شهيد عبد الله ناجح
ظاهرة الفساد المالي وسرقة أقوات العراقيين على يد لصوص المال العام سياسة لا مثيل لها ترسخت في طبيعة تعامل الطبقة السياسية وحاشيتها مع البلد ومقدراته..
على مواقع التواصل الاجتماعي شاهدت مؤخرا مقطعا فيديويا لرجل أعمال كويتي وهو يشكو بمرارة من واقع البيروقراطية والتعقيد الذي واجهه في دوائر محافظة البصرة، وما اكتنف ذلك من صعوبات متعمدة توضع أمام المستثمر الأجنبي، وبرغم أن الرجل اعتذر من أنه لم يتحدث بدبلوماسية وكان شديد اللهجة كما قال إلا أنني اعتقد جازما بأنه اخفى اكثر مما ابدى، فلم يتطرق إلى الرشاوى التي طلبت منه، وهي قاعدة مالية ثابتة في دوائر ومؤسسات البلاد، وبالتاكيد فإن الرجل يعي تماما العواقب القانونية لإفشاء كهذا قضية، وآثر غض النظر عنها..
ينهب مال العراقيين بعدة طرق ولكن أبرزها طريقان، الأول هو النهب المنظم والمؤطر قانونيا عبر الوزارات والدوائر من خلال نفقات مبالغ بها ومشاريع تفيض النفقات الفعلية لها على النفقات المخصصة لها، والوسيلة الثانية هي الأتاوات والرشا والحصص في العقود والمعاملات الاستثمارية والاستيرادات والصفقات الخارجية المتنوعة.. وتشتمل هذه طيفا واسعا جدا من القضايا، منها ما يحدث في الموانئ واستيرادات الحكومة والقطاعات المصرفية والخدمات المختلفة..
هذا ما جرى خلال سنوات ما بعد 2003 وإلى عام 2014 حيث انهارت أسعار النفط، ولكن لم يتراجع الفساد إلا بفعل تراجع إيرادات الدولة، وهو تراجع نسبي بالطبع، أي أن نسبة النهب من ثروات الشعب تراجعت بذات القدر الذي تراجعت فيه نسبة العوائد النفطية.
ولنا أن نرصد بكل وضوح أنه بعد تراجع أسعار النفط شهدت الإنفقات الحزبية الباذخة تراجعا غير قليل يناسب تراجع تلك الأسعار، لماذا يعمد احد الأحزاب المتنفذة إلى إغلاق العديد من مراكزه وقنواته الإعلامية ويسرح العاملين فيها؟ لماذا يلجأ حزب كبير متنفذ آخر إلى تقليص نفقاته التي كان يوزعها على مريديه أو من يود كسبهم من شخصيات عشائرية و إعلامية؟ لو كانت تلك الأموال تنفق بالفعل من مساعدات وحقوق شرعية وما شابه ذلك كما يزعمون فلماذا تراجعت بعد تراجع أسعار النفط ودخول البلاد في ضائقة اقتصادية؟ هل هناك مبرر منطقي غير ارتباط هذا انفقاهم السخي السابق بالفساد المالي وسرقة الشعب؟؟
للأسف لم يقف الشعب العراقي إزاء هذه المسألة الواضحة وقفة مناسبة، ولم يجر التركيز عليها بما يلائم الجريمة المكشوفة والتي لا تحتاج إلى إثباتات أكثر مما هي عليه من وضوح وجلاء.. لقد أثبت تراجع إنفاق الأحزاب على ماكينتها الإعلامية وحواشيها التنظيمية بأن نفط العراق كان يذهب إلى جيوب تلك الأحزاب..
لقد اكتفى البعض ممن أدرك ذلك بالقول ندعو الله لبقاء أسعار النفط منخفضة كي لا يجد السراق مالا ليسرقوه..! وهو ما يدفع إلى الضحك والبكاء معا…
إن الحل الوحيد هو أن تكون ثروة الشعب للشعب، وأن يتم تنفيذ القوانين التي تكفل أن يكون لكل فرد عراقي حصة من ثروة بلاده، ولهذا نرى أن قانون شركة النفط الوطنية الذي اقر في البرلمان ويضمن للفرد العراقي حصة عادلة من عوائد النفط، نرى أن تنفيذ هذا القانون يعد أمرا ضروريا، مع أن كل المؤشرات تدل على نوايا تبتعد عن رغبة العراقيين وأن القانون سيبقى كما بعض من القوانين حبرا على ورق. ما يطمئن بدرجة ما أن بعض الأصوات الخيرة تحاول أن تتابع تنفيذ هذا القانون، ونأمل أن يتكلل مسعاها بالنجاح، ولا بد أن يعلم السياسيون الفاسدون بأن استمرار فسادهم إلى الأبد أمر غير ممكن، فيصطدمون آجلا أم عاجلا بإرادة الشعب ورفضه لفسادهم، والشعب العراقي اليوم أصبح أكثر وعيا مما مضى بدرجة تؤهله لأن يأخذ زمام المبادرة وينقض على هؤلاء الحيتان النهابين.