إن وضع البشرية اليوم مع التكنولوجية المتطورة وما يتعرض له من مخاطر، يذكرنا برواية “عقدة فرانكشتاين” للأديبة الإنكليزية ماري ولستونكرافت شلي عام 1818، والاسم مشتق من اسم بطل الرواية فيكتور فرانكشتاين الذي قام بابتكار “كائن ذكي” يفوق طاقة البشر، وكان شكله رهيباً جداً، لذا تخلى عنه مخترعه فيكتور مما أدى في نهاية المطاف إلى موته في الثأر بينه وبين مخلوقه.

ربما أرادت المؤلفة شرلي أن ترمز بهذه الرواية إلى أن الإنسان في سعيه الحثيث في التقدم العلمي والتكنولوجي سيقضي على نفسه في نهاية المطاف بهذه الاختراعات. إذ كما قال سومرست موم في هذا الخصوص: “كلما ازداد الإنسان ذكاءً تفنن في تعذيب نفسه”. فالعلوم، والتكنولوجيا نتاج ذكاء الإنسان المبدع، ولكن، كأي شيء في الحياة، فهما سيف ذو حدين، يمكن استخدامه للخير وللشر معاً، يعتمد على المستوى الأخلاقي لدى المالك لهذا السلاح (التكنولوجيا) الذي أصبح امتلاكه سهلاً حتى من قبل الجهلة والأشرار والساقطين أخلاقياً.

هناك حقيقتان جديرتان بالذكر، الأولى، أن التقدم الحضاري لم يكن على مستوى واحد بين الشعوب والأمم. فهناك شعوب وصلت أعلى مراحل التطور والرقي في العلوم والتكنولوجية والفنون والآداب والفلسفة…الخ، وأخرى مازالت تراوح في العصر الحجري، والبقية موزعة على نقاط الخط البياني بين هذين المستويين، الأدنى والأعلى.

الحقيقة الثانية، هي أن التقدم المادي وخاصة في العلوم الطبيعية والتكنولوجية يسير بوتيرة أسرع من التقدم والرقي في الأخلاق والقيم الإنسانية. وهذا يعني أن أخطر تكنولوجيا يمكن أن تقع في أيدي أناس إرهابيين متخلفين ومنحرفين وساقطين أخلاقياً، تحركهم أيديولوجيات شريرة وغرائز حيوانية بدائية معادية للبشرية، تستخدم تكنولوجيا الدمار والإعلام لأغراض شريرة، وهذا ما هو حاصل الآن.

وأحسن مثال في هذا الخصوص ما تقوم به القوى الظلامية الإرهابية (الفاشية دينية والبعثية)، في الاستفادة من الانترنت والفضائيات لنشر أيديولوجية الإرهاب والتضليل. وكذلك في استخدام تكنولوجيا الدمار الشامل في قتل البشر، وعلى سبيل المثال: استخدمت أمريكا القنابل النووية في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان في هيروشيما ونكازاكي، وكانت الحصيلة قتل مئات الألوف في دقائق، إضافة إلى الدمار المادي الشامل للمدينتين وما نجم عن هذا السلاح من أضرار الإشعاع النووي بقي تأثيره المدمر لعشرات السنين.

كذلك السلاح الكيمياوي الذي استخدمه صدام حسين في حربه مع إيران، وحتى ضد شعبه حيث قتل الألوف في حلبجة والأهوار.

ونسمع هذه الأيام عن استخدام السلاح الكيمياوي (غاز الأعصاب- السارين) في سوريا… وبغض النظر عن الجهة التي استخدمته فهو كارثة بشرية مدانة، وأغلب الدلائل تشير إلى إن “جبهة النصرة” هي التي استخدمته في “الغوطة”، إحدى ضواحي العاصمة دمشق بشهادة مراسلة وكالة الأسوشيتد برس، التي “نقلت عن والد أحد المقاتلين قوله إن ابنه”عبد المنعم”، قُتِل مع 12 آخرين على رأسهم السعودي “أبو عائشة” الذي كان يقود كتيبة في المنطقة، جاء يسأله قبل نحو أسبوعين عن رأيه بالأسلحة التي طلب منه أن ينقلها. ووصف تلك الأسلحة بأن بعضها كان على هيئة أنابيب بينما كان بعضها الآخر يشبه اسطوانات غاز ضخمة/ مشيرا إلى أن المتمردين كانوا يستخدمون المساجد والبيوت الخاصة للنوم، بينما كانوا يخزنون السلاح في الأنفاق. وقد أعلنت “جبهة النصرة” ( بلسان زعيمها “أبو محمد الجولاني”)، أنها ستلجأ إلى الأمر نفسه مع “القرى العلوية” في الساحل السوري ردا على ما حصل في الغوطة”. (1).

كذلك سمعتُ مساء 2/9/2013، من إذاعة (BBC Radio 4) في مقابلة مع مسؤول في الأمم المتحدة، قال أن سوريا مقدمة على حرب إبادة الجنس وبالأخص ضد الأقليات، ونقل عن قيادي في المعارضة قوله أنهم إذا ما أسقطوا نظام الأسد فسيبيدون العلويين بالغازات السامة، مما يؤكد ما نقلته مراسلة الأسوشيتد برس.

كما ونلاحظ ما يجري في العراق منذ إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003 من حرب الإبادة ضد الشيعة من قبل التحالف البعثي- القاعدي الوهابي، واستخدام البهائم البشرية من الانتحاريين، وزرع الألغام في الطرق، وتفخيخ السيارات وتفجيرها عن بُعد بالريموت كونترول في الأسواق الشعبية المزدحمة لتحقيق أكبر عدد ممكن من القتلى والإصابات، وهي بالتأكيد حرب إبادة الجنس ضد الشيعة.

لنتصور لو انتصرت قوى الردة  المتمثلة في التحالف بين البعث والقاعدة في العراق، وانتصار القاعدة (جبهة النصرة) في سوريا، فماذا سيحل بهذين البلدين؟

ليس لدي أدنى شك، أنهم في العراق سيستخدمون الغازات السامة والمفخخات لإبادة الشيعة في الوسط والجنوب عن آخرهم، وكذلك إبادة الأقليات الدينية والعرقية الأخرى. وهذا ما سيحدث في سوريا أيضاً، وصولاً إلى لبنان. وبعد انتصارهم على خصومهم سينقلبون على كافة القوى العلمانية من أهل السنة الذين لا يشاركونهم في أيديولوجيتهم الفاشية. وهذا ما حصل في الجزائر، وأفغانستان، وباكستان، والصومال ومالي، والآن في مصر وغيرها، والحبل على الجرار.

في عهد الحرب الباردة وسباق التسلح، كانت ترسانات أسلحة الدمار الشامل لدى المعسكرين، الشرقي    والغربي، ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية وما عليها من بشر والزرع والضرع لعدة مرات. ونحن الآن على أبواب حرب باردة جديدة بين الصين وروسيا وحلفائهما من جهة، وبين دول حلف الناتو بقيادة أمريكا من جهة أخرى.

والخطر هنا يكمن ليس فقط في الاستخدام المتعمد لهذه الأسلحة من قبل الحكومات في حروبها الساخنة، بل والخطر الأكبر يكمن أيضاً في احتمال نشوب حرب نووية عن طريق الخطأ في أجهزة الانذارات، إذ حصل مرة إنذار مزيف قبل انهيار المعسكر الاشتراكي عن هجوم نووي روسي على أمريكا بسبب خطأ في الكومبيوتر.

كذلك ممكن أن يقع السلاح النووي بأيدي الإرهابيين، وهو وارد في حالة باكستان وبعض دول آسيا الوسطى، فيما لو نجحت هذه القوى في اغتصاب السلطة.

وهناك مشاكل تفجير محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء نتيجة الإهمال البشري كما حصل في تشيرنوبل عام 1986، أو نتيجة كوارث طبيعية كما في حالة التسونامي في اليابان عام 2011 وما نتج من تدمير محطات الطاقة نووية وانتشار كميات هائلة من الوقود المشعة تبقى تأثيراتها المدمرة على البشر والأحياء المائية لسنوات.

والغريب في الأمر أن الدولة العظمى، أمريكا، هي الأخرى انقلبت على القوى الديمقراطية والربيع العربي باسم الشرعية المزيفة، فهي تحارب القاعدة وطالبان في أفغانستان، ولكنها تريد أن تحارب في سوريا إلى جانب القاعدة، وتناصر حكم الأخوان المسلمين في مصر. وكذلك فرنسا تحارب الإرهاب الإسلامي في مالي ودول أفريقية أخرى، ولكنها متحمسة في ضرب سوريا لصالح جبهة النصرة الإرهابية. وهذا الموقف يزيد من احتمال وقوع تكنولوجية الدمار الشامل في أيدي الإرهابيين، وعندها نقرأ على الحضارة البشرية السلام.

وليت التحريض على استخدام تكنولوجية القتل الجماعي توقف على الجهلة من الإرهابيين المغسولة أدمغتهم، بل المصيبة أن أستاذ جامعي كويتي يدعو الإرهابيين في محاضرة له أمام جمع من المثقفين، يدعوهم إلى شن حرب جرثومية (أنثراكس)على أمريكا. رابط الفيديو في الهامش(3)

خطر تكنولوجي آخر يهدد البشرية، وهو حرب السايبر (Cybernetic war) عن طريق الانترنت، لا يقل خطراً عن أي إرهاب آخر، إذ يستطيع الهاكر زرع برنامج مساعد داخل آلاف الكومبيوترات واستخدامها من دون معرفة أصحابها لمهاجمة كومبيوترات أخرى. وإذا ما عرفنا أن صارت اليوم إدارة جميع أعمال الحكومات والمصارف، ومؤسسات القطاع الخاص والعام، وشركات الطيران، والمطارات، والقطارات، والمواني، والاتصالات، والكهرباء والماء، وحتى قيادة الطائرات في الجو مبرمجة مسبقاً من بدء إقلاعها من مطار بلد ما إلى أن تحط في مطار بلد آخر.. وغيرها كثير تعتمد كلياً في تسيير أعمالها على برامج كومبيوترية. كما و يستطيع الهاكر سرقة مليارات الدولارات من المصارف ونقلها إلكترونياً إلى حسابه أين ما كان، وكذلك شل نشاط أية مؤسسة في أي مكان على الأرض. وعلى سبيل المثال، وكما جاء في برنامج قدمته إذاعة البي بي سي، أن قامت جماعة بشن هجوم على المفاعلات النووية الإيرانية وأوقفتها عن العمل لعدة أيام. إلا إن الإيرانيين استطاعوا حل المشكلة، واعتقدوا أن الهجوم من الاستخبارات الأمريكية، فقاموا بالرد وذلك عن طريق شن هجوم مماثل على شركة أرامكو في السعودية لكي يشعروا الأمريكان بأنهم (أي الإيرانيون) يعرفون من كان وراء الهجمات السايبرية على مفاعلاتهم، وأنهم يمتلكون الخبرة للرد بالمثل.

فحروب السايبر هي حروب مستقبلية ومعارك جديدة بين الدول، والمؤسسات والشركات دون تحريك أية قطعة عسكرية أو إطلاق رصاصة. وحتى الحروب العسكرية تبدأ اليوم بحروب السايبر وذلك باختراق أجهزة كومبيوترات العدو وشلها منظوماتها وتعطيلها عن العمل.

فتصور لو وقعت هذه الخبرات في أيدي الإرهابيين من جماعة القاعدة أو فلول البعث، وهو ممكن، فماذا سيفعلون بالبشر؟

لا شك، إن الشعوب العربية هي أكثر الشعوب تعرضاً لخطر التكنولوجية لأسباب كثيرة، منها لأن هذه الشعوب صارت منبعاً للإرهاب وأكثر من غيرها تعرضاً له، إضافة إلى الجهل المتفشي فيما بينها، وما يكسبه أعداؤها من خبث وخبرات هائلة في تكنولوجية الدمار، وسهولة تحريك الفئات العربية ضد بعضها البعض  إذ كما طالبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: “دعوا العرب يقضون على أنفسهم بهدوء”.

والجدير بالذكر، أنه رغم أن الإرهابيين يشكلون الأقلية، ولكن بسبب امتلاكهم لتكنولوجية التفجيرات والقتل الجماعي، ونزعتهم العدمية، واحتقارهم للحياة، واستعدادهم لتدمير الذات على غرار “عليَّ وعلى أعدائي يا رب .. وليكن من بعدي الطوفان”، نرى تأثيرهم في القتل والتدمير يفوق حجمهم الحقيقي بآلاف المرات. وهذا ما يضع الحضارة البشرية على كف عفريت.