الشعراء يحتلون السليمانية. فكل شارع منها يحمل اسم شاعر معاصر وآخر من الماضين بالجسد والباقين بالإبداع. شارع الشاعر سعيد، شارع الشاعر كوران وآخر لبيكس. وساحات تحمل أسماء الشعراء، ونصب في كل حديقة وكل منطقة لشاعر كردي. ترى من أين يأتي الشعراء.

لكي أعرف ذلك اتجهت إلى مقهى الشعراء في قلب مدينة الجمال والطبيعة الساحرة والحركة المستمرة، إلى هناك رافقني صديقي الشاعر الكردي أوات حسن أمين لندخل معا إلى مملكة الإبداع مقهى الشعراء والغاوين معا في مدينة كل ما فيها من الشعر وإليه. في البدء كان المقهى عبارة عن مكان ضيق تحت سلّم إحدى البنايات وفي المكان الحالي ذاته. من هذه الفسحة الصغيرة بدأت خطوات أسطة شريف الجايجي وسنة بعد أخرى أخذ المقهى يحتل مساحات أوسع حتى أصبح يشمل الطابق الأسفل من البناية وأسهم في ذلك ازدياد رواده من الشعراء الذين أخذ المقهى منهم اسمه، إن جميع أدباء وفناني كردستان عموما والسليمانية خصوصا كان المقهى يجمعهم خاصة أيام الجمع، فيه يتبادلون الآراء، والكتب والقصائد وأسهمت مكتبة السليمانية القديمة والكبيرة القريبة من المقهى في إيصال جميع الكتب والجرائد والمجلات العربية والصادرة في بغداد إلى أيدي الأدباء في المقهى. والتي كانت -المكتبة- هي المصدر الوحيد والمهم في توفير كل ما يحتاجه الأديب من الثقافات العربية في المدينة. 
 أهم رواد المقهى من المبدعين 
مقهى الشعراء في السليمانية مشابه جدا للمقاهي الأدبية الأخرى في العالم ولكنه توأم مقهى الشابندر ومقهى حسن عجمي في بغداد. وقد ضم بين أركانه أهم المبدعين الكرد على مدار أكثر من نصف قرن. ومن هؤلاء الشاعر الرومانسي الكبير أحمد هردي والشاعر القومي ديلان. والشاعر كاميران مكري، والشاعر الكبير شيركو بيكس. والقاص المعروف رؤوف بير كرد والأديب المعروف عبد الله جوهر. فضلا عن جميع الفنانين الكرد على رأسهم رفيق جالاك ورؤوف يحيى. وأساتذة ونقاد كبار مثل الدكتور إحسان فؤاد والدكتور عبد الرحمن حاج معروف. فضلا عن الروائي الكبير إبراهيم أحمد والذي حول منزله الخاص إلى كاليري زامو ليحتضن إبداعات الفنانين التشكيليين ومعرضا دائما للفن التشكيلي الكردي وهو مفتوح للزوار والفنانين على مدار أيام السنة. 
معارك أدبية ومعارك سياسية 
لعبت المقاهي الأدبية دورا مهما في تطور حركة الأدب العراقي وذلك لما تجمعه من اتجاهات ومدارس مختلفة في جغرافية المقاهي والحال مع مقهى الشعراء في السليمانية هو الحال ذاته مع المقاهي الأدبية الأخرى. وقد شهد الكثير من المعارك الأدبية والإبداعية حول العديد من الأفكار والتحولات ومنها المعارك المستمرة حول التجديد في الشعر الكردي بين المحدثين وأصحاب الشعر الكلاسيكي. وصدرت في المقهى أغلب البيانات التجديدية في الشعر والفن. ولم يقتصر ذلك على الإبداع والإشكاليات وإنما شهد المقهى مناسبات عديدة وعمل من خلال تواجد المبدعين على أن يكون همزة الوصل بين المناضلين والأدباء في داخل المدينة وثوار الجبل أيام النضال ضد الدكتاتورية وكانت أغلب البيانات والمنشورات السرية تصل إلى الجانبين -الثوار والمدنيين- من خلال مقهى الشعراء وصاحبه الذي يقوم بإيصالها من والى -الثوار والمدنيين. 
معرضان للصور والكتاب 
مقهى الشعراء -الشعب- وبعد أن امتدت إليه يد الإعمار من قبل الدولة والحكومة في الإقليم أصبح الآن أكثر اتساعا وجمالا وما تجده من مئات الصور للمبدعين الكرد وهي تزين جدران المقهى، صور لأدباء قدماء وآخرين من أجيال تلت أجيالا. فهنا صورة شاعر شاب تجاور صورة شاعر من المرحلة الأولى للشعر الكردي وصور أخرى لفنانين ومفكرين وفنانين وأيضا بعض أهل السياسة الذين خدموا الحركة الأدبية في إقليم كردستان مجموعة الصور هي بانوراما حقيقية تعطي صورة واضحة، أن هذا الشعب يقدر كثيرا رموزه الأدبية.  عرفانا واعترافا بما قدمه هؤلاء من إبداعات، فضلا عن معرض الصور هنا جناح -مكتبة- كبيرة تضم أغلب نتاجات الأدباء الكرد- من شعراء وقصاصين- ومفكرين وفنانين- أهدوا نتاجهم إلى مكتبة مقهى الشعراء تقديرا واحتراما لهذا المكان الذي جمعهم على الأدب. 
صورة اليوم وصورة الأمس 
لقد كان المقهى قبل انتفاضة العام 1991 مهملا جدا وكان مكوناً من بناية قديمة بالية، ولكن بدأ الاهتمام به منذ ذلك الحين وفي سنة 2003 جرت على المقهى والبناية حملة إعمار وترميم شاملة وعلى نفقة الرئيس طالباني الخاصة ورئاسة إقليم كردستان وشمل الإعمار إكساء الجدران بالحجر وتزيينها بالمرايا والإضاءة ووسائل الراحة كافة ما جعل المقهى يليق بمستوى الأدباء الذين هم صورة البلاد الجميلة وأصبح المقهى مكانا جميلا يحترم فيه الأديب والفنان.
ومن الجدير بالذكر أن كل الأدباء في إقليم كردستان لديهم رواتب مجزية من قبل الحكومة فيها وأخيرا نطلب من الحكومة المركزية أن تحذو حذو حكومة كردستان وتعطي أدباء العراق جميعا حقوقهم وان تولي اهتماما. 
خاصا بهم. 
حي الأدباء وساحة الحرية 
يتمتع الأدباء والفنانون في إقليم كردستان وخاصة في مدينة السليمانية بالكثير من الامتيازات وهم يستحقون ذلك وأكثر ومما عرفناه في جولتنا في أروقة مقهى الأدباء أن حكومة إقليم كردستان قد أولت الأدباء الاهتمام البالغ وخصصت لكل مبدع قطعة أرض سكنية مع سلفة من أجل توفير سكن لائق للمبدع الكردي فضلا عن تخصيص راتب شهري للجميع يتراوح  بين (200-300) ألف دينار بغض النظر عن تجاه ووظيفة ومنجز ذلك المبدع. ناهيك عن أن أغلب الأسماء الكبيرة في المشهد الإبداعي الكردي تحمل أسماء أهم وأكبر الشوارع في المدينة فضلا عن نصب وتماثيل لهم في الساحات والأماكن السياحية. هذا ما حدثني به الشاعر أوات في ساحة الحرية القريبة من مقهى الأدباء. تلك الساحة المقابلة لوزارة الداخلية وفي الساحة يمكن لك أن تقول وتنتقد من تشاء من العامة والسلطة والحكومة والبرلمان.

عبد الحسين بريسم