يا ذيول الولي الفقيه
‏ قد صدأت أبواقكم

علي الكاش
نجاح أي كاتب يتوقف على ما يمتلكه من الجرأة والشجاعة في طرح الرأي بحيث تكون أضعاف ما ‏يمتلكه غيره‎ ‎‏ من جرأة، بالطبع سيكون هناك الصراع حتمي في عقله بين قول الحقيقة او التكتم ‏عنها لمآرب ربما تتعلق بالخوف من البطش، او رغبة بإبتزاز الغير، او عملا بالقاعدة ان كان ‏الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب. وفي كل الأحوال يتطلب الحق أفواها وأقلاما حرة لا تتقيد إلا ‏بموقف الضمير من تقييم الأحداث التي تجري على الساحة الإعلامية التي يغطي نشاطاتها، سيما ‏في الدول الفاشلة التي تعاني من عدم الإستقرار السياسي، والفساد الحكومي، وسرقة الثروات ‏وتبديدها وغيرها من المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. فقد أفرز الإحتلال ‏الامريكي الايراني للعراق مثلا الكثير من المؤشرات التي لابد ان نتوقف أمامها، ونحللها بطريقة ‏عقلانية بعيدا عن الأهواء السياسية والميول المذهبية والعنصرية.‏
غالبا ما نجد في اللقاءات التلفازية، وبرامج الحوار تضادات ثقافية، وهذه التضادات تمثل وجهات ‏نظر متعاكسة، لكنها مقبولة ان كان الغرض منها ترجيح كفة المواطنة وتبصير المواطن العراقي ‏بما يحتاجه من رؤى واقعية لحلٌ المشكلات اليومية التي يعاني فيها، في ظل نظام سياسي فاسد، ‏وبطالة وجوع وفقر وثروات منهوبة ونضخم في الأسعار ومديونية خارجية عالية وتزوير شهادات ‏علمية وانتشار الرشوى في جميع مؤسسات الدولة، وحشد من الموظفيين والعسكريين الفضائيين ‏يقدرون بمئات الآلاف، وسوء في إدارة العلاقات الخارجية وغيرها. ‏
كل هذه الكوارث تتطلب محللين على قدر مميز من العلم والوعي وسعة الإطلاع والتحليل الصائب ‏لتبصير المواطن العراقي في فهم ما يجري على المسرح السياسي، لكن مع الأسف الشديد كانت من ‏إفرازات ثورة تشرين ظهور شرذمة من الإعلاميين المأجورين في البرامج الحوارية دون ان يكون ‏لهم اي ظهور سابق في القنوات الإعلامية للطعن في مطالب متظاهرين أبسط ما يطلبونه وطن ‏وهوية، في الوقت نفسه إختفت الكثير من الوجوه الاعلامية الوطنية لظروف لعل ابرزها انطلاقا ‏من قول المتنبي (ولكن لا حياة لمن تنادي) او بسبب إستهدافهم من قبل الميليشيات الشيعية، فلا ‏مكان للوطني المخلص في وطن يحكمه العملاء والجواسيس. ومن ابرزهم جاسم الرصيف، هبة ‏الشمري، عبد الله الفقير، شلش العراقي وافراح شوقي والعشرات غيرهم.‏
لو تابع مقدمو البرامج الحوارية عدد المشاهدين لبرامجهم في حال إستضافتهم ابواق الخامنئي ‏لوجودوا انهم يشكلوا نسبة ضئيلة من المتابعين، ومن يتابعهم فإنما يتابع المناظرين لهم مثلا السادة ‏يحي الكبيسي وأحمد الأبيض، غيث التميمي، علاء الشرع، أياد العنبر، اياد العناز، غازي فيصل، ‏وحيدر الملا وناجح الميزان غيرهم من كبار المحللين السياسيين، الذين يفيدوا متابعي البرامج ‏بمعلومات وتحليلات صائبة وواعية، ولا ننسنى مقدمي البرامج الرائعة مثل أحمد البشير ونجم ‏الربيعي، مهدي جاسم ومحمد السيد محسن، و زيد عبد الوهاب واحمد ملا طلال، وعدنان الطائي و ‏حميد عبد الله وأحمد الأدهمي وأحمد خضير وهاشم العقابي، باسل حسين وغيرهم، والسيدات ‏الاعلاميات المبددعات كسؤدد طارق، سحر عباس وعلا ابو جاموس وغيرهن.‏
على الضفة الأخرى تجد مجموعة من المحاورين ممن أطلق عليهم الإعلامي الرائع أحمد البشير ‏‏(الزبابيك) وقد أحسن في وصفهم، مع انهم يستحقوا وصفا أشد من (الزبابيك)، لأنهم مجموعة من ‏إفرزات ابط الولي الفقيه في ايران العفن، لذا فإن رائحة العمالة والتبعية تفوح من أفواههم، وغالبا ‏ما تكون حصيلتهم في البرنامج بصقة او شتيمة من قبل المتابعين. ومن هؤلاء الزبابيك او ‏العقارب، حيدر البرزنجي، هاشم الكندي، عبد الأمير العبودي، نجاح محمد علي، خالد السراي، ‏عدنان السراج، عباس العرداوي، أحمد عبد السادة ومحمد البصري وعبد الأمير الدبي والعشرات ‏غيرهم.‏
هؤلاء (غوغاء الصحافة والإعلام) تغاضوا عن النظر لمستقبل العراق بمنظار البصيرة ‏والمسؤولية الوطنية والعروبية، فغمسوا اقلامهم بمداد الخيانة، وأفواهم بكنيف الولي الفقيه، عسى ‏ان يزينوا الوجه القبيح للعملية السياسية والميليشيات التي يدافعوا عنها بضراوة، ونسوا انه ” لا ‏يصلح العطار ما أفسده الدهر”. إن المدح في غير موطنه ذم وقدح، واذا تجاوز حده أثبط من همة ‏الممدوحين، وحط من قيمة المادحين، وأضعف الإرادات وأشلٌ العزائم. لقد تعامل الإعلام المأجور ‏بتناغم مع حكومات الفساد المتتالية والميليشيات الولائية، وليس مع مصلحة الشعب العراقي، وهذا ‏ليس خطأ بل خطيئة لا تغتفر، وجريمة بحق الشعب العراقي.‏
إن المؤسسات الصحفية الحرة والرصينة سيدة نفسها وسيدة أفكارها، وليست غانية تهب نفسها لمن ‏يجزل لها العطاء. إنها شامخة تسموا على الحاكم والوزير والقاضي والعالم ورجل الدين، لأن ‏مسؤوليتها أكبر منهم جميعا، فهي الرقيب على جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتعمل ‏لمصلحة الشعب اولا. فتقرأ الأحداث بملية وـني وعمق، وتفهمها بتعقل، وتشخص مواطن القوة ‏والضعف في جسد الدولة وكل مؤسساتها، وتحسن الإستنتاج، وتصقل الحقيقة وتكشف العلل بكل ‏شفافية دون مواربة، بعيدا عن كل الإغراض، إلا غرض واحد وهو الحقيقة المبنية على الوعي ‏والإدراك والمصلحة الوطنية، وليس التخمين والإستشعار والأجندات الخارجية.‏
لكن هذا لا ينفِ وجود مواكب طليعية تدور خارج فلك الولي الفقيه، فهناك بحمد الله حركة فكرية ‏ونهضة تنويرية سرت روحها في عالم الإبداع قبل وبعد ثورة تشرين، ولا يمكن لمكابر ان ينكرها ‏او يتنكر لها. مجموعة من الكتاب الأحرار الذين نهضوا من تحت جمرة الإحتلال الامريكي ‏الايراني لينفضوا عن اجسادهم كل ما تعلق بها من رماد العبودية والإستعباد، كأنهم قبس من نور ‏المعرفة الأبلج، بددوا ضباب الجهل والدجل المعمم، فصفى أديم الحقيقة بعد أن تحررت من اغلال ‏الإستبداد والتخلف. لم يتمكن لمعان الذهب على قوته من أن يبهر انظارهم، فقد فضلوا عليه تراب ‏الوطن الغالي. لأن العقل البشري الواعي والمتعلم لا يطأطأ رأسه مطلقا أمام العمالة والعبودية، ‏المبادئ الوطنية الأصيلة هي في الحقيقة قوة العراق الأشم وشرفه الأثيل المنعم.‏
هناك فرق بين كتاب الإحتلال، وكتاب المقاومة ـ نقصد القوى المعارضة للعملية السياسية، وليس ‏محور المقاومة المزعوم الذي تحول الى محور مقاولة عبر المكاتب التجارية للأحزاب الولائية ـ ‏فالنوع الأول أي الإعلاميون الذيول مسكوا السلاح وهددوا الأمن الوطني في ظل صمت وزارة ‏الأمن الوطني، والنوع الثاني مسكوا العقلانية وتمسكوا بالفكر والوعي الوطني. الأول يلوث عقله ‏بالمدح للزعماء الولائيين، والثاني يشحذ عقله للجهاد السلمي وكشف المستور أمام الشعب المقهور، ‏الأول يجلس تحت أقدام الولي الفقيه، والثاني يجلس فوق رأسه الفارغ ويطرق عليه بمداسه. ‏
لقد أدرك كتاب المقاومة معنى الشرف والغيرة والوطنية، وفات كتاب الإحتلال كل ذاك، بل تركوه ‏ورائهم، وما عاد ينفعهم شيئا. حتى الإعتذار والرجوع الى جادة الصواب فقدت مسوغها وأهميتها، ‏اقلام سودت صفحة الحقائق بمدادها، وافواه تنبعث منها رائحة الكنيف.‏
لا نعرف هل فكر هؤلاء الأوغاد بأبنائهم واحفادهم، واي تأريخ شخصي معيب خلفوه لهم، لقد ‏اورثوهم عارا لا يقل عن عار االخونة في التأريخ. كل السلبيات يمكن ان يطويها الزمن، الا العمالة ‏ولنا في العلقمي إسوة.‏
إن وظيفة الإعلام الوطني هو تعليم الأمة، وإيقاظ الهمم بإنارة عقول العامة وتحريرها من عتمة ‏رجال الدين والسياسيين الولائيين والفاسدين. لأن الصحافة الحرة أفضل مرشد للسداد، وأقوى رادع ‏عن إرتكاب الفساد، للإعلام شأن كبير في توجيه الرأي العام، وميدانه ساحة العقل الرحبة، أما ‏السلاح وتهديد السلم الوطني فهو شأن خطير وميدانه ساحة الحرب، وعلى الإعلاميين توخي ‏الحقيقة، مهما بلغت مرارتها، وصعب هضمها.‏
أحفظوا ما تبقى من حياء ، وراجعوا أنفسكم يا اعلاميين من الزيغ عن الصراط المستقيم وانتم ‏تعيشون في دار البقاء لا تنسوا دار الفناء، لقد ضيق بعضكم وسيع الصدر كدرا والما، وكشفتم سوء ‏طويتكم وخبث مقاصدكم. ‏
أقول في الختام: عندما يغوص الإعلامي الحر في بحار الوطنية سيعثر على الدر المكنون والصدف ‏غالية الثمن. وعندما يغوص الإعلامي الولائي في مستنقع العمالة فسوف لايعثر سوى على الكنيف ‏والقذارة والعفن. هم كما وصفهم شاعرنا الرصافي:‏
مـــــا أنتم إلا بناء ساقــــــــط نتن ملـيء إرضـة متآكــــــل
هجرت عباقرة مساقط رأسها وخلافها لـم يبق إلا جاهــــل
علي الكاش