من كان يريد أن يقدم خيراً للبشرية مكنه الله من ذلك حتى لو كان فرداً واحداً وليس معه من وسائل القوة شيء سوى قوة الصبر والعزيمة والثبات والإرادة الحرة من نزوات الدنيا وشهواتها والنية الصادقة الخالصة في خدمة البشر في سبيل الله تعالى, ولنا في نبي الله إبراهيم ” عليهم السلام ” خير شاهد؛ شخصية وجدت وحيدة لا مال ولا قوة عسكرية ولا حتى سند من الأهل والمقربين معه فتحول من شخص إلى أمة بكاملها, حتى بات العالم الآن يدين بالديانة الإبراهيمية كما يعرف حيث الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية كلها تعود بالأصل لإبراهيم ” السلام ” فلم يكن يمتلك مقومات دولة لكنه بالإرادة الحرة والصبر والثبات والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بلسان صدق وموعظة ومجادلة بالتي هي أحسن, جعلت منه أن يكون أمة وهو وحيداً.
بينما من يملكون دولة أو أسسوا دولة على خلاف النهج الإبراهيمي الإلهي, مع ما يملكونه من قوة السلاح والوسائل الإعلامية والقدرة المالية وكثرة الدعاة والمروجين والممولين, لكنهم أصبحوا مفلسين والناس تنفر منهم, وهذا هو حال دولة التكفير الداعشية المارقة التي وضعت نظام شمولي ديكتاتوري تعطل فيه القوانين والقضاء والدستور والحريات الشخصية والعامة وإعتمدت على القوة والبطش والقتل في بسط نفوذها على المواطنين وإرهابهم من خلال عصابات تحمل عناوين متعددة تتبع للحاكم مباشرة – الذي هو الخليفة – بحيث تمارس أعمال الإعتقال والقتل بدون أي محاسبة أو رقابة ودون أي مبررات شرعية أو قانونية ولا مجال للجانب الإنساني فيها, فكانت دعوتها بالسيف فقط وفقط !! لتخالف بذلك الشعار الذي رفعته في الدعوة إلى الله ولتأسيس دولة إسلامية….
وهنا نلاحظ كم الفرق شاسع من خلال إستخدام الإسلوب في الدعوة إلى الله, فشخص واحد استطاع أن يتحول إلى أمة وهو لا يملك من المقومات شيئاَ سوى المعنوية التي تختص به هو وحده, بينما أصحاب الدولة المارقة دواعش الفكر والسلوك والمنهج فمع ما لديهم من إمكانيات ومقومات دولة تحولت تلك الدولة إلى طرائق قدداً وبدأت تتشرذم وراح نجمها يأفل رويداً رويداً وذلك بسبب استخدامها المنهج الإرهابي الدموي, كما إن ذلك الأمر يفضح فساد عقيدتها وبعدها الكبير عن الشريعة الإسلامية, فالشريعة الإسلامية تدعو إلى الدعوة بالحكمة والموعظة والمجادلة بالحسنى وليس بالتكفير والإرهاب وسفك الدماء…
فصار الوضع كما قال احد رجال الدين وألمع المحققين في التاريخ في عصرنا الحاضر وهو يخاطب أصحاب الدولة الداعشية المارقة التكفيرية {{ أنّ ملّة إبراهيم وخاتم الأنبياء محمد “صلى الله عليهما وآلهما وسلم ” في الإيمان بالله وتوحيده والهداية والاهتداء إلى الصراط المستقيم والدعوة إلى سبيل الله بلسان صدق وحكمة وموعظة حسنة ومجادلة بالتي هي أحسن، وليس بالتكفير والإرهاب والعنف والذبح والتفخيخ والتفجير!!! وماذا جنيتم من أسلوبكم الوحشي الإرهابي العنيف فقد بدأتم بشرذمة من المغرر بهم تمرّسوا على القتال وابتكار أساليب التعذيب والقتل والإرهاب وتمكنتم من التسلط على المساحات الشاسعة من البلدان والأعداد الكبيرة من الناس حتى صدقتم أن الأمور ستبقى لكم فرفعتم شعار (باقية وتتمدد) حتى خابَ سعيُكم فانفَرَطَت دولتُكم وسلطتكم فصار واقع دولتكم وشعارها [زائلة وتتشرذم]، وبدأتم بشِرذِمة وأعداد قليلة وملكتُم البلدان والعباد لكنكم عجزتم عن كسب الناس وتجنيدهم معكم فبقيتم على قلتكم ( بدأتم بقلة وبقيت على القلة بالرغم من إنكم أخذتم السلطة والحكم لكن مع هذا نفر الناس منكم لم يلتحق بكم الناس ) وصرتم تستجدون المغرر بهم من باقي البلدان وبدأتم ولازلتم تختبئون بين الناس }}.
فمن كان يريد أن يحقق إرادة الله سبحانه وتعالى في الأرض وأن يدعو لله فعليه أن يتبع الأسلوب والمنهج الإلهي السمح الذي جعل من شخص واحد أن يكون أمة وليس بإسلوب الشيطان والنفس والهوى والعصبية الجاهلية والمصلحة الدنيوية الزائلة القائمة على القتل والإرهاب والتهجير والسبي والترويع, كيف يتم بناء دولة وتؤسس على القتل والإرهاب والدمار ؟ فخلافة الله في أرضه هي في حفظ كرامة الإنسان وصيانتها وليس خلاف ذلك, لذلك نجح إبراهيم ” عليه السلام ” بأن يكون دولة, وفشل المارقة بأن يؤسسوا دولة.

بقلم :: احمد الملا