من المرجح انه حتى ازدهار حضارة وادي الرافدين في حكومات المدن في السهول الجنوبية في العراق (3400-2357 ق.م) لم توجد مكتبة يمكن مقارنتها بالمفهوم الحديث للمكتبة ،وخصوصا ما يدخل في حيز التنظيم والتصنيف ..الخ.وهذا لايعني ان مدن سومر واكد لم تكن لتحوي حجرات ملحقة للمحفوظات او دوراً للسجلات تحفظ فيها تراث السلف،كانت معظم المعابد القديمة تضم حجرات ملحقة بها مليئة بالرقم الطينية ،مما حدا ببعض المؤرخين الى القول ان بداية ظهور فكرة الحفظ تعود الى ماقبل التاريخ ،ذلك أذ ما اخذنا بعين الاعتبار ما جمعه الانسان القديم من الاحجار والجلود المرسومة.

ليس من الصعب جداً تصور السومريين بانهم اول من جمع المحفوظات والسجلات الخاصة بهم مادام المصريون كما تاكد استعاروا فكرة الكتابة من وادي الرافدين،كما يبدو من المعقول التصور بان فكرة السجلات والوثائق قد استعاروها ايضاً من السومريين. ان اول ما يمكن تسميته على الارجح بالمكتبة هو ما اكتشف بمدينة ( لكش ) (3200-2570 قبل الميلاد ) ولسوء الحظ ان السجلات وجدت في خزانة المعبد لم تكتشف خلال تنقيبات مثل تلك التي قام بها المسيو سارزك ، بل وجدت صدفه في اثناء حفريات الاعراب الذين باعوها الى هواة الاثار الغربيين بأبخس الاثمان لذالك تفرقت معظم محتوياتها

التي وجدت في متاحف العالم او ضاع او تلف القسم الاخر.

وفي مدن مثل أور وسيبار ونيبور (نفر ) واوروك وغيرها وجدت في معابدها الضخمة حجرات لحفظ الرقم الطينية ،وكان الناسخون يسجلون الاحداث التاريخية واخبار الالهه وانسابها والاساطير والملاحم الشعرية وكذلك التراكيب الطبية ووصفات السحر وغيرها ،فقد وجد لدى السومريين نظام مدرسي متقدم يتضمن الاستفادة من خزائن الكتب الملحقه بالمدرسة لدعم الموضوعات التي تتضمنها الدراسة .

ولعل معظم المكتبات السومرية وكذاك البابلية و الاشورية كانت دورا للمحفوظات و السجلات

ARCHIVES) ) او مكتبات مدرسية وقد تطورت المكتبة البابلية و الاشورية فيما بعد متبعة مثال دور السجلات السومرية ويصعب القول بوجود مكتبات عامه حتى زمن الامبراطورية الاشورية الاخيرة في نينوى.. فالمكتبة الاشورية النفيسة في نينوى تمتد في عهد سنحاريب ،

كما ان اسرحدون قد اضاف الى محتوياتها رقم تمثل الثقافات القديمة و خصوصا الاشورية منها، الا ان اشور بانيبال الملك المحارب المثقف ،قد عززها وخصص لها جناحاً ضخما من قصره الفخم وبعث الرسل للبحث عن الوثائق والسجلات وآداب الثقافات التي سبقت عهده.وقد استعملت في وادي الرافدين الالواح الطينية كمادة اساسية للكتابة عليها وكانت تلك الالواح ’تعمل من الطين النقي الممزوج بالماء بعد ان تزال منه الشوائب كالقش وبقايا اوراق الاشجار وبعد مدة يوضع على شكل قوالب ثم يجفف قليلا..اما الرموز الكتابية فكانت ترسم بشكل خدوش على تلك الالواح بأزميل يخط خطوطا اسفينية تسمى باللاتينية ( cuneiform ) وكانت الرقم الطينية ترتب في المكتبة موضوعيا في الغالب مع رقعة لكل لوح ورقم السلسلة واسم الناسخ واحياناً يضيف القائم على المكتبة نظراً لشدة اهتمامه بالمحافظة على تلك الرقم ،بعض اللعنات على من يتأخر في اعادة الرقم المعارة.وقد وجدت بعض الرقم الطينية ،في عدد من مكتبات وادي الرافدين ،مرتبة حسب احجامها،وكانت الصغيرة منها توضع في قوارير أو جرار كبيرة.ويبدو ان المكتبي في العراق القديم قد اوجد طريقة أكتشفها بنفسه للتصنيف والتي يمكن مقارنتها في العديد من الاوجه بالطرق المستعملة في عصرنا الحاضر فالكثير من الاعمال الادبية والتراث ولاسيما المطولة منها،قد كتب في اعلى كل منها فحوى لمحتوياتها.وبهذا يكون قد ساهم في تنظيم الرقم على رفوفها المعينة.

كان الاساس في تعليم الناسخ هو الاعتماد على ما لديه من فهم واسع للموضوعات التي يتناولها الناس في كتاباتهم،وكذلك على المامه باللغات المعروفة .اما الترجمة الواسطة الخلاقة لنقل الموضوعات فقد ارتكزت على احاطة الناسخ بالموضوعات التي تضمنتها الادبيات القديمة .وكان الناسخ في الغالب متخرجاً من مدرسة للناسخين،ومتدرباًعلى انواع الكتابات التجارية والادبية لبضع سنين، ومطلعاً عل جميع نماذج السجلات التي تحفظ في المعابد والقصور،وملماً بصنعة الخازن للرقم.وفي مكتبات المعابد تلك كان القيّم على الالواح كاهناً ذا مرتبة عالية، اما مكتبات القصور فكان القيّم شخصاً معروفاً بعلمه الغالب،و’يختار من ابناء العائلات النبيلة ذات الثقافة والالمام بتراث السلف ،اما الرقم فترتب بشكل متناسق ليسهل استعمالها من قبل الناسخ،وقد يشرف الملك بنفسه على اعمال القيم او النساخ الذين يعملون معه على اختيار اللوح الذي يجب ان يحفظ او ذاك الذي يتلف.

هناك اربعة او بالأحرى خمسة انواع من مكتبات وادي الر افدين القديمة:

  1. محموعة المعبد
  2. دار المحفوظات والسجلات الحكومية
  3. سجلات المعاملات التجارية
  4. مجموعة الالواح التي تختص سجلات وانساب العائلات البارزة

وأخيراً لابد ان نذكر المكتبة المدرسية وهي بالأساس مجموعة الكتابات والسجلات الخاصة بتدريس النساخ والكهنة الذين يتابعون دراسة معارف عصرهم وعلى الاخص الشرائع والقوانين .ربما كانت مجموعة المعبد اول مجموعة عرفت في التاريخ فالحاجة لمثل هذه المجموعة تعود الى التغيرات السياسية والهجرة والتهديد بغزو اديان اخرى او نتيجة تعدد آداب وادي الرافدين وتعقدها وتشتمل مجموعة المعبد نسخاً من الموضوعات التالية :

  1. القوانين المقدسة
  2. التراتيل الدينية
  3. حكايات بدء الخليقة
  4. سيرة الآلهه والتفسيرات الجديدة للقوى المهيمنة على العالم
  5. الطقوس

وكانت تلك الالواح تحفظ عادة في مكان مقدس وهو في الغالب حجرة واسعة او جناح ملحق بالمعبد يقوم على ادارته وتنظيمه كاهن او ناسخ وهو على ما اسلفنا من ذوي المكانة المرموقة في المجتمع.

وتليها بالاهمية المكتبات الحكومية أو بالاحرى مكتبات سجلات المدن ،تلك التي كانت يحفظ فيها كل ما يتصل بالضرائب ومصادرة الواردات والتشريعات والتفسيرات القانونية واعمال الملوك والحكام والاتفاقيات والمواثيق والتي كانوا يعقدونها مع جيرانهم أو اعدائهم.وفي حضارة متقدمة كحضارة وادي الرافدين ،حيث ينعم فيها الانسان بالثقافات المختلفة المختلفة لسومر واكد وآشور وتتوفر دور السجلات والوثائق في المعابد وفي مكتبات المدن، فأن مجموعة اخرى قد نمت ايضاً في المدن وهي المجموعات التي تتعلق بالوثائق التجارية كمعاملات البيع والشراء والأرث والتي كانت تحفظ وترتب تيسيراً لاستعمالها ومراجعتها عند الضرورة .