

١- تبديد ثروات العراق واهدارها، واغراقه بالقروض لصالح صندوق النقد الدولي.

٢- ربط مصالح العراق مع دول التطبيع والكيان الصهيوني لجره لمعسكر التطبيع.

٣- تحويل الاقتصاد العراقي للنظام الراسمالي وإدارة الخصخصة لصالح الشركات الأمريكية والاوربية والصهيونية، بدعوى الاستثمار، وبغطاء اسماء عراقية وعربية. مثل مجلس رجال الأعمال العراقي الأمريكي.

وكانت أهم مفردة في اتفاقية الشام الجديد هي مد أنبوب نفط البصرة – ميناء العقبة ..

ونحن كباحثين نتسائل عدة أسئلة لتوضيح الحقائق .. منها :
– ان العراق يصدر ٨٠٪ من نفطه الى غرب وجنوب اسيا، فما الجدوى من مد أنبوب للبحر الأحمر؟

– اذا كان في النية مد أنبوب للتصدير لأوروبا فيوجد خط جيهان التركي، كما أن ميناء العقبة يقع جنوب قناة السويس والاوربيون في شمالها.

– أما اذا أردنا استحداث أنابيب نفط او غاز للتصدير لأوروبا، فحسب شروط (التوقيع الصناعي) يكون الموقع الامثل على البحر المتوسط على سواحل سوريا او لبنان افضل مكان للتصدير بعيداً عن التلامس الحدودي الامني مع الكيان الصهيوني

– كما ان العراق يمتلك فعليا (ميناء المعجز) في البحر الاحمر والأنبوب النفطي الاستراتيجي الذين صادرتهما السعودية بغير وجه حق ولم تتابع الحكومات العراقية المتعاقبة هذا الامر، وبما ان حكومتنا ذاهبة للحضن العربي حسب توجهاتها، فالاولى ان تسترجع الأنبوب والميناء من السعودية.

💥الجدوى الاقتصادية لمد أنبوب نفط لميناء العقبة فيمكن حسابها إجمالا كالآتي :-
بما ان العراق سيقوم بمد أنبوب نفطي بكلفة ١٨ مليار دولار لميناء العقبة وبيع ٢مليون برميل للاردن ومصر بأسعار تفضيلية، وبتخفيض ١٨$ اقل من سعر السوق، كما أن كل برميل سيكلف العراق خسارة بمقدار ٥،٥ $ عبر هذا الأنبوب بدلا التصدير من البصرة بـ 60 سنت فقط ، اي ان مجموع ما سيخسره العراق ١٨$+٥،٥$= ٢٣،٥ $دولار لكل برميل مصدر لمصر والاردن.

واذا قمنا بضرب هذا الرقم بعدد البراميل المفترض تصديرها يوميا من العراق عبر هذا الأنبوب، يتضح حجم الجناية بحق العراقيين هي :
٢٣،٥$ × ٢،٢ مليون برميل =٥١.٧٠٠٠٠٠$ واحد وخمسين مليون وسبعمائة الف دولار، مقدار خسارة العراق يوميا لصالح مصر والاردن.

واذا ضربنا هذا الرقم ب٣٠ يوم، يكون مقدار ما يخسره العراق من ثروته ١،٥٥١،٠٠٠٠٠٠ $مليار وخمسمائة وواحد وخمسين مليون دولار شهريا .

بالمقابل فأن مصر اتفقت مع الصين على بناء معامل كيماويات ومعامل تكرير النفط واستخراج المشتقات النفطية على سواحل البحر الأحمر مقابل ميناء العقبة لتقوم باستخراج مشتقات النفط العراقي واعادة تصديرها للعراق والعالم، وبعد التكرير وإنتاج المشتقات تصبح قيمة برميل النفط ما لايقل عن ٥٠٠$.

٥٠٠$ ×٢٢٠٠٠٠٠برميل × ٣٠يوم= ٣٣٠٠٠٠٠٠٠$ اي ان ما تربحه مصر شهريا ٣٣ مليار دولار من اموال العراق.

وسؤالنا هل هذه الاتفاقية(الشام الجديد) هي البديل الأخسن عن انخراط العراق باتفاقية الحزام والطريق الصينية ؟ والتي يدفع بموجبها العراق مائة الف برميل نفط يوميا فقط، مقابل بناء المطارات والموانئ (ومنها ميناء الفاو ) والطرق والجسور والانفاق وكل البنى التحتية في كل محافظات العراق، وبناء المصانع في العراق لتصدير السلع لأوروبا ودول المنطقة وبناء معامل تكرير النفط وإنتاج المشتقات النفطية والكيماويات داخل اراضي العراق، بدلا من تصدير الخام لمصر والشراء منها بخسارة مليارات الدولارات .

ان المضي باتفاقية مد أنبوب نفط (البصرة-العقبة) يقيناً سيجعل العراق يخسر مبالغ بقدر ثلث ميزانيته، وهذا ما يفسر حديث وزيري المالية العراقي عن الازمة الاقتصادية العراقية، مع ان اسعار النفط قد تجاوزت الـ ١٠٠$ اليوم .

💥ان استبدال اتفاقية المبادرة الصينية (الحزام – الطريق ) باتفاقية نهب وسرقة علنية (الشام الجديد ) له نتائج كارثية، والمضي فيها جريمة بحق الشعب العراقي وهي خيانة عظمى لابد أن يحاسب من ارتكبها ومن رضي بها، فهل من المعقول ان تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو أعلى وافضل ؟

💥النقاط الأساسية لرفض مشروع أنبوب نفط البصرة _العقبة ..

– أولا : التكلفة العالية للمشروع تتجاوز تكلفة المشروع ( 12 ) مليار دولار ، من دون كلف التشغيل السنوية وفق کتاب وزارة التخطيط العراقية في كانون الأول 2021. كذلك تحفظت الوزارة على نوع العقد نظام ( عقود الهندسة والمشتريات والبناء والتمويل ) المعروف أختصارا بنظام 23 ECPF وفق رأي دائرة تخطيط القطاعات في وزارة التخطيط التي ذكرت بأن هذه العقود مبنية على أساس المخاطر .

من جانب آخر ، يرى بعض المتخصصين في مجال النفط أن كلفة إنشاء أنبوب نقط « بصرة – عقبة » ستبلغ نحو ( 18 ) مليار عن طريق الاستثمار من قبل شركات خاصة ، وأن كلفة المشروع لن ترد إلا بعد ( 50 ) سنة ، وفق صيغة العقد المقترح لإنشائه ، ما يعني أن كلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ 9 دولارات ، في المقابل فإن كلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هو ( 60 ) سنت فقط ، أي ما يقارب ( 450 ) ضعف، وهذا المال سيدخل إلى الخزينة الأردنية

– ثانيا : الإرهاب يرى عديد من الباحثين في مجال النفط والطاقة أن كلفة إنشاء المشروع مرتفعة جدا ، وقد يتعرض لمخاطر كبيرة، لأنه يمر في أراضي ماتزال تشهد نشاطا لتنظيم ( داعش ) .
ولعل تجربة أبراج نقل الطاقة الكهربائية وخطوطها شاهد على استنزاف الاقتصاد العراقي من جراء هذه الخطوات غير المدروسة .. إذ يمر الأنبوب بوادي حوران عبر الصحراء التي يملك فيها ( داعش ) نفوذ، ومن الصعب حماية العاملين بالأنبوب النفطي أثناء إنشائه أو بعد المباشرة بعملية التصدير، وهذا سيؤدي إلى خسائر العراق نتيجة تسرب عشرات آلاف براميل النفط ، كما ان وقت تصليحه قد يستغرق عدة أيام . فضلا عن صعوبة تأمين الحماية لفرق الصيانة في تلك المنطقة .

ومن المخاطر أيضا أن تصاميم إنشاء الأنبوب تتضمن تمريره في مناطق تمتد قريبة من سيطرة الكيان الصهيوني وتحكمه ، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على هذا المشروع من جهة نظرنا نحن الرافضون للتطبيع، والتي هي عكس توفير فرصة نفع لذلك الكيان عن طريق دخوله في تفاهمات مع دول أطراف المشروع الأخرى التي تربطها علاقات دبلوماسية وتطبيع ( مصر ، والأردن ) .

– ثالثا : الطاقة البديلة ومن ضمن أسباب الرفض أو التحفظ على مشروع الأنبوب تستند إلى التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة والبديلة الذي سيؤدي إلى قلة الاعتماد على النفط ، وعلى فرض أن الأنبوب النفطي وإن كان ضرورة في مدة زمنية معينة لتنويع مصادر التصدير لكن بعد عام 2030 سيكون الطلب على النفط بمقدار النصف نتيجة الإقبال على الطاقة البديلة . وعلى المدى البعيد لن تكون له جدوى اقتصادية كبيره . كما تكمن خطورة المشروع بأن العراق لن يجني أي فائدة اقتصادية من هذا الأنبوب ، خصوصا ستكون أسعار النفط دون السعر العالمي .

– رابعا : لا تخلو الاعتراضات على المشروع من شبهات فساد وإثارة موضوع نزاهة العقود المبرمة مع الشركات المنفذة له ، فعلى سبيل المثال أن الشركة التي ستنقذ من الأنبوب في الجانب الأردني ( شركة برج الحياة ) المملوكة لرجل الأعمال العراقي أحمد إسماعيل صالح تانكلي صاحب شركة ( كار ) سبق أن قامت هيئة النزاهة العراقية بتاريخ 2019-06-28 بإيقاف عقد غير قانوني للشركة بقيمة ملياري دولار أمريكي لإنشاء محطة كهرباء بطاقة ( 1500 ) میگاواط على طريقة الاستثمار في منطقة بسماية .

كما يثير التحقيق الصحفي الشكوك حول نزاهة هذه الشركة ونفوذها داخل الحكومة ووزارتي الكهرياء
والنفط العراقية . بشأن تدخلها في تعيينات القيادات العليا في الوزارة لضمان مصالح الشركة فيها 27 .

– خامساً : السيادة النفطية ينطلق هذا الاعتراض من نقطة مركزية تتعلق بتقديم العراق ضمانات سيادية من أجل إنشاء هذا الأنبوب، إلا أن ذلك لا يمنع من تحكم دول المرور في الأنبوب المار عبر أراضيها، فضلاً عن خضوعه للمزاج السياسي، وأن مرور الخط عبر البلدان المجاورة قد يجعلها تطالب في المستقبل برسوم عبور باهظة أكثر كمحاولات للابتزاز أو التهديد بغلق خط الأنابيب لأسباب اقتصادية أو سياسية وهو ما حصل فعلاً سابقاً، والتاريخ القريب خير شاهد على حوادث إغلاق الأنابيب العراقية ومصادرة كميات النفط في المستودعات مع وجود الاتفاقيات المنظمة للتصدير بين العراق وتلك الدول، كما هو الحال في إغلاق الحكومة السورية لخط أنابيب كركوك – بانياس عام 1982، وإغلاق السعودية لخط أنابيب الزبير – ينبع، وبذلك تكبد العراق خسائر مالية جزاء تكاليف إنشاء تلك الخطوط وعدم قدرته على إدارتها .