ملاحظة أخيرة لأتمام ألخطط الستراتيجية:
بيّنا في الموضوع السابق بعنوان: المنطلق الكوني للبناء السليم, بأن الفلاسفة وحدهم .. يعلمون بأنّ ايّة أطروحة اقتصادية أو سياسية أو إجتماعية أو تربويّة او تكنولوجيّة و غيرها؛ هي انعكاس وتجسيد و نتاج لحيثييات و طبيعة الفكر ألغنيّ ألمتكامل الذي يحمله صاحبه او الجهة التي تتبنى تنفيذ تلك الاطروحات المختلفة سواء كان حزبا او نظاما او دولة, والذي لا يملك فلسفة (فكراً) رصيناً وغنيّاً يستند على قوانين فلسفية و معالم كونيّة واضحة؛ فإنّ آلمسؤول ألمُتبنّي لأيّ برنامج أو خطة معينة كائن مَنْ كان .. شخصاً او حزباً او حتى حكومةً لا يُمكنها أن تُحقق تقدّماً أو مشروعاً مثمراً للانسانية بشكل سليم وناجح و بدون خلل، بل ما قد يُقدّمه من دون [فلسفة وأهداف ستراتيجية و خطط خمسية و عشرينية وقرنية]؛ ربما يكون تخريباً وهدراً للجّهود والمال والوقت و تحطيما لمستقبل الأجيال القادمة، وهذا ما حصل ويحصل في كثير من البلدان في العالم و المتضرر الأكبر هو الشعب و الاجيال القادمة.

كما أشرنا و حدّدنا لاحقاً الخطط والبرامج الكلية(القصيرة؛ المتوسطة؛ الستراتيجية) لإنجاح إدارة حكومة أو مؤسسة أو مشروع من خلال ضبط وإدارة وإصلاح ثلاث مؤسسات مفصليّة في عمليّة التغيير لتحقيق مجتمع سليم سعيد مُنتج, وهي: [التعليم؛ ألأعلام؛ ألدّين].

ثمّ وضعنا أخيراً ألتفاصيل لتنفيذ المشاريع القريبة الأمد و المتوسطة ثم البعيدة والتي قد تصل مداها لقرن كامل .. و ختمناها قبل يومين فقط بـ 50 نقطة سلوكية و نفسيّة كمقومات لأجراء و تنفيذ الخطط الآنفة التي يحتاج بدورها لمدراء مخلصين و متخصصين, نعم مدراء أكفاء دخلوا دورات مُتعدّدة ولهم تجارب غنيّة في إختصاصات ذات علاقة بآلأدارة والتنمية و التصنيع لا إختصاص واحد كحالنا اليوم.

لكني رأيت بأنه رغم وضوح البيان فيما عرضت؛ لا يكفي لتنفيذ برنامج إنتاجي أو مؤسساتي أو حكومي ما لم يُدشّن معه مراكز تحقيقية, وهو أصل موضوعنا في هذا المقال, لتتحمّل مسؤولية متابعة ودراسة ردود الفعل الأنتاجية(الفيد بك) والمعوقات التي تعترض عمليّة تحسين الأنتاج وزيادته على كلّ صعيد كما بيّنا! بعد إعداد لوائح وتقارير ودراسات ميدانية ومن صلب الواقع ثمّ تقييمها لتطبيقها من خلال ألدورات لتجاوز السلبيات ونقاط الضعف وإنماء الجوانب التي تساعد على زيادة الأنتاج وسرعة تنفيذ الأعمال بجهود أقل.

لقد توصلنا من خلال تطبيقات مُعيّنة قمتُ بها في شركة (الحديد و الصلب) بإصفهان في الدولة الأسلامية, ورغم أن هذه الشركة عملاقة وقديمة وفيها متخصصون ومدراء يشهد لهم الواقع؛ إستطعنا ومن خلال دراسات ميدانيّة وتحقيقية من زيادة إنتاج المعمل بنسبة 5% سنوياً, وهذا إنجاز له تأثير مباشر وكبير على الناتج القوميّ السّنوي للدّولة بإعتبار صناعة الحديد والصلب من الصناعات الأم.

وهكذا قمنا أيضا بتخريج دورات فنية في شركة صناعة السيارات(إيران خودرو) و كذلك صناعة (التراكتورات) في أراك وغيرها, بعد إجراء تغييرات كانت تبدو طفيفة في مسير العمليات والخطوط الأنتاجية؛ لكنها كانت هامّة أدّت لزيادة الأنتاج بآلقياس مع المرحلة السابقة, ممّا تسبب بأرباح إضافيه بنسبة 3% مع تقليل الخسائر في الوقت و المواد الخام و أجرة العمال والفنيين والمهندسين.

عمليات فنية قد تبدو بسيطة في سير العمل .. كتغيير موقع معين أو مكان لآخر أو إستبدال موظف بآخر أو حذف فاصلة معينة في خط إنتاجيّ أو حتى تغيير كرسي أو طاولة قد تؤدي إلى تغييرات مؤثرة على الأنتاج والكفاءة الأدارية و الصناعية أو أي مجال آخر.

وهذا يحتاج إلى هيئة عليا متخصصة و ربما وزارة أو مؤسسة لكل وزارة تقوم بهذا الدّور الهام جداً جداً بإدارة حديثة و مقتدرة لها باع في الميدان ألعلميّ – التجريبي, و بهذا يُمكننا الأنتقال من بلد مُستهلِك كما هو الحال الآن إلى بلد مُنتج يعتمد على نفسه في مسيرته.

من المفارقات المؤلمة ألتي أحزنتني .. بل و أبكتني والله, أنني وأثناء زيارتي للعراق رأيتُ في شوارع بغداد و منها الشارع الواصل بين المطار وبغداد عمال يعملون لبلدية بغداد ينظفون الشوارع الطويلة والسريعة والعريضة بمكنسة يدوية صغيرة لا تصلح لكنس الغرف والصالات؛ لا كنس شارع بطول عشر كيلومترات وعرض قد يصل لمائة متر, و كأنهم كانوا يستهزؤون بعملهم وأنفسهم.

إن تنظيف الشوارع وآلسّاحات على سبيل المثال – يحتاج لسيارات مجهزة بمكانس كهربائية و شفاطات ذات قدرات مناسبة تشفط جميع الأوساخ و القاذورات في فترة قياسية و بكفاءة مميزة والسيارة تسير بطريقها من دون توقف و عناء وجهد إنساني, ويمكننا بعشر سيارات فقط تنظيف العاصمة بأكملها و ببضع ساعات وفي الليل فقط !!

و هكذا الوزارات و المعامل و المصانع و المؤسسات, التي تحتاج أول ما تحتاج لدراسات ميدانية من قبل متخصصين متمكنيين لا طفيليين يعملون لأجل الراتب!

مشكلتنا في ثقافة الشعب؛ في دينه و آدابه, كما قلنا ألف مرة .. كنتيجة للأدب و الروايات والأفلام التي روّجتها ألأنظمة الفاسدة بأقلام وعاظ و كُتّاب السّلاطين .. وفي ثقافة خريجي الجامعات والمعاهد الذين يفترض بهم أن يكونوا القدوة الحسنة في المجتمع؛ لقد رأيتهم يتظاهرون كل يوم من الصباح حتى المساء أمام الوزارات, لأجل التعيين, و هم يعلمون بأن الدولة لا تمتلك درجات وظيفية شاغرة و ما زالت في بدايتها وآلمخلصون فيها يسعون لتنظيم الأمور و درأ الأخطاء الكثيرة و الكبيرة التي خلّفها أعوان بريمر و الأحزاب الفاشلة التي كرّست الجهل والفساد ولقمة الحرام من خلال أعضائها المرتزقة الذين لا يملكون لا علما و لا إيماناً .. و كأنهم جاؤوا لنهب الأموال والرواتب بمدعيات شتّى, المهم هؤلاء الخرّيجون المتظاهرين الذين أكثرهم كانوا من المهندسين و بعضهم أصحاب شهادات عليا؛ تظاهروا للحصول على وظيفة لا لأجل الخدمة لكونهم لا يملكون أيّة تجربة, سوى ورقة أخذها اكثرهم بآلمال الحرام .. يريدون التعيين لأجل الراتب و الخدة و الخدر ليُضافوا لخمسة ملايين موظف آخر لا يعمل فيهم سوى المخلص المضحي .. و من هنا بدأت و تبدأ المحنة و الطامة الكبرى, حين يعتبر العراقي الشهادة لأجل التعيين و الراتب .. لا لأجل الأنتاج و الخدمة و الأبداع!

و كيف يتحقق ذلك؟

إن المهندس القدير و المتخصص الفني والادراي و في أيّ مجال يُمكنه البدء بمشروع صغير حتى في مدار أو خارج مدار إختصاصه لخدمة الناس بحسب حاجة السوق وليس بآلضرورة ألعمل مباشرة في مجال تخصصه, خصوصاً والشهادات في العراق كثرت و أصبحت فقيرة علمياً وبآلجملة, لهذا على الخريجين بدل التظاهر إثبات كفائتهم أوّلاً في سوق العمل و الأنتاج .. و بعدها ستجذبهم الدولة للأستفادة من خبرتهم .. أما أن يأتي الخريج و يُطالب بآلتعيين مباشرة وهو لا يملك تجربة .. فهذا فساد و ظلم بحق الناس والحكومة.

لذلك أوصي أبنائي الخريجين بجميع إختصاصاتهم أن يُبدعوا بأنفسهم لخلق الأعمال وآلمشاريع و ما يُمكنهم .. كي تكون مقدمة للتعيين في حال إحتياج وزارات الدولة لأختصاصاتهم وتجاربهم الغنيّة التي إكتسبوها, و هذه مسألة لا تختص بآلعراق فقط .. بل حتى الدول المتطورة ككندا و اليابان و ألمانيا وكل أوربا تعيشها, و بشكل أكثر وضوحا, و الحمد لله رب العالمين.
الفيلسوف الكوني