طرح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على البرلمان  مشروع قانون مايعرف بالبنى التحتية .وحسب إدعاءات الحكومة العراقية فقد إستغرقت عملية اعداد مشروع هذا  القانون قرابة الثلاث سنوات ويدعي رئيس الوزراء العراقي وكتلة دولة القانون التي يتزعمها بأن هذا القانون سيسهم مساهمة فاعلة في اعادة بناء البنى التحتية المدمرة في العراق ،سواء على صعيد توفير الكهرباء أو شق الطرق او توفير المياه الصالحة للشرب أو الإسكان أو غير ذلك من المرافق الحيوية.

ويبدو للوهلة الأولى بأن اقرار مثل هذا القانون يعتبر أمرا حيويا ومهما لأنه يمس حياة المواطن العراقي الذي عانى الأمرين طوال السنوات الماضية سواء على صعيد الأمن أو على صعيد الخدمات.ولا شك بأن مثل هذا القانون يعكس حرص رئيس الوزراء العراقي وكتلته على خدمة المواطن العراقي وتوفير حياة رغيدة له.الا أن التمعن في هذا الأمر قليلا سيثير الأسى والحزن في النفس.

فتوفير الخدمات والأمن والاعمار وتحسين الوضع الاقتصادي هي من واجبات كل حكومة منتخبة ويندرج في باب البديهيات.فهذه الواجبات ليست أمورا خارقة تندرج في باب المعجزات. بل هي من الأمور البديهية بل هي أدنى مايمكن أن تقدمه الحكومة للشعب.فحكومة المالكي ليست مطالبة بالقيام بنهضة علمية وثورة صناعية كما فعلت الحكومة اليابانية بعد خروج اليابان مهزومة مدمرة ومجروحة الكرامة أعقاب الحرب العالمية الثانية ،فثأرت لكرامتها ونهضت تلك النهضة التأريخية العظيمة التي وضعت اليابان في مصاف الأمم العظيمة في هذا الكون.

فلا شك بأن المالكي وكتلته لايملكون من الكرامة والغيرة معشار ما تملكه حكومة اليابان ولو كانت لهم ذرة كرامة لرحموا بحال هذا الشعب وحال البلاد المدمرة سواء على صعيد الانسان او على صعيد الوطن.الا انهم اثبتوا وطيلة السنوات الماضية أن جل إهتماماتهم هو في تقاسم النفوذ والهيمنة على مرافق الدولة الاقتصادية وسيطرة عوائلهم على مفاصلها. ولو كانت لديهم ذرة من الغيرة والكرامة والانسانية لما أنفقوا مبلغ ستمئة مليار دولار خلال سنوات حكمهم المشؤومة ولم يحلوا أزمة خدمية واحدة ليس على صعيد العراق ككل بل وحتى على صعيد محافظة واحدة أو حتى قرية واحدة.

إستأثروا بخمسة وثمانين بالمئة من مجموع الموازنة العامة ولم يحلوا أزمة الكهرباء في قرية عراقية واحدة!ويتهمون الكرد بتهريب النفط وبسرقة العراق في الوقت الذي نجح فيه الكرد وبنسبة ١٥٪من الموازنة العامة ،نجحوا على كافة الاصعدة سواء على صعيد احلال الامن او الاعمار او الصحة او على صعيد الكهرباء التي وفرتها حكومة الاقليم وبصورة متواصلة لمدة ٢٤ ساعة يوميا!

ألا ليت المالكي  نجح في  توفير الكهرباء لقرية نموذجية واحدة في العراق أو لمحافظة واحدة من المحافظات الجنوبية فقط عبر انشاء محطة كهرباء بسعة ٥٠٠ ميغا واط لا تتجاوز كلفتها الخمسمئة مليون دولار وهو ذات المبلغ الذي خصصه لإنشاء المدينة الرياضية في البصرة.وهو ذات المبلغ الذي ادعى صرفه للاعداد لقمة عربية عقدت لمدة يوم واحد.والمصيبة أنه واتباعه يدعون بأن الأمن يحول دون تحقيق ذلك!!! ولا أدري كيف يسمح الوضع الأمني بإنشاء مدينة رياضية ولا يسمح بإنشاء محطة كهرباء!!!!

ولو أردنا أن نحسب حساب عرب كما يقولون !ولو افترضنا أن نصف الموازنة تصرف للموازنة التشغيلية ونصفها للموازنة الإستثمارية أي أن العراق أنفق مبلغ ٣٠٠ مليار دولار خلال السنوات الماضية لتطوير بنيته التحتية.فلنرى كم محطة كهرباء نستطيع  أن نؤسس بتلك الأموال. فمن المعلوم هندسيا أن معدل كلفة إنتاج ميغا واحد من الكهرباء تبلغ المليون دولار . وهذا يعني أنه بالإمكان إنتاج ٣٠٠ الف ميغا واط بذلك المبلغ وخلال ست سنوات.

واذا علمنا بان مجموع استهلاك الطاقة الكهربائية للدول العربية مجتمعة لا يتجاوز ال٢٠٠ غيغا واط فهذا يعني بأن العراق يمكنه بذلك المبلغ أن يزود الدول العربية مجتمعة بالكهرباء ويصدر ما تبقى لدول الشرق الأوسط! الا انه عجز عن توفير الكهرباء لشعبه الذي تبلغ احتياجاته قرابة ال٢٠ غيغا واط فقط! بينما يبلغ استهلاك المملكة العربية السعودية  من الكهرباء قرابة الخمسين غيغا واط والتي توفرها حكومتها لشعبها.

واذا علمنا بان كلفة بناء برج خليفة بن زايد في دولة الامارات العربية المتحدة  تبلغ المليار ونصف مليار دولار لا غير ! وأن عدد طوابقه تبلغ المئة وستين طابقا ، فإنه يمكن بناء ٢٠٠ برج كبرج خليفة بمبلغ ٣٠٠ مليار دولار! وأما المالكي فلم ينجح في بناء طابق واحد من طوابق برج زايد طيلة سنوات حكمه.

واذا علما بان معدل كلفة شق طرق وعرة طولها كيلومتر واحد  تبلغ المليون دولار فإنه يمكن شق طرق بطول ٣٠٠ الف كيلومتر بمبلغ ٣٠٠ مليار دولار! ولو علمنا أن كلفة إنشاء مستشفى مجهز بسعة ٥٠٠ خمسئة سرير تبلغ المئة مليون دولار فانه يمكن انشاء ثلاثة الاف مستشفى بذلك المبلغ! ولنا أن نتصور كم مدرسة يمكن تأسيسها بمثل هذا المبلغ وهي التي كلفتها اقل بمراتب من كلفة بناء مستشفى وتجهيزها بالأجهزة الطبية.

ولكي ابسط الحساب أكثر فسوف أقسم المبلغ على خمس قطاعات حيوية تتعلق بالبنى التحتية.واولها قطاع الكهرباء وسأخصص له مبلغ ٢٠ عشرين مليار دولار وقطاع الصحة واخصص ١٠ عشرة مليار دولار وقطاع الطرق وله ٥ خمسة مليار دولار وقطاع الإسكان وأخصص له ١٠ عشرة مليار دولار    وقطاع المياه والصرف الصحي واخصص له ٥ خمسة مليار دولار. فيكون المجموع ٥٠ خمسون مليار دولار. أي نصف موازنة سنة مالية واحدة والتي تبلغ تخصيصاتها ١٠٠ مليار دولار وليست تخصيصات ست سنوات مالية .فلنرى ما نستطيع فعله بتخصيصات نصف سنة فقط.

أولا بمبلغ ٢٠ مليار دولار نستطيع انشاء محطات كهربائية بطاقة إنتاجية تبلغ ٢٠ الف ميغا واط واذا علمنا بأن حاجة العراق الفعلية هي هذا المقدار فإن العراق سيكون لديه فائض قدره ستة الاف ميغا هي انتاجه الحالي من الكهرباء! وأما بالنسبة للقطاع الصحي فإنه يمكن بناء وتجهيز ١٠٠ مئة مستشفى بسعة ٥٠٠ خمسمئة سرير بمبلغ عشرة مليار دولار فقط ! ولو وزعنا هذه المستشفيات على المحافظات العراقية لبلغت قرابة السبع مستشفيات لكل محافظة!

واما على صعيد الطرق فيمكن شق طرق بطول خمسة الاف كيلومتر بمبلغ خمسة مليار دولار اي انه لا يبقى طريق في العراق لا يتم شقه وتعبيده الا ان الحكومة عجزت عن انجاز طريق الموت بين الكوت والناصرية والذي يبلغ طوله قرابة المئة وخمسين كيلومتر فقط! واما على صعيد الاسكان فيمكن بناء قرابة سبعة أبراج كبرج خليفة وان اردنا ان نفصل اكثر وقلنا بان كلفة بناء وحدة سكنية واحدة تبلغ الخمسين الف دولار فانه يمكن بذلك المبلغ بناء مئتي الف وحدة سكنية!

اذن فبمبلغ خمسين مليار دولار وهي نصف مدخولات العراق النفطية لمدة عام واحد يمكن حل أزمة الكهرباء والصحة والطرق والمياه والصرف الصحي وجزء من أزمة السكن .الا ان حكومتنا العتيدة صرفت ستة اضعاف هذا المبلغ ولم تنجح في حل أزمة واحدة بل ولا حتى ١٠٪ من كل أزمة . ولربما قائل يقول بأنك متحامل على المالكي وعليك ان تنظر بواقعية فالاستحقاق الامني قد استحوذ على اهتمامات المالكي وحكومته . ولنتفق على ذلك ولا اريد ان اقول بانه لم يحقق سوى نجاحات جزئية على هذا الصعيد ولكني سأفترض جدلا بان الارهاب هو الذي منع المالكي من اعدة اعمار البنى التحتية طيلة سنوات حكمه الست الماضية.

اذن فأين ذهبت تلك الثلاثمئة مليار المخصصة للاعمار؟ فالمفروض انها بقيت في خزينة الدولة طالما ان المالكي لم يحل ازمة واحدة وطريق حلها واضح وبين.إن اصدار تشريع مختص بالبنى التحتية هو مهزلة ما بعدها مهزلة وهو ادانة للمالكي وحكومته التي يهيمن عليها مع اعضاء حزبه وحلفائه.فالمشكلة ليست في تشريع قانون بل المشلكة هي في القائمين على تنفيذ القوانين .فهؤلاء اثبتوا طيلة السنوات الماضية انهم فوق القانون والمحاسبة .فمن أهدر مبلغ ستمئة مليار دولار طيلة سنوات حكمه ولم ينجح في حل أزمة خدمية واحدة هل سيستطيع أن يحل تلك الأزمات بمبلغ اربعين مليار دولار هي تخصيصات المشروع؟

نعم إن كانت هناك أياد نزيهة وكفاءات مقتدرة فانه يمكن حل معضلة البنى التحتية بذلك المبلغ ولكن كيف يمكن لهؤلاء السراق الذين نهبوا خزينة العراق ولم يشهد لهم العراق عبر تأريخه مثيلا ،فهل يؤتمن هؤلاء مرة أخرى بل وهل يملك هؤلاء الأهلية اللازمة انجاز هذه المشاريع؟ فلقد اثبت هؤلاء طيلة السنوات الماضية فشلهم في ادارة البلاد واثبتوا فقدانهم للحد الأدنى من النزاهة والكفاءة والوطنية فهل يمكن تصديق ادعاءاتهم اليوم وتباكيهم  على العراق الذين يسعون لاعماره وادعاءاتهم بان الكتل الاخرى تقف بالضد من مشاريعهم الوطنية؟ أم ان هذا يندرج في اطار التسويق الاعلامي؟

إن هؤلاء لا يصدق ادعاءاتهم الكاذبة سوى الجهلة والسذج والمخدوعون  والمرتزقة فهؤلاء عاثوا فسادا في ارض العراق وفاقوا في فسادهم وخيانتهم الاولين والآخرين وحال البلد لن تصلحه مشاريع قوانينهم التي هي مشاريع ضرار يخدعون بها السذج والبسطاء ،فالعراق لن تقوم له قائمة الا بإزاحتهم ومحاكمتهم ومصادرة اموالهم وارجاعها لخزينة الشعب  وتعليقهم على اعواد المشانق     وبغير ذلك فإن العراق سيظل يدور في فلك التخلف والجهل والخراب وصدق من قال اذا كان الغراب دليل قوم فلن يدلهم الا على الخرائب!

ساهر عريبي