ما يجري في العراق انقسام أم فرز طبيعي؟

ثامر حميد

الانقسام الحاصل في الساحة السياسية العراقية بين تكتلين كبيرين يتنافسان مع بعضهما حول أسبقية تشكيل الحكومة القادمة أرى فيه اصطفافا وفرزا طبيعيا للقوى المتنافسة أو المتصارعة ( موضوعها السلطة لا شك) وهو فرز يحمل في طياته بوادر إيجابية تؤشر على بداية خروج النظام السياسي من صيغة “الكل يشارك”، والذي يشكل الحجرالأساس لمعادلة المحاصصة الحزبية، باتجاه صيغة “مجموعة تحكم وأخرى تعارض” هذا إذا ما تطابقت الأقوال مع الأفعال إذ صدرت تصريحات من الطرفين يتحدث كل منهما فيه عن إمكانية تحوله إلى طرف معارض إذا لم يحصل على التكليف بتشكيل الحكومة.

والأمر الذي يعزز من إيجابية هذا الفرز هو أن كلا الكتلتين تضمان كيانات سياسية وشخصيات من كل الطيف الاجتماعي والسياسي العراقي فهما يضمان السنة والشيعة والكرد والتركمان وغيرهم. وهو في نهاية الأمر يعيد طرح صيغة حكومة الأغلبية والتي طرحت لأول مرة في انتخابات 2014 واجهضت وقد اصبحت هذه الصيغة تلقى رواجا شعبيا بعد أن ثبت أن حكومة الشراكة التي تضم الجميع هي صيغة تعطيل للقرار الحكومي والبرلماني والتي كانت سببا اساسيا في جعل العراق يرواح في مكانه.

ومهما اختلفنا في وصف الاصطفاف الحاصل فأنه اتخذ عنوانا عريضا هو جبهة أمريكا من جهة وجبهة إيران من الجهة الأخرى وهذه النظرة تعبر عن جزء من الحقيقية وهو ليس الجزء الأهم لأنها ببساطة تنتقص بل وتنفي وجود استقلالية للقرار السياسي العراقي إذا ما تجنبنا الحديث عن “وطنية عراقية” والذي أصبح مفهوما رجراجا اليوم. ومن الناحية الموضوعية فلا شك أن إيران، رغم حرصها على وحدة الطرف الشيعي كأولوية، فهي لا تفضل وجود حكومة تخضع لمشيئة الولايات المتحدة لأن ذلك يمثل خطرا قاتلا عليها فقد سبق وأن دفعت ثمنا باهضا في حرب الثماني سنوات مع نظام لم يكن للولايات المتحدة نفوذ داخله أو تأثير عليه بل تم التاثير عليه ودفعه لتلك الحرب بالوساطة من خلال بعض الأنظمة الخليجية والأردن. فكيف إذا وجدت حكومة تخضع للتاثير الأمريكي؟ وليس وقوع حرب مع العراق هو ما تخشاه إيران فهذا أمر بعيد الاحتمال بل تخشى ان ينخرط في العقوبات الأمريكية ويغض النظر عن النشاط الأمريكي ضدها انطلاقا من الأراضي العراقية. وفي ظل حكومة لا تتسم بالحزم أزاء التدخل الأمريكي فقد تصبح أجواءه ممرا لعبور المقاتلات الإسرائيلية إذا ما قرر قادة إسرائيل في واحدة من حماقاتهم أن يهاجموا إيران.

وبالنسبة للولايات المتحدة فأن ما يروج حول تفضيلها طرف على آخر وممارستها الضغوط من خلال الوعيد والتهديد ليس نابعا من يقينها أن الطرف الذي تؤيده سوف ينصاع لكل ما تطلبه بخصوص إيران سواء كان العبادي نفسه أو حلفائه من “سائرون” (الصدريين بشكل خاص) بل لإدراكها أنه يمثل أفضل ما تستطيع الحصول عليه في الظروف الحالية مما يعطيها مزيدا من الوقت لإنضاج خططها البعيدة الأمد الخاصة بالعراق للوصول إلى أفضل حكومة تحلم بها حتى لو تطلب الأمر عقودا من العمل الصبور. فالسيد الصدر الطرف الأقوى في التكتل الذي تؤيده ليس بصديق لها يمكن الاعتماد عليه بل أن سجل علاقته مع الولايات المتحدة خلال ال 15 سنة الماضية ملئ بالقروح وهو لن يشعر بالارتياح بأن يوسم تكتله بأنه مفضل لدى أمريكا ويمكن في اي وقت ان يبدر منه ما يبعد هذه “الشبهة” عنه.

وبشكل عام يمكن القول أن الولايات المتحدة تجد في هذا التكتل نقيضا للتكتل الآخر الذي يضم في صفوفها قادة اقوياء للحشد الشعبي تلك القوة التي لعبت دورا كبيرا مساندا للجيش في حسم المعركة ضد داعش الأمر الذي حرم الولايات المتحدة من فرصة جعل نفسها القائد الحقيقي للجيش العراقي في حربه ضد داعش وهو ما كانت تطمح إليه من أجل مد نفوذها داخل هذا الجيش وجعله يشعر بالعجز دون مساعدتها. وللولايات المتحدة تاريخ طويل في ربط علاقات عمل ومصلحة مع قادة جيوش دول العالم الثالث لاستخدامهم في التدخل ضد الأنظمة السياسية أو الحكومات التي لا تروق لها و ليس هناك ما يمنعها من أن تكرر تجربتها مع الجيش العراقي وهو هدف لن تتوقف عن متابعته.

ولدي اعتقاد قوى بأن الولايات المتحدة سوف تشكل، أو قد شكلت فعلا، غرفة خاصة بالسيد الصدر تضم اختصاصيين نفسانيين لدراسة شخصيته ومن ثم الوصول إلى أفضل الوسائل للتاثير عليه لينسى الجروح القديمة ويفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة. وهذا بالطبع لن يتم دون معونة يقدمها لهم مقربون من السيد الصدر باتجاهيين: الأول (لنسميه “اتجاه ذاهب”) يقوم على تقديم معلومات حول دقائق تصرفاته وردود فعله وما إلى ذلك مما يفهمه ذوي الاختصاص من أجل دراستها والوصول إلى استنتاجات محددة بشأن طريقة التعامل معه والاتجاه الثاني ( لنسمه “اتجاه قادم”) يقوم على تلقين هؤلاء المقربين ما عليهم قوله وفعله لإحداث التاثير المطلوب على قراراته. ويوجد في صفوفو كتلة “سائرون” من هم مستعدون أن يقدموا مثل هذه الخدمة عن طيب خاطر وبالطبع لن تكون خدمة مجانية فلها مردود سياسي ومالي كما يتوقع القائمون بها.

وبالعودة إلى ما قلته حول عدم كمال وجهة النظر القائلة بوجود معسكر إيراني وآخر أمريكي فإنه يمكن الحديث عن وجود ثلاث توجهات رئيسية داخل الكتلتين المتنافستين:
الأول: توجه براغماتي يمثله السيد حيدر العبادي والذي يقوم على أن الولايات المتحدة بما لديها من قدرات يمكنها أن تلحق ضررا كبيرا بالعراق إذا ما شكلت حكومة لا تنظر إليها بعين الرضا خاصة لناحية العلاقة مع إيران وسوريا. ويكفي النظر إلى تركيا كمثال على ذلك حيث أدى مجرد “زعل” بين الحليفين القديمين إلى أن يتراجع صرف الليرة التركية أمام الدولار بنسبة تفوق 70 بالمائة وهي عقوبة لا تزيد أن تكون “جرة إذن” لتحذير أردوغان أن لا يذهب بعيدا في علاقته مع إيران وروسيا ويجاريهما في سوريا. هنا نحن نتحدث عن بلد صناعي زراعي يملك اقتصادا قويا وناتجه القومي يقارب 800 مليار دولار فما بالك بعراق شريان الحياة الوحيد الذي يملكه هو انبوب النفط؟ وها نحن نرى السيد اردوغان يجرجر بقدمية في موضوع القضاء على ما تبقى من الإرهابيين في أدلب ويتناغم مع الطرح الأمريكي ويعود لنغمة تحميل الأسد المسؤولية بعد ان كان قد تخلى عن هذه النغمة لفترة من الزمن (مقالته الأخيرة في النيويرك تايمز). لم يكن ذلك هو الانقلاب الوحيد في المواقف من طرف السيد أردوغان ولكن يبدو ان الأمر يتعلق هذه المرة بالدرس الذي أعطته الولايات المتحدة له و الخاص بكيفية المحافظة على العملة الوطنية التركية وبالتالي الاقتصاد التركي كله.

وبالنسبة للعراق فقد حافظت عملته الدينار العراقي على استقرار سعر صرفه ولم يحدث له ما حدث لعملات الكثير من بلدان العالم الثالث بفضل ربطه بالدولار وإذا ما قررت الولايات المتحدة معاقبة العراق اقتصاديا فيمكن أن نرى سعر صرف الدينار العراقي ينحدر لمستويات تشبة مستويات أيام الحصار في التسعينات ويعرف كل عراقي معنى ذلك.
ويمكن ايضا إيراد المثال الروسي تعزيزا لهذه الرؤية حيث تتعرض العملة الروسية الروبل لضغوط شديدة جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية فأين العراق من روسيا؟
ويرسل السيد العبادي إشارات مجاملة للولايات المتحدة لينبأها أنه في حالة ما شكل الوزارة الجديدة فلن يصدر منه ما يزعجها ويضع ذلك تحت عنوان المصلحة الوطنية العراقية. “أنا لا أستطيع ان أجوع شعبي” هذا ما قاله موجها كلامه لكل الأطراف الشعبية والسياسية في إشارة تحذير وبالطبع اشارة للولايات المتحدة ليخبرها أنه يعرف ما يمكنها أن تفعله.

و لا يعني ذلك من وجهة نظري أن العبادي سينصاع بشكل كامل للولايات المتحدة فيما يتعلق بمحاصرة إيران اقتصاديا أو تحويل أراضي العراق منطلقا للنشاط المفتوح ضدها (وهذا يحرمه الدستور العراقي) بل أن لسان حاله هو ان حكومته سوف تتعايش مع الرغبات الأمريكية بحدود قدراتها وبالحدود التي تتطلبها المصلحة العراقية. أي بكلمة أخرى” لا خضوع كاملا و لا عداء”.

وأميل للاعتقاد ان تفكيره هذا والذي سوف يصبح نهجه إذا ما كلف بتشكيل الحكومة يحظى بقبول وتأييد جزء لا يستهان به من “سائرون” وخاصة ما يسمى بالتيار المدني وكذلك اليسار وقد يسايره بذلك السيد الصدر وأنصاره ولو إلى حين وحتى يثبت أن سياسته بمجملها مرضي عنها شعبيا. و لا شك أن الولايات المتحدة سوف تساعده عن طريق التدخل لتسهيل مهمته والضغط وإبلاغ الأطراف الداخلية والإقليمية التي تملك عليها تاثيرا بأنهم يجب أن يتعاونوا معه كما وستساعده في الحد من التهديد الإرهابي الكامن. ويمكن ملاحظة أن الاعتراضات التي كان يثيرها السيد الصدر على ترشيح العبادي مثل وجوب تركه حزب الدعوة قد خفت أو ضاع صداها وسط التنافس الحاد بين الكتلتين الكبيرتين بحيث بات ينظر للعبادي على أنه المرشح الوحيد لما يسمى كتلة الإصلاح ذلك أن ظهور اي بادرة للخلاف حول مرشح الكتلة في الظروف الحالية سوف يعني ضياع فرصة تكليفها بتشكيل الحكومة.
التوجه الثاني هو ذلك الذي يمثله السيد الصدر وانصاره في “سائرون” والذي يجمع بين البعد عن الولايات المتحدة وعن إيران في نفس الوقت اي وضعهم على قدم المساواة في النظرة وهذا ما ما كان يشير إليه السيد دوما عندما يكرر القول انه يرفض التدخلات الخارجية من أي جهة كانت في إشارة إلى أن إيران تتدخل في العراق كما تتدخل الولايات المتحدة. وبالطبع هناك من يعتبر التدخل الأمريكي مقبولا والإيراني مرفوضا في الجهة المقابلة هناك من يرفض المساواة ويعتبر التدخل الإيراني من باب المساعدة وليس الفرض أو الإملاء كما تفعل الولايات المتحدة.

وكما قلت أنفا ربما شعر السيد الصدر بنوع من الحرج في أن ينظر إلى العبادي، الذي بات مرشح الأمر الواقع بالنسبة ل “سائرون”، على أنه مرشح الولايات المتحدة لذلك و لتجنب إعطاء انطباع أن الصدر يجامل الولايات المتحدة ربما لجأ إلى التشدد في شروطه التي يجب على رئيس الوزراء المكلف ان ينفذها ليقبل به وستحوي خطاباته خلال المرحلة القادمة لهجة متشددة ليذكر رئيس الوزراء أن عليه أن يسير على الطريق الذي يرسمه هو وليقول للناس أن الولايات المتحدة ليست هي من يملي السياسات على الحكومة بل هو صاحب المركز الأول في الانتخابات.

وإذا أردنا استخدام لغة مجازية يمكن أن نقول أن “سائرون” أصبح أسيرا لكتلة “النصر” ووجوده بالسلطة رهن قبوله بالعبادي مرشحا وحيدا لأنه خلاف ذلك ستكون رئاسة الوزراء من حصة كتلة “بناء” وهذا ما لا أعتقد أن السيد الصدر وأنصاره يتمنوه. (هذا كان قبل أحداث البصرة وسأتحدث عن ذلك في الجزء الأخير من المقالة)

أما التوجه الثالث فيمثله كتلة البناء التي تتسم (خلاف تكتل الإصلاح) بدرجة عالية من الانسجام من حيث المنطلقات وبالتالي المواقف. وعدا قوة تأثير قادة الحشد الشعبي في هذا التكتل يمكن القول أن هذا التوجه يمثل القوى العقائدية التي تؤمن باستقلالية القرار العراقي في مواجهة الولايات المتحدة ومستعدة من أجل ذلك لأن تتحمل النتائج. وهي واضحة في موقفها من إيران وسوريا فهي ترى في انتصار النظام في سوريا على الإرهاب وعلى المعارضة المسلحة يصب في مصلحة العراق واستقراره وترى في إيران سندا للعراق في مواجهة الضغط والتدخل السعودي والخليجي في الشأن العراقي. وهي ترى في تسخير الساحة العراقية لممارسة نشاط معاد لجارين كبيرين كما تريد الولايات المتحدة لن يجلب للعراق سوى المشاكل وعدم الاستقرار وتعتبرأن ثمن الانصياع للولايات المتحدة سيكون على المدى البعيد أعلى بكثير من ثمن رفض إملاءاتها.

وهذا لا يعني أن هذه الكتلة سوف تتبع سياسية مناهضة للولايات المتحدة فهي تدرك ان لا مصلحة للعراق بذلك فحتى إيران او سوريا ورغم كل ما تكبدتاه من ضرر من هذه القوة العظمى ستكون مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة دون شروط تفرضها الأخيرة.
و لا أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تترك هذه الكتلة تحكم دون أن تسبب لها أنواعا شتى من المشاكل من أجل الإطاحة بها واستبدالها بمن ترضى عنهم وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على قدرتها على تحريك الناس ضد حكومة تشكلها هذه الكتلة بعد أن تكون الولايات المتحدة قد اختلقت مشاكل وتحديات اقتصادية وأمنية عديدة تعجز عن حلها حكومة هذه الكتلة (لنتذكر تصريحات قائد عسكري أمريكي كبير بأن داعش لا يزال قويا في سوريا والعراق). وإذا ما أطيح بحكومة “البناء” فالأرحج إننا لن نرى انتقالا للسلطة يحمل طابعا سلميا (تسليم واستلام حضاري) بل قد تسيل من أجل ذلك دماء وتعم الفوضى، والفوضى هو البديل الثاني المفضل (الخطة رقم 2) لدى الولايات المتحدة بعد حكم رجالاها المفضلين. عندها سيكون لسان حال السيد العبادي: “ها شكلتلكم”؟ (كلامي هذا محاولة لقراءة المستقبل في ضوء السلوك الأمريكي الذي نشهده حاليا في كل مكان ولا يزيد عن ذلك).

في خضم هذا التنتافس الحاد تأتي أحداث البصرة والتي لم تكن تحمل أي مضامين سياسية سوى الاحتجاج على الحكومات المحلية والوطنية المتعاقبة التي فشلت في حل المشاكل الحياتية لهذه المدينة المهمة. ولم تحمل الاحتجاجات الجماهيرية اي معاني تفضيل كتلة على أخرى قبل أن يصار إلى مهاجمة القنصلية الإيرانية ومقرات الحشد الشعبي. ويرى الكثيرون أن ما حدث قد اخل بمعادلة التوازن القائمة عندما اتفق الطرفان المتنافسان على تحميل حكومة العبادي المسؤولية في تردي الأوضاع الخدمية في البصرة ودعاها إلى الاستقالة. وللوهلة الأولى يبدو أن “سائرون” قد خطا خطوة كبيرة نحو كتلة “البناء” وابتعد بمثلها عن “النصر” التي يتزعمها العبادي. لكن قد يكون هذا الحكم متسرعا فالأنباء تتحدث عن استئناف اللقاءات بين “سائرون” و”الفتح” بزعامة هادي العامري فقط. و يحاول المالكي تمهيد الطريق امام “سائرون” للاقتراب من “البناء” باعلانه أنه لن يترشح لرئاسة الوزراء تلك العقبة الكأداء أمام تقارب مثل هذا. غير أن انفلات “سائرون” من قبضة العبادي لا يعني سقوطا حرا في كماشة “البناء” بل محاولة لوصل ما انقطع من الحوار بين “سائرون” و”الفتح” لاستكشاف إمكانية تشكيل نواة جديدة لا مكان فيها لا للمالكي ولا للعبادي وأظن أن هذه الصيغة هي المفضلة لدى السيد الصدر وأنصاره إذا ما وافق العامري عليها وجلبت عددا من القوى الأخرى يكفي لتشكيل الأغلبية. إن نجاح هذه الصيغة يعني انفراط عقد ما سبق ويفتح الطريق أمام مزاد آخر لا تعرف نهايته.

والسؤال الملح الآن: هل أن “سائرون” قد تعجلت في دعوتها للحكومة للاستقالة والذي يعني أنها تراجعت عن قبولها العبادي كمرشح “الإصلاح” لتشكيل الوزراة القادمة أم أنها خطت خطوة محسوبة تريد بها التملص من التزامها بذلك الترشيح بعد ما شاع حول تأييد الولايات المتحدة لها وبالتالي إعادة رسم صورة التحالفات؟ إن إصرارا “النصر” على بقاء العبادي مرشحها الوحيد – وهو أمر لا نتوقع خلافه- يضع كتلة “الإصلاح” على المحك إذ يصعب على “سائرون” أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل أحداث البصرة فتقبل بالعبادي مرشحا وحيدا فتكون بنظر الناس متذبذبة المواقف كما يصعب عليها أن تبدأ ماراثونا جديدا من الحوار داخل “الإصلاح” حول ترشيح شخص آخر غير العبادي كشرط لبقاء التحالف. أنا أعتقد ان “سائرون” تود لو يبقى “الإصلاح” على ما هو عليه دون أن يكون العبادي مرشحه الوحيد وتفضله على الانضمام إلى “البناء” لأن ذلك سوف يضعها في موضع أقلية داخله. لذلك نراها لجأت إلى خيار آخر كان قد جرب ولم ينته نهاية ترضاها أي التفاهم مع “الفتح” كنواة كبرى يلتحق بها من يريد الالتحاق. وسواء توصلت “سائرون” إلى تسوية مع “البناء” أو نجحت في تكوين نواة جديدة مع “الفتح” فلا شك أن حلفائها من التيار المدني ومن اليسار سيصابون بخيبة أمل وربما لجأوا إلى الانسلاخ من الكتلة عندها فإن مكانهم الوحيد سيجدونه عند “النصر” ويرتضون لأنفسهم المعارضة.

وبالطبع لا معارضة إيجابية عندنا وقد يصح وصفها “منازعة”.