من ألاعيب رعاة البقر “صرف أنظار القطيع ” !

احمد الحاج
في أحد أعدادها القديمة ذكرت مجلة “ريدرز دايجست”الاميركية بنسختها العربية وكنت أحتفظ بنسخة من هذا العدد الى وقت قريب في رفوف مكتبتي المتواضعة ،أن “امرأة أمريكية بدينة جدا كانت تمشي في شوارع نيويورك وهي ترتدي قبعة كبيرة يتدلى منها مصباح مضيء” وعندما سئلت المرأة ذات صباح “لماذا تفعلين ذلك وكل الناس تنظر اليك وتضحك ؟” قالت بالمباشر ومن دون تردد،أعلم ذلك ، الا أنني أريد منهم أن لاينتبهوا الى بدانتي فيهمس بعضهم بأذن بعض – هههه ،أنظروا الى هذه المرأة ،كم هي بدينة – بل أريدهم أن ينشغلوا بالقبعة المضيئة عن بدانتي المفرطة ويقولوا – واااااو ،ما أغرب هذه القبعة ،كم هي مضحكة !!
مافعلته أميركا بعد غزوها الظالم للعراق صورة طبق الأصل لما فعلته المرأة البدينة تلك بـما يعرف بـ”صرف أنظار القطيع “وتصوير الدنيا برغم دخان البنادق والمدافع على أنها ..ربيع ،حيث قامت القوات الأميركية فور دخولها الى العاصمة الحبيبة بغداد بتطويق عدد من الوزارات والقصور والمؤسسات التي تهمها ومنها النفط والمالية ومنعت وصول أي كائن بشري كان اليها، فيما حطمت أبواب بقية القصور الرئاسية والوزارات والمؤسسات والمصانع بدباباتها وتركت الحبل فيها على الغارب ليدخلها – المحوسمون – تحت أنظار جنودها فيسرقونها وينهبونها ثم قامت بتصويرهم وبث تلكم الصورعالميا لكل الوكالات والمحطات الإخبارية ..لماذا ؟ حتى تُظهر للعالم بأن الشعب العراقي حاشاه بمظهر العابث والسارق و”علي بابا “،بمعنى تسويقه على أنه شعب لايستحق الإحترام وبالتالي فلا داعي للتعاطف معه في قضية الغزو والإحتلال الغاشم عربيا وإقليميا ودوليا ،هذا أولا ، أما ثانيا فغاية ذلك إظهار جوع الشعب العراقي وحرمانه حتى تقول الشعوب التي تتابع أخبار الغزو الانكلو صهيوسكسوني ،أنظر اليه كم هو محروم هذا الشعب وجائع وها قد أنقذناه من حرمانه من دون أن تأتي على ذكر الحصار الغاشم الذي فرضته عليه 13 عاما ظلما وعدوانا فقتل أكثر من مليون وربع المليون عراقي جوعا وحرمانا،سننقذه بغزونا ودم قراطيتنا وسنبني له مستقبلا زاهرا – من دبش -أما ثالثا فلضمان تفكيك المتاحف والمصانع والمؤسسات الحكومية وسرقتها وحرقها عن بكرة أبيها ومحو هوية العراق تقودهم لفعل ذلك عصابات خفية منظمة ومندسة بين الرعاع كما حدث حين أغرقت دار الكتب والوثائق العراقية وأحرقت وأتلفت وثائق الدولة العراقية منذ أيام العثمانيين مرورا بالعهدين الملكي والجمهوري، كذلك حين حاولوا سرقة دار المخطوطات التي تضم نفائس التراث العربي والاسلامي في شارع حيفا، إضافة الى المجمع العلمي العراقي في الوزيرية ولولا أن إنبرى أهالي تلكم المنطقتين الشرفاء للذود عن حياض تراثهم والدفاع عن حضارتهم العريقة لأصبحت محتوياتها ونفائسها في خبر كان ، تماما كما فعلوا بالمتحف الوطني العراقي حين سرقوا 16 الف قطعة آثارية لاتقدر بثمن وهربوها الى الخارج ليعاد قسم مزور منها على شكل قوالب من الجبس والبورك وبعضها بصناديق – الطماطة -كما حدث مع رأس الملك العراقي “سنطروق الأول” ملك مملكة الحضر التي هزمت الروم والفرس يوما ،ورابعا حتى ينصرف الذهن والعقل الجمعي العربي والعالمي عن متابعة جرائم الإحتلال النكراء وينشغل بفوضى- الحواسم – الرعناء على يد ثلة من أبناء هذا البلد المحتل ذاته وعلى طريقة القبعة المضيئة الصارفة للإبصار والأذهان، وهناك هدف خامس ألا وهو الحرص على إشغال الرعاع بالسرقة تتابعهم وسائل الاعلام وإنصرافهم لذلك كليا بعيدا عن متابعة ومراقبة ورصد كيف تعيث المافيات وعصابات الجريمة المنظمة فسادا وإفسادا وتغتال غيلة الطيارين والمفكرين والمثقفين والمهندسين والأطباء وكبار الضباط والأكاديميين خارج نطاق ضجيح – الحواسم وكاميرات الإعلام -وبقي أمر مهم ألا وهو ،أن “بعض شراذم الحواسم وسادتهم وكبراؤهم ” يدعي اليوم مناهضة الإحتلال الاميركي ،وبعضهم يزعم مقاومته منذ الوهلة الأولى، ويتحدث عن الوطنية والشرف والنزاهة والشفافية وضرورة إعادة العراق الى أفضل مما كان وإحالة الفاسدين الى القضاء” مع أن الاف الصور ومئات مقاطع الفيديو وشهود العيان كلها تؤكد – شفتك سمير- حتى أن تبادل العناق والأحضان والقبل والتحايا والهدايا والولائم والعزائم والإبتسامات مع المحتلين في ذلك أشهر من نار على علم” حقا وصدقا ما قاله أحدهم في ذلك كله “قالوا بمثل هذا اليوم بغداد قد سقطت..لا والله بل سقط كأوراق الخريف وما زال الساقطونا”وكما قال آخر” قالوا بغداد مذ ذاك الزمان تصدعت وهوت..حاشا بل أنظر كيف يثأرلبغداد في 9 نيسان من نيويوركهم وواشنطنهم كورونا !” .
ولايفوتني هنا تنبيه من يأنفون ويتقززون من إلتقاط صور التكافل والتراحم بين العراقيين بعد أزمة “كوفيد – 19 “التي أفقدت الملايين وظائفهم وأعمالهم ومعظمهم من الكادحين والمساكين والمعاقين ومن ذوي الدخل المحدود، بذريعة دفع الرياء والحيلولة ممن دون جرح مشاعر المستفيدين من المتعففين،إما أن تكفوا عن نشر صور الحواسم التي تُشَّهِرُ بالشعب العراقي وتُظِهرهُ على وسائل التواصل المختلفة بمظهرغير لائق بالمرة بما لايتوافق مع نقاء هذا الشعب وعفته وصبره وأصالته على إختلاف مكوناته، فإذا كانت شرذمة ما من هذا الشعب قد – حوسمت – فإن الأغلبية المطلقة من هذا الشعب الكريم لم تفعل ذلك قطعا ،فعلام تأخذون البريء بجريرة المذنب ولاتزر وازرة وزر أخرى؟ وإما أن ترفقوا معها صور التكافل والتألف أيضا لتحقيق التوازن وتقويم المعوج وإيضاح الصورة الضبابية لقصيري النظر وللمتصيدين بالماء العكر،تلكم الصور الانسانية الرائعة التي دفعت مجلة “لابوا” الفرنسية للإشادة بالعراقيين ومدى تراحمهم وتآزرهم فيما بينهم وقت الشدائد والأزمات والمحن وقالت بالنص”إن التضامن الذي حصل بين العراقيين بعد حظر التجوال لمكافحة وباء كورونا بوجود البطالة القسرية أقرب الى المعجزات!”، وإما أن تكفوا عن نشر الصورتين سوية ولا خيار ثالث، اذ ان نشركم لصور الحواسم وإخفاؤكم لصور التراحم تدفع للتشكيك بنواياكم والشك بأهدافكم ، مع التأكيد وكما أسلفت في مقال سابق على حجب وجوه المستفيدين عند إلتقاط الصور أثناء توزيع المعونات، وعدم ظهور المتصدقين فيها قدر الإمكان دفعا للرياء والأقاويل ،وعدم تجييرها سياسيا،حزبيا،انتخابيا ،طائفيا،عشائريا ،قوميا ، ويا فاعل الخير أقبل ويا فاعل الشر أقصر . اودعناكم اغاتي