هل سقطت نظرية توازن الرعب
بين حزب الله واسرائيل؟

علي الكاش

قال الخامنئي في سره” سنقاتل من اجل ايران حتى آخر رجل عراقي ولبناني وسوري ويمني ‏وغزاوي”.‏
يوم 4/8/ 2021 انطلقت ثلاثة صواريخ من جنوب لبنان تجاه اسرائيل، سقط إثنان منها في ارض ‏اسرائيلية مفتوحة، والآخر سقط داخل الحدود اللبنانية، ولم يسفر الهجوم عن خسائر بشرية، سوى ‏إصابات هلع بين اربعة من الأطفال. وبالمقابل قامت القوات الإسرائيلية بثلاث دفعات مدفعية شملت ‏الجنوب اللبناني بأكمله، وفي المساء قامت بغارتين جوية على جنوب لبنان لأول مرة منذ عام 2006 ، ‏وتلتها غارات محدودة عام 2014 في أعقاب تبادل لإطلاق النار شهدته المنطقة الحدودية. واستهدفت ‏تلك الغارات الحدود مع سوريا‎.‎
كانت الغارات استهدف مناطقا لا تزيد 20 كم عمقا داخل الشريط الحدودي الاسرائيلي اللبناني وفقا ‏لقواعد الإشتباك بين حزب الله واسرائيل حيث تعهدا الطرفان بعدم إستهداف العمق اللبناني والاسرائيلي.‏
لكن بهاتين الغارتين، خرقت إسرائيل القرار رقم 1701 وستقدم لبنان شكوى الى مجلس الأمن، لكن من ‏المعروف ان هذه الشكوى سوف لا تكون لها أهمية، على اعتبار ان لبنان من بدأ العدوان على اسرائيل، ‏والغارات الاسرائيلية كانت ردة فعل طبيعية على الهجوم الذي إنطلق من جنوب لبنان، فمن خرق القرار ‏اولا الجانب اللبناني، كما ان اسرائيل سبق أن هددت لبنان برد فعل حاسم في حال تعريض الأمن ‏القومي الاسرائيلي الى أي تهديد او عدوان ينطلق من اراضيها. وشكوى لبنان القادمة سيحولها مجلس ‏الأمن الى قوات اليونيفيل لمنع مثل هذه التجاوزات من قبل الجانبين، فهو مجرد إجراء بروتوكولي لا ‏أكثر.‏
من جانبه، تنصل حزب الله اللبناني في البداية عن العملية، معتبرا ان مثل هذا العمليات قد تحدث في ‏الجنوب دون علم الحزب بها. والأطرف منه ان قيادة الحزب تجاهلت القصف المدفعي الإسرائيلي في ‏جنوب لبنان حيث يتواجد حزب الله قيادات وقوات. ولم تعلق قوات اليونيفيل على الهجومين، بل طالب ‏جميع الأطراف بالإلتزام بوقف إطلاق النار، فالوضع خطير جدا في حالة التصعيد، وهي تناقش ‏الطرفين لضبط النفس.‏
وفي ظل صمت حزب الله عن الهجوم الإسرائيلي، ناقش الرئيس ميشال عون مع قائد الجيش اللبناني ‏تفاصيله علما ان حزب الله يردد دائما تهديداته بالرد بعنف في حال قيام القوات الإسرائيلية بإسستهداف ‏لبنان، لكن جميع أسلحة حزب الله تحولت من حال الثرثرة الى حال الخرس، لا بيان إستنكار ولا رد ‏مزلزل كما وعد الحزب.‏
لكن بعد السخرية والإستهزاء من الشعب اللبناني على موقف حزب الله من الغارات الإسرائيلية، اعترف ‏الحزب مضطرا بعد يومين بإن” المقاومة الإسلامية هي من قصفت أراضي مفتوحة في محيط مزارع ‏شبعا بعشرات الصواريخ من عيار 122 ملم”. ولم يذكر الحزب ايه جهة في المقاومة الإسلامية قصفت ‏اسرائيل. وهذا الإعتراف المتأخر يضع الحزب في موقف محرج، على إعتبار انه تنصل في البداية من ‏الهجوم، وممن ثم تراجع بعد النقد اللاذع الذي وجه اليه، مقدما اعترافا متواضعا، بدون أي تفاصيل. ‏التفاصيل وردت من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ( أفيخاي أدرعي) في تغريدة عبر تويتر قال فيها ‏‏” تم إطلاق أكثر من 10 قذائف من لبنان نحو الأراضي الاسرائيلية حيث تم اعتراض معظمها بينما ‏سقطت باقية القذائف في مناطق مفتوحة في منطقة جبل (روس هار دوف). وإن حزب الله أطلق 19 ‏قذيفة صاروخية من منطقة شما شبعا، 3 منها سقطت داخل لبنان، بينما سقطت 6 منها في مناطق ‏مفتوحة دون أي أضرار، كما اعترض الجيش الإسرائيلي 10 قذائف”.‏
لكن الإعتراف المتأخر لحزب الله جلب مصيبة أخرى للبنان في ظل ظروفها الصعبة، فقد شنت القوات ‏الاسرائيلية عدة غارات على جنوب لبنان، وقام الحزب بدورة بشن هجوم آخر على اسرائيل. علما ان ‏تلك الهجومات لم تسفر عن قتلى من الجانبين، فكلا الضربات انصبت على مناطق مفتوحة وغير ‏مأهولة سواء في لبنان او اسرائيل، فهي رسائل تهديد اكثر منها معارك تصعيد.‏
كما صرح زير الدفاع الاسرائيلي بأن ايران وضعت تحديا متعدد الميادين أمام إسرائيل، في إشارة الى ‏حزب الله وحماس وشبيحة الأسد، والحوثيين والميليشيات الولائية في العراق. وعليه لا بد من حشد قوة ‏دولية قادرة ومؤثرة في المشهد القادم، اي الولايات المتحدة وبريطانيا ودول اوربا، والدول العربية ‏الصديقة لإسرائيل. ‏
‎ ‎بالطبع لا يمكن قراءة خارطة الأحداث دون إستذكار الدور الايراني، فايران ليست بمعزل عن الحدث ‏وعلاقته من إستهداف الناقلات البحرية، فكلما زاد الضغط عليها حركت مصداتها في المنطقة، وهذا ما ‏عبر عنه حسن نصر الله بضرورة توحيد وتلازم الجبهات في حالة شن هجوم امريكي واسرائيلي على ‏ايران. فصواريخ حزب الله كانت رسالة ايرانية الى الولايات المتحدة واسرائيل بأن بإمكان الولي الفقيه ‏ان يفتح جبهات لبنان وغزة وسوريا في حال تعرضه الى الهجوم الذي هددت به الإدارة الامريكية ‏واسرائيل. وقد تزامنت هذه الأحداث مع اول يوم من تسلم ابراهيم رئيسي دفة الحكم في طهران. بمعنى ‏ان ايران رئيسي ستكون اكثر شدة في التعامل مع التهديدات المحيطة بها، خلافا للرئيس الإصلاحي ‏السابق روحاني.‏

الحقائق الغائبة
كان حزب الله مضطرا في رده على الغارات الاسرائيلية لعدة عوامل منها:‏
اولا: لكي يؤكد حجته في عدم تنازله عن سلاحة، وتسليمه الى الجيش اللبناني. ‏
ثانيا: لتغيير بوصلة إهتمام الشعب اللبناني من الإحتجاجات التي اجتاحت لبنان بمناسبة مرور عام على ‏تفجير ميناء بيروت دون الإعلان عن النتائج، الى مسألة خارجية، سيما بعد أن فقد حاضنته الشعبية، ‏ورفض الشعب اللبناني ان يكون لبنان ساحة لتصفية الحسابات الدولية.‏
ثالثا: غيرت اسرائيل قواعد الإشتباك بعد ان أعلن نصر الله ” من يريد ان يقاتلنا، فليقاتلنا في سوريا”، ‏حيث قامت بضرب لبنان وليس قواعد حزب الله في سوريا.‏
رابعا: لا يمكن ان يقوم حزب الله بضرب اسرائيل بالصواريخ دون أخذ الضوء الأخضر من النظام ‏الايراني، فالحزب ذراع ايراني في لبنان، لأنه لا مصلحة للبنان في فتح جبهة مع اسرائيل، وهي في ‏أسوأ اوضاعها، لذا فالتخطيط ايراني والتنفيذ لبناني، كان حزب الله يتلقى صفعات اسبوعية من ‏اسرائيل، ولم يجرأ على الرد عليها، وهذا يؤكد ان حزب الله تلقى اوامرا جديدة من الرئيس الايراني ‏المتشدد في إطلاق الصواريخ.‏
خامسا: ثبت فعليا ان لبنان مخطوف من قبل حزب الله، ولا حول لها ولا قوة. والشعب اللبناني لا يريد ‏الإنزلاق في حرب، معروف نتائجها ومن يقف ورائها، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.‏
يبقى السؤال المهم: هل تتحول الحرب غير المعلنة بين ايران واسرائيل الى حرب معلنة؟ هذا ما ستفسر ‏عنه الأيام القادمة في ضوء معطيات التصعيد، وتجاوز النظام الإيراني الخطوط الحمراء.‏
والمسألة الأخرى، هل ستنفذ الولايات المتحدة قرارها برفع (1000) عقوبة عن ايران من ما مجموعه ‏‏(1600) عقوبة، بعد التطورات الأخيرة في المنطقة؟
وهل ستبقى الولايات المتحدة مصرة على شمول مفاوضات فيينا على مسألة الصواريخ البالستية ‏والطائرات المسيرة، ومعالجة الثغرات الموجودة في الإتفاق النووي ومنها الأزمات الإقليمية؟ لا سيما ان ‏ايران ترفض تعديل اتفاق عام 2015 او التوسع فيه.‏
ثم هل ستقوم ايران بتحريك ورقة حماس، واشراكها في المعركة كما فعلت مع حزب الله؟ هذا يتوقف ‏بالتأكيد ‏
على تحول الهجمات من منظمة ومنضبطة كما عبر الطرفان الى هجمات صاعقة.‏
وأخيرا اين موقف الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني مما يحدث على أرضه؟ فقد بدأ بعض سكان القرى ‏الحدودية اللبنانية بالفرار من قراهم، خشية من تصاعد العمليات الحربية.‏

علي الكاش