أتوجه البارحة إلى وهران، قصد التسجيلات الجامعة 1437 هـ – 2016، التي تهم أكبر الأبناء وليد، باعتباره نجح في شهادة البكالوريا لهذه السنة.

لن يضيف المرء جديدا، إذا قال إن الطريق السيار المتجه غربا، أفضل بكثير من الطريق السيار المتجه شرقا. فهو طريق ممهد، وسهل، ويضم محطات إستراحة كثيرة مريحة عن دفتي الطريق، ذهابا وإيابا.

مالفت الانتباه والمرء يدخل وهران ، نخيل جزائري عريق ، يفتخر بسموه وعلوه، ومنظره الجميل الذي يسر الناظرين، ويدفع المتجول للتمسك بكل ما هو أصيل وحياة. وفي نفس الوقت نخيل مغشوش، مطأطأ الرأس لا يستطيع أن يرفعه مما ما ألحق به من عار الغش. يثير إشمئزازا وشفقة حين يباغت النظر لأول مرة. فيتمنى العابر لو أزيل الغش من طريقه، فلا يستقبل الزائر بما يشين، ولا يليق بالوهراني الأصيل مثل ذلك الغش، وإن كان يوجد عبر ولايتي، وقد تحدثت عنه وما زلت كلما أتيحت الفرصة.

دخلنا الجامعة الأولى وهي جامعة أحمد بن بلة رحمة الله عليه. قيل لنا بأن التسجيلات تقام في هذه الجامعة. فتوافد الطلبة مع أوليائهم وانتظر الجميع. وبحكم تجربتي الممتدة لـربع قرن بجامعة الشلف، لاحظت أن لا حياة في الحياة، ولا يدل أثر أن هناك تسجيلات. فلا يوجد موظفين، ولا ملصقات، ولا حركة. وفعلا صدقت فراستي، إذ ببقايا عمال الحراسة والنظافة يخبرون الجميع أن خطأ صدر منهم، فالتسجيلات ليست بهذه الجامعة، وطلب منا الانتقال إلى كلية الطب، وبعد ساعة من الانتظار بسبب جهل موظف لا يحترم نفسه، ولا يعرف قدر الزائر والضيف، وما سببه من عناء وشقاء.

إنتقلنا بعدها لكلية الطب. الساعة الثامنة والنصف ولم تفتح بعد التسجيلات. أول صورة تستقبل الزوار، صورة طابور طوله عام وعرضه شهر.

في الوقت الذي اصطف الطلبة الجدد في الطابور ينتظرون دورهم، إستغل الأب الفرصة، ليأخذ قسطا من الراحة عبر التوجه لأقرب مقهى، وتناول قطعة “مغيز” وفنجان قهوة، لعلها تعيد له بعض وعثاء وعناء السفر.

سؤال ما زال يحير الموظف بالجامعة الجزائرية والزائر لها. لماذا دورات المياه للطلبة لا تحتوي على مياه. وهذا ما لاحظه الزائر وهو يدخل جامعة بن بلة، وكلية الطب، وجامعة العلوم والتكنولوجيا. فالخطأ لايتكرر، والصدفة لا تعيد نفسها. وكان الله في عون الأعداد الهائلة من الطلبة والضيوف.

وبعد عناء وانتظار، قيل لنا أن ملف المنحة بجامعة العلوم والتكنولوجيا، الذي يبعد عن كلية الطب بـ 10 كلومترات.

 

فوضى عارمة تغطي الجامعة، وكل يريد وثائقه، والموظفين لم يستطيعوا تلبية رغباتهم بسهولة ويسر. وأمواج من الطلبة تنتقل من مكان لمكان طالبة ومستفسرة.

أقول للقائم على التسجيلات.. كيف يعقل أن تفرضوا على الطالب الجديد بقطع 10 كلومترات لأجل ملف المنحة، وأخبره أن في جامعة الشلف، يتحصل الطالب على وثائقه في دقائق ويسر. ورغم ذلك مازال الجميع يستنكر على المسؤولين القائمين، سوء الخدمة وبطئها.

يجيب المسؤول الوهراني.. جامعة وهران أكبر من جامعة الشلف، ولا يمكن مقارنتها بحال. ثم يضيف قائلا: التسجيلات في العاصمة أسوء بكثير.

أجيبه: لا أحد ينكر أن جامعة وهران كبيرة، لكن الجامعات الصينية، والجامعات الأمريكية، والجامعات الهندية أكبر بكثير، ولا يوجد فيها هذه الفوضى العارمة.

إنتهينا من التسجيلات الجامعية، وتناولت رفقة إبني وليد وأكرم، وجبة الفطور بإحدى المحلات المقابلة للجامعة، والمخصصة للأكلات الموجهة عادة للطلبة، والتي أتناولها مضطرا، لسوء الخدمة غالبا وغلاء السعر دائما.

دخلنا الطريق السيار للعودة للديار بعد طول عناء في معرفة الطريق المؤدي، بسبب إنعدام اللوحات التوجيهية الضرورية لذلك، رغم أن وهران ولاية كبيرة بمنزلة العاصمة، ويأتيها الناس من كل فج عميق.

أخذ الأب وإبنيه قسطا من الراحة في محطة الراحة يلل. فنجان قهوة بـ 80 دج،  وقطعة حلوى ، وقارورة ماء ليست باردة وفي ظل حرارة مرعبة، وبعد إنتظار طويل.

يسألني أحد العمال.. لماذا يقل السواح بالجزائر؟. أجيبه : وكيف تريده أن يزورنا وفنجان القهوة بـ 80 دج يقدم في كأس من بلاستيك.

نصلي الظهر والعصر قصرا بمصلى محطة الاستراحة. رائحة كريهة مزعجة مؤلمة تنبعث من بساط المصلى. أقول لأحد العمال..

لا يعقل بحال وفي مثل هذه الحرارة يغطى المصلى بكساء شتوي غليظ، وفوقه كساء شتوي، ومن فوقه كساء من البلاستيك، ومن فوقه زرابي فردية، يبدو أنها للزوار التي أزعجتهم الرائحة. واقترحت الاكتفاء ببساط من البلاستيك رقيق، خاصة وأن الزوار يكتفون بالقصر في الصلاة، ولدقاق معدودات.

فيرد قائلا.. لا يجوز وضع البلاستيك في المصلى لأنه خضع للنار، ولا يليق الصلاة فوق كل شيء خضع للنار.

فعلمت حينها سر الرائحة الكريهة العفنة، وأن رائحة الفكر المبررة للرائحة العفنة، أخطر بكثير من الرائحة العفنة بذاتها.