حميد الموسوي
لم يكن امام سيد حزين البطال، الا التضرع والابتهال، والتعلل بالآمال. عسى ان يغير الله الأحوال من حال الى حال. وذلك بعدما رفضت تعيينه هيئة الطاقة، والغت عقده واتفاقه. كان حزين قد اكمل دراسته التكنولوجية، متعاقدا مع هيئة الطاقة النووية، على ان يتم تعيينه في أقسامها الفنية. وعلى أساس هذا العقد المتين، توجه اليهم المسكين، ليكمل إجراءات التعيين، وبعد التي واللتيات. والأضابير والملفات، ورزم من الاستفسارات و طلب المعلومات، وركض ومراجعات، وخذ وهات، دامت عددا من السنين، همس في اذنه احد المعنيين: يا سيد حزين، انس مسألة التعيين!، فليس امامك غير مسطر العمالة، اوجنبر البقالة او حاويات الزبالة!، وحين تملكه العجب وإستفسر عن السبب، صاح بوجهه الرفيق بغضب: المشكلة في اسمك واللقب، فهما يحملان الكثير من الشبهات، وينطويان على العديد من الإشكالات!. دبّ اليأس في نفس حزين ،وصار زاده الحسرة والأنين ،ثم أصيب بالإحباط، اذ لا بد من الانخراط في فلك المكلفية والاحتياط. وبعد سنين عجاف ليس منها مناص، قضاها في الشلامجة وام الرصاص، جاءت ساعة الخلاص. فعندما أشرق نيسان، وسقطت أصنام الطغيان، صاح حزين التعبان: بأي آلاء ربكما تكذبان؟.. وداعاً للحرمان، لقد أقبل الفرج، تباً للهرج والمرج، فما هي الا ساعات ودقائق. وسأحصل على موقعي اللائق في أعلى سلم وطابق.
ومرت الشهور ثقيلة مريرة، ولم يحظ بمقابلة مدير أو وزيرة، وأصابته الدهشة والحيرة، عندما أخبره صديقه سراب: أن الطاقة صارت خراب، انقاض وتراب بسبب القصف الظالم والعدوان الغاشم وفرهود الحواسم.
وبعد السؤال والجواب، ومجاملات الأحباب، نصحه سراب: بما انك لا تملك الورق الأخضر، ولا المعدن الأصفر، ولم تسجل لك تضحيات جسيمة ولا مواقف عظيمة وليس بإمكانك اقامة وليمة. فليس امامك الا الإستعانة بجارتكم القديمة، الست ام شكيمة، فهي الآن موظفة قديرة، في وزارة كبيرة ،عسى ان تخرجك من تلك الحيرة.
وبلا تردد قرر ان يعمل بتلك النصيحة، فتوجه منذ الصبيحة، وعند باب الوزارة، لم يستطع اقناع رجال الخفارة ،الا بالتوسل والإشارة، وكونه لا يعرف لغتهم، لم يفهم رطانتهم، ولم يفقه عبارتهم!!، أجلسوه في الإستعلامات ،وأحضروا إحدى المترجمات التي تفحصت أوراقه، وقالت له بلباقة: انت متعاقد مع الطاقة، ولا شأن لنا بالطاقة!، ثم ان شهادتك اولية، وليس لديك المام بالهيروغليفية، كما انك لا تجيد السنسكريتية، وكان الأجدر بك ان تذهب الى اخوالك في الوزارات “إللي هيّ”.
ومع إستيائه من تلك الحالة، ويأسه وخيبة آماله. اضطر لمقابلة أخواله، وفي إستعلامات الوزارة، استقبلوه بحرارة، وبعد مراسيم الضيافة، اعتذروا له بعبارات شفافة، وشكوا له قلة الوظائف، ونصحوه بالذهاب الى أعمامه الغطارف، فلديهم الكثير من الشواغر في الوظائف. لم ير بداً من زيارة أعمامه، فعسى ان يرفعوا عنه الظلامه، ومع انه لا يجيد لبس الجبة والعمامة، الا انهم اكرموا جنابه، وحسبوا لمقدمه حسابه.
وبعدما تأكدوا من جذره الشريف، وغصنه العفيف، وحاله الضعيف، وأعجبهم طبعه الظريف، تشاوروا بينهم، وحزموا امرهم، ثم قرروا في آخر الحوار، ان يعرضوه للإختبار. فوافق على مضض، مع انه لا يؤمن بالأبراج والحظ، ولا يعترف بخطوط الطول والعرض، وبعد مجيء ورواح، وبعد ما أثبته من صلاح، وانه من اهل البطون والبطاح، ظهرت نتيجة الاستخارة والاختبار: ايها المحتار.. اصطبار.. اصطبار، امامك الانتظار.. وخلفك الانتحار!، فإسترجع، وحوقل وسلم امره للواحد القهار.
وخوفاً من ان يوصم بالزندقة والارتداد، او يتهم بالشرك والالحاد، وتجنباً من إحراج إخوانه الامجاد، لم يفكر بطرق باب وزارتهم الوحيدة. وقرر ان يغوص في دوامة انتظار جديدة.. على امل تشكيل الحكومة العتيدة!!.