هل سيعود المالكي؟
العودة بين عوامل الاسناد التضاد

وليد شاكر العبيدي

تشير التصريحات الصادرة من بعض الشخصيات السياسية ( محمد الصيهود وكاظم الصيادي مثلا) وما تم تداوله على بعض المستويات الشعبية إلى أن هناك شيئا ما يجري داخل جزء مهم من “البيت الشيعي” – الفتح ومكوناته بالأخص- ينحو نحو إعادة ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء إذا ما فاز الفتح ودولة القانون في انتخابات 10 تشرين 2021 بعدد من المقاعد يؤهلهم للادعاء بأحقية أن يكون هذا المنصب من حصتهم. ويحاجج من يؤيدون هذا التوجه بأن تجربة سنوات 2014-2021 حيث توالى على رئاسة الوزراء كل من حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ثم أخيرا مصطفى الكاظمي، تشير أو تؤكد أن المالكي هو الرجل المناسب للمرحلة اللاحقة وأنه هو أبرز من يمتلك قدرة قيادية تؤهله لأن يوقف التدهور الحاصل في مفاصل الدولة العراقية والتعامل مع الملفات الداخلية والإقليمية خاصة منها المتعلقة بالاحتلال التركي لمناطق من شمال العراق. ويدعي هؤلاء أن جزءا كبيرا من الجماهير قد اغتنت تجربتها الحياتية و باتت تدرك أن هذا الخيار، على ما له وما عليه، هو أفضل الخيارات المتاحة بالظروف الحرجة التي يمر بها العراق وقتامة الآفاق بحيث أصبح مصير العراق معلقا بسعر النفط هبوطا وصعودا.

ومن الملاحظ أن الدعاية الانتخابية للمالكي تركز،من بين جملة قضايا، على إعادة إحياء مشروع البنية التحتية بما في ذلك المبادرة الصناعية والمبادرة الزراعية الذي لم يقره مجلس النواب العراقي خلال الولاية الثانية للمالكي بسبب امتناع كتل معروفة بمعارضتها إن لم نقل عداءها لدولة القانون وتضامن كتل أخرى معها اعتبرت وقتها أن تمريره سوف يصب في مصلحة المالكي شخصيا وإئتلاف دولة القانون بشكل عام. وكان المالكي في مقابلة تلفزيونية سابقة قد وجه أصابع الاتهام إلى جهات تنفيذية عطلت عن قصد تنفيذ العديد من المشاريع التي أقرتها وزارته وأبرزها بناء عشرات المستشفيات…
ويواجه هذا الخيار، أي ترشيح المالكي لرئاسة الوزارة القادمة، عدم قبول من أطراف عديدة داخلية وخارجية. فعلى المستوى الداخلي لا يوجد ما يشير إلى أن التيار الصدري قد خفف من معارضته لهذا الخيار. وكان السيد مقتدى قد أعلن في وقت سابق عن عدم المشاركة في الانتخابات ثم ما لبث أن تراجع. و لا يمكن معرفة ما إذا كان الانسحاب ثم العودة خطوة تكتيكية مرسومة لها أهداف محددة أم أن العودة مرتبطة بالحديث حول ترشيح المالكي للمرحلة المقبلة فالتيار هو الجهة الوحيدة القادرة على الوقوف بقوة ضد هذا الترشيح ليس بسبب امتلاكه ثقلا سياسيا وحسب بل وامتلاكه قدرة على تحريك شارعه وإيقاع فوضى الأمر الذي يوفر سببا لقوى أخرى من مختلف المكونات للانضمام إلى مجموعة المعترضين.
وعدا موقف التيار الصدري فإنا إذا ما اعتمدنا على التجارب السابقة في عملية تقييم المواقف يمكننا القول أن تيار الحكمة المعروف بتذبذب مواقفه سوف يتضامن من التيار الصدري في رفضه للمالكي إذ نعتقد أن السيد عمار الحكيم أميل لانتماءه المرجعي منه إلى انتمائه السياسي وبهذه الصفة فهو يظل من الناحية الوجدانية أقرب إلى إبن مرجع مثله (السيد مقتدى) منه إلى سياسي (المالكي) يملك من قوة الشخصية ما يجعل من كتلة الحكمة فرعا صغيرا لشجرة كبيرة.

لقد حرص المالكي دوما على استمالة الحكيم انطلاقا من حرصه على وحدة البيت الشيعي لكن الابتسامات لا تشي بما في داخل المرء.
وينطبق الحال بنظري على كتلة الفضيلة- التي غيرت إسمها إلى “النهج الوطني”- ذات الشخصية الهلامية مذ ولدت.

ويبقى هناك رأس مهم هو الدكتور حيدر العبادي الذي لا أجد ما يدفعني إلى القول أنه سوف يقبل بخيار كهذا لأسباب عديدة ليس أقلها أنه ينظر لنفسه باعتزاز كبير ويعتبرها أجدر من المالكي لمنصب كهذا. إن ما يعزز قناعته هذه هو حصول كتلته (إئتلاف النصر) على مقاعد برلمانية في انتخابات 2018 تزيد كثيرا عن المقاعد التي حصل عليها دولة القانون (46 مقابل 26 اعتمادا على ذاكرتي) وأنه يحظى بقبول دولي (الغرب التابع لأمريكا) وإقليمي خاصة دول الخيج العربية وهذا ليس بأمر هين. ولو أتيح للتيار الصدري أن يفاضل بين الاثنين من موقع المضطر لفضل العبادي بالتأكيد. و وإذا كان العبادي لا يزال يعتقد أن “انتصاره” على داعش يمثل عامل إسناد ذي شأن فلا أعتقد أن كثير من الناس يعتبرون “انتصاره” ذاك انتصار شخصي له أو لكتلته فالذين قدموا التضحيات قد جاءوا من ماكن آخر وما تحقق كان يمكن أن يتحقق بغيره.

وأعتقد أن العقدة الأساسية التي يواجهها العبادي في إمكانية أن يطرح اسمه مجددا في مواجهة المالكي هي عقدة مسعود البارزاني إذ أن الأخير يشعر أن العبادي قد أذله عندم استولى على كركوك بالقوة العسكرية وأجبر قواته على الهروب منها. وقد اتهم مسعود في وقتها الاتحاد الوطني الكردستاني بالخيانة لتسببه بتلك الهزيمة عندما سحب بيشمركته (وكذلك فعل السيد مسعود) فرد عليه الاتحاد أنه فعل ذلك تجنبا لحدوث حمام دم.

وقد سمعنا أن المالكي قد ذهب لزيارة السيد مسعود في عاصمته ولم يصدر من ذلك اللقاء سوى إعلان عن اتفاق الزعيمين على رفض تأجيل الانتخابات. ولا يمكن للمرء أن يقتنع أن الأمر قد توقف عند تلك الحدود فمن الصعب الاعتقاد أن السيد مسعود قد سكت عن وضع كركوك الحالي و لا نستبعد أن يكون قد توصل إلى “صفقة” مع المالكي بشان عودة نفوذ مسعود إلى المدينة تحت اسم “تطبيع الوضع في المدينة” لقاء تقديم “تنازل” بشان الانتخابات ففي نهاية المطاف فإن تأجيل الانتخابات وحتى إلغاءها سوف لن يضر بوضع السيد مسعود وموقع العائلة البارزانية في دولة الأمر الواقع القائمة في كردستان. رغم ذلك نعتقد أن السيد مسعود يريد إجراء الانتخابات في موعدها باعتبارها فرصة مناسبة لعودته لحكم كركوك منتزعا أياها من قبضة الاتحاد الوطني معتمدا هذه المرة على الضعف الذي انتاب الاتحاد بسبب الأزمة التي ولدها الصراع بين أبرز زعاماته قوباد طالباني ولاهور شيخ جنكي ووقوفه مساندا لطالباني.

وقد يخطر في بال البعض القول أن للمرجعية الدينية في النجف وكذلك لإيران رأي أو قول مسموع فيما لو كان المالكي يمتلك فرصة العودة.
بالنسبة للمرجعية ليس هناك ما يدفع للاعتقاد بأنها قد غيرت موقفها لناحية النأي بالنفس عن التدخل المباشر والصريح بالشأن السياسي خاصة لجهة اختيار من يكون رئيسا للوزراء بعد الانتخابات القادمة فهي في نهاية الأمر مرجعية دينية وليست سياسية واقتصر تدخلها لحد الآن على الشأن العام خاصة ما يهدد أمن العراق كما حدث في أكثر من مناسبة مهمة أبرزها الفتوى الخاصة بالحشد الشعبي وقبلها إصرارها على إجراء انتخابات مجلس تأسيسي تولى مهمة كتابة الدستور في وقت أبكر مما كان يخطط له الأمريكيون ثم موقفها المؤيد لمطالب الجماهير التي خرجت في تشرين 2019..
أما بالنسبة لإيران فاعتقد أن منهجها يقوم على وحدة الشيعة قبل كل شئ و لا أظن أنها في وارد التصريح بأفضلياتها في شأن حساس كهذا قد يحرق أصابعها. إذن هي لن ترفض أحدا ولن تزكي أحدا. ولا يعني ذلك أن ليس لها أفضليات لكن أفضلياتها بنظري تقاس بمدى امتناع رئيس الوزراء القادم عن جعل العراق ساحة للنشاط الأمريكي ضد طهران. ويبدو أن تجربتها مع الكاظمي المقرب من الولايات المتحدة قد منحها درجة غير قليلة من الاطمئنان بأن احتمال مجئ رئيس وزراء شيعي ضعيف أمام الأمريكان إلى درجة السماح لهم بأن يفعلوا ما يشاءون على أرض العراق بعيد الاحتمال.(كان التيار الصدري قد أرسل إشارة “مغرية” للأمريكيين عندما دعى فصائل المقاومة العراقية إلى التوقف عن ضرب القواعد العسكرية الأمريكية معتبرا أن ما أعلنه الكاظمي أثناء زيارته لواشنطن عن وعود أمريكية بالانسحاب سببا كافيا)..

أما بالنسبة للسنة فأعتقد أن الصراعات بين زعاماتهم ربما يجعل من أمر من يكون رئيس الوزراء القادم من صفوف الشيعة ليس بأمر يبعث على القلق الشديد عند هذه الزعامات ذلك إذا ما استثنينا ما يمكن للتأثير الخليجي أن يتركه على بعض تلك الزعامات لجهة الموقف من ترشيح المالكي فهو ليس مرغوبا به بشكل خاص لدى السعودية والإمارات والبحرين وبدرجة أقل قطر. كما ومن المعروف أن هذه الدول تنصاع لرغبة الولايات المتحدة في كل شأن تقريبا.
أما بالنسبة للاعب الأكبر الولايات المتحدة فأعتقد أنها تفضل أي مرشح آخر غير المالكي. وقد كان الدكتور العبادي مقنعا لها وكان السيد الكاظمي أكثر إقناعا وستعمل بنظري على أن يكون لأي من هذين الإثنين فرصة في التجديد ليرتاح بالها. وهناك الكثير من العوامل التي تجعل الولايات المتحدة تشعر بالقلق من تجدد ولاية المالكي فهو:

أولا: كان سببا في الخروج المبكر للولايات المتحة من العراق وهو أقل من غيره استعدادا للمساومة على بقاءها بعد أن عادت، واكثر ميلا من غيره على تطبيق قرار البرلمان بسحب قواتها مع بقية القوات الأجنبية. و لكننا نستطيع القول أن ما ذكرناه يتعلق بالمالكي القديم ولا نستطيع أن نعرف فيما لو كان قد تغير وأنه سوف يبدي مرونة مع الأمريكيين أزاء هذه القضية إذ يفترض به أن يدرك أن التشدد قد يجلب على العراق مصاعب لا قبل له بها حيث يعرف الجميع أن أموال العراق مودعة جميعها لدى الاحتياطي الفدرالي وتستطيع الولايات المتحدة أن تحجبها بحجة أو أخرى في بيئة دولية لن يخاطر فيها أحد بمحاولة كسر الإرادة الأمريكية من أجل بلد كالعراق يفتقد الحد الأدنى من وحدة الرأي سياسيين وعوام.

ثانيا: إنه سيعمل على الانفتاح على سوريا و لا حاجة للحديث الطويل حول أثر ذلك على الموازين الحالية حيث يعمل الأمريكيون من خلال تواجدهم في سوريا ومنع التعامل معها إلى موازنة نفوذهم مع النفوذ الروسي. وكان الانفتاح على سوريا أحد اسباب إسقاط حكومة عبد المهدي.

ثالثا:موقف المالكي القوي المؤيد للحشد الشعبي

رابعا: بناء على علاقته السابقة (ربما استمرت) بشخص حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله فقد يكون المالكي عنصر تعزيز لما يسمى بجبهة المقاومة المعادية لإسرائيل. وضمن هذا الإطار يمكننا أن ندرج علاقة المالكي بإيران.

ويمكن أن تكون هناك اسباب أخرى للمخاوف الأمريكية.

وعندما سئل عن لقاءات المسؤولين الأمريكيين بالمالكي ومنها لقاءه الأخير مع السفير الأمريكي رد الصيادي أن ذلك يدخل ضمن نطاق “استمزاج” الآراء. ونحن نعتقد أن مجاملات الأمريكيين للمالكي لا تصلح لأن تكون مؤشرا على احتمال أن يكون الأمريكيون غير قلقين فالمالكي بنسخته القديمة سيكون عامل radicalization للحالة العراقية بعد جهود حثيثة من قبلهم لجعل العراق عامل اعتدال خاصة بعد تولي الكاظمي رئاسة الوزراء وهذا ما عكس نفسه في احتضان العراق مؤتمرا لدول الجوار.

وأمام هذه الصورة نجد أنفسنا أمام اتجاهين متصادمين أزاء قضية الترشيح:

الأول مساند، وهو شعبي يتعلق برغبات وتصورات المصوتين، خاصة الشيعة منهم، وهي رغبة متصالحة مع فكرة أن يكون المالكي رئيس الوزراء القادم و يرتاح لها الايرانيون والسوريون وحلفاءهم اللبنانيون على المستوى الاقليمي.

والاخر مضاد : داخليا الصدريين، اقليميا دول الخليج المؤثرة على السنة ودوليا الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين اصحاب التاثير على الكرد.
ونحن نتحدث عن الغربيين لا بد هنا من الإشارة لحضور فرنسا بشخص الرئيس ماكرون في مؤتمر بغداد لدول الجوار والسؤال عن حقيقة هذا الاختيار فهي ليست بجارة للعراق ولا ندري لماذا وقع عليها الاختيار من بين الدول الأوربية الأخرى. ويبدو لي أنها نابت عن الولايات المتحدة كطرف غير مرفوض من إيران فمنذ عهد ساركوزي الذي أشر بداية انتهاء العصر الديغولي (نسبة إلى الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول المعروف برفضه الخنوع للولايات المتحدة) وفرنسا أصبحت ذيلا للسياسة الأمريكية.

في خطابه في المؤتمر أكد ماكرون على وحدة أراضي العراق فإذا بنا نراه قد ذهب إلى أربيل معلنا من هناك أن فرنسا باقية على موقفها الداعم للإقليم الذي طالما لوحت زعامته بالانفصال عن العراق و لا ندري والحال هذه في أي إطار نضع كلامه حول وحدة أراضي العراق. أليس هو “الهيبوكراسي” الغربي المعهود؟

وغير ذلك فإننا نعتقد أن أحد أسباب ذهاب ماكرون لكردستان هو استقصاء ما جرى بين السيد مسعود والمالكي ونتوقع منه أن يحاول ثني السيد مسعود عن التفكير بقبول المالكي مرشحا للمرحلة المقبلة وهو هنا ينوب للمرة الثانية عن الأمريكيين الذين يفضلون ممارسة الضغوط بالوكالة.
أما جولته المخطط لها في الموصل وبعض مناطق بغداد فهي في نظرنا استعراضية و لا نعتقد إن الشركات الفرنسية مستعدة للتقدم بعروض لحل مشكلة الكهرباء أو البنى التحتية الأخرى الضرورية للتطور الاقتصادي في العراق وقد رأت ما حل بعقد شركة “سايمنز” الألمانية العملاقة التي أقر أحد مسؤوليها بأن الولايات المتحدة لا تريد حل هذه المشكلة بعد أن أوقف العمل بعقدها الذي أبرمته مع حكومة عادل عبد المهدي.
وبالعودة إلى أصل موضوعنا فإننا اذا ما وازنا بين هاتين الرغبتين الآنف ذكرهما (مساندة التجديد للمالكي مقابل رفضه) نجد ان الرغبة المضادة لترشيح المالكي اثقل وزنا بفعل الوزن الامريكي بالدرجة الاولى ذلك أننا لم نر الجماهير تدافع عن خيارها في انتخابات 2014 عندما فاز المالكي بأعلى الأصوات لكن رئاسة الوزارة آلت إلى حيدر العبادي في ترتيب لا يزال يتذكره الكثيرون حيث تداعى ما يسميه بعض المعلقين الشيعة “أخوة يوسف” لإبعاد المالكي.

و في انتخابات 2018 عندما احتجت معظم الكتل على نتائجها واعتبرتها مزورة وطالبت بالعد اليدوي فتعرضت مئات آلاف صناديق الاقتراع إلى الحرق لم نر الجماهير تفعل شيئا لتعبر عن احتجاجها على تزوير إرادتها.

وهكذا نجد أنفسنا أمام النسخة المستحدثة الديموقراطية الغربية مطبقة على بلد ثالث : الجماهير !تنتخب من تريد ونحن (المتلاعبون) نقرر من يفوز
فهل أصبحت جماهير اليوم أو لنقل جزءا مهما منها مختلفة عما كانت عليه في 2014 وفي 2018 بحيث أصبح من الصعب التلاعب بها؟ يمكن التعويل إلى حد ما على تغير المدارك ولكن هل يمكن التعويل على استعدادها للدفاع والتضحية، إن تطلب الأمر، عن خياراتها إذا ما تم التلاعب بالنتائج؟