موازنة لاتصدق ولاتفهم وغير منطقية ورسمت بحبر الدولة العميقة والحشد وإيران وخوارزميات قبل الطفرة‎‎

وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار)، لكل عام، وأرسلت لمجلس النواب بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، كما بناء الموازنة، على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغ العجز فيها 63 تريليون دينار.

إلى ذلك، يبين المتخصص بالشأن المالي نبيل جبار، أن “الارتفاع الكبير بعدد الموظفين الوارد في الموازنة، هو يمثل اقتراحات حكومية، فمثلا ارتفاع نسبة كادر هيئة الحشد الشعبي لنحو 100 بالمئة، يعود لإدراج الحكومة عودة جميع المفسوخة عقودهم، سواء الذين داوموا يوما واحدا أو أسبوعا، ويقدر عددهم بأكثر من 100 ألف، في حين أن هيئة الحشد لا تريد إعادة كل هذا العدد الكبير”.

ويتابع أن “تقرير اللجنة المالية بشأن الموازنة، سلط الضوء على الجزء البسيط من أخطاء الموازنة ومشاكلها، فهي عبارة عن أخطاء كبيرة، خاصة وأن النفقات بلغت 150 تريليون دينار في حين أن نفقات البلد كانت بنحو 100 تريليون دينار فقط، وهذا يؤشر وجود تضخم كبير في الموازنة”.

ويصف جبار الموازنة بأنها “أشبه بصك مفتوح سيمنح للحكومة، وستتجه للتعيين والإنفاق كما تريد”، موضحا أن “أسعار النفط ربما الآن منتعشة، لكن هذا لن يدوم أكثر من عامين”.

ويلفت إلى أنه “في حال انخفاض أسعار النفط فأن الحكومة ستتجه للاقتراض الداخلي، فالعراق لن يستطيع الاقتراض خارجيا وهو عليه ديون كبيرة، وفي حال فشل الاقتراض الداخلي او عدم توفر سيولة، سيتم التوجه لطبع العملة، وهذا الخيار يتسبب بسقوط قيمة العملة”.

وفي جداول تقرير اللجنة المالية، ورد جدول خاص بمقدار ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.

وصف متخصصون، بنود الموازنة الحالية، بـ”المرعبة”، نظرا لحجم الارتفاع الكبير في التخصيصات المالية والموظفين، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع ببعض الوزارات 70 بالمئة، وفيما كشفوا عن تعيين 20 ألف شخص لا يقرؤون ولا يكتبون بصفة حرفي في وزارة التربية، بسبب التخبط وتدخل الأحزاب، رجحوا عودة البلاد إلى مرحلة طبع العملة في حال انهارت أسعار النفط مستقبلا.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “الفروق بين موازنتي 2021 و2023، التي وردت بتقرير اللجنة المالية النيابية، كشف عن مضاعفة عدد الموظفين بنحو مليون و400 ألف”.

ويضيف المشهداني، أن “الارتفاع بأعداد الموظفين في وزارة التربية كان هائلا جدا، وهذا لا يعود إلى المحاضرين المجانيين فقط، فعددهم لا يتجاوز 250 ألفا فقط، وما جرى هو فتح التعيينات للأحزاب والكتل”، مشيرا إلى أن “20 ألفا تم فرض تعيينهم رغم أنهم لا يقرؤون ولا يكتبون، ومهنتهم حرفيون، وكانوا يتظاهرون للمطالبة بالتعيين، ما أبقى الوزارة في حيرة من أمرها حول التعامل معهم”.

ويكشف أن “هناك توجها يتمثل باشتراك وزارتي المالية والتخطيط ومجلس الخدمة الاتحادي، لإعادة التوازن بالتعيينات ونقل التخصصات من وزارة لأخرى”.

ويرى المشهداني، أن “الأرقام الواردة في الموازنة أقل ما يقال عنها بأنها مرعبة، خاصة وأن أسعار النفط غير ثابتة، ما يطرح أسئلة حول الموقف الحكومي في حال انخفاض أسعار النفط، وكيف ستسد قيمة هذه الرواتب الهائلة”، متابعا أن “ارتفاع تخصيصات الوزارات أمر غريب أيضا، فمثلا وزارة التخطيط ارتفعت لأكثر من 700 بالمئة، وهذا غريب، وحتى لو تم احتساب إجراء التعداد السكاني، فهو لن يكلف أكثر من 400 مليار دينار، وليس 4 تريليونات دينار”.

ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن “الموازنة تضمنت أيضا فقرة خاصة بالمستلزمات السلعية، وهذه قيمتها مرتفعة، وهذه الفقرة تخص صيانة الكهرباء والأبنية المدرسية والأثاث في دوائر الدولة وغيرها من الأمور المشابهة، وكانت موازنات العراق تفتقر لها”، موضحا “رغم أهمية هذه الفقرة لكنها ستكون بابا من أبواب الفساد”.

وكان مجلس النواب، أنهى قبل يومين القراءة الثانية لمشروع قانون الموازنة، ومناقشة تقرير اللجنة المالية بشأنها، وقد تضمن التقرير ملاحظات كثيرة وتفصيلية، وجداول تقارن بحجم النفقات بين موازنة 2021 و2023.

ومن جملة ما تضمنه التقرير: الأسلوب التقليدي المعتمد في إعداد الموازنة، فانه لا ينسجم مع التطورات في حجم الموارد والإنفاق وما يصاحبه من تدني في حجم المبالغ المرصودة للمشاريع الاستثمارية.

كما أوصى بـ”التحوّل إلى موازنة البرامج والأداء بشكل تدريجي، وتصميم برامج قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة، والاهتمام بالمشاريع الاستثمارية التي تسهم في حل مشاكل البطالة والفقر، وتضمن تحقيق التنمية المستدامة، وإيجاد مصادر دخل جديدة تكون مساندة للمصدر الأساسي المتغير وهو النفط”.

وفي ما يخص جدول ارتفاع مخصصات الوزارات، فقد سجلت بعض الوزارات ارتفاعا متفاوتا، فوزارة النفط ارتفعت بواقع 60 بالمئة بتخصيص جديد قدره 6 تريليونات، فيما قفزت وزارة التخطيط بنسبة 720 بالمئة، من 500 مليار دينار إلى 4.1 تريليون دينار، وتخصيص وزارة الإعمار والإسكان ارتفع بنسبة 171 بالمئة، ووزارة النقل بنسبة 211 بالمئة، فيما ارتفع تخصيص وزارة الداخلية 230 بالمئة ووزارة الدفاع 67 بالمئة.

وحول هذه المشاكل في الموازنة، رد مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، بشكل مقتضب “، أن “هناك برامج مخصصة للوزارات اقتضت مثل هذا الارتفاع، كالتعداد السكاني في وزارة التخطيط وغيرها من البرامج”.

يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.

ومطلع الشهر الحالي، خفض العراق إنتاجه النفطي، بواقع 211 ألف برميل طوعيا، إلى جانب دول أوبك، بغية رفع سعر النفط العالمي، حيث بلغ بعد القرار نحو 85 دولارا، بعد أن كان قرابة 80 دولارا للبرميل، وعدّت الخطوة لحماية الموازنة، بإبقاء سعر النفط أعلى مما ورد فيها.

وفقا للتعريفات السائدة للموازنة العامة للدولة، فأنها “بيان تفصيلي يوضح تقديرات ايرادات الدولة ومصروفاتها معبرا” عن ذلك في صورة وحدات نقدية، تعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مالية مقبلة، وهذا البيان يتم اعتماده من قبل السلطة التشريعية في الدولة”.

وقد تم اصدار قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، بتاريخ 05/08/2019، ليكون نافذا” اعتبارا” من السنة المالية 2020. حيث تضمن الغاء قانون أصول المحاسبات العامة رقم (28) لسنة 1940 (المعدل)، والملحق (أ) الخاص بالإدارة المالية الصادر بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (95 (لسنة 2004، على ان يبقى الملحق (ب) الخاص بالدين العام لحين صدور قانون خاص يحل محله.

وقد جاء بالأسباب الموجبة لأصدار القانون بأنه لغرض تنظيم القواعد والإجراءات التي تحكم الإدارة المالية والمحاسبية في مجال التخطيط والإعداد والتنفيذ والرقابة والتدقيق للموازنة العامة الاتحادية، وتوجيه جميع الإيرادات الاتحادية إلى الخزينة العامة لتغطية الإنفاق العام. وتحديد مسؤولية وزارة المالية في مرحلة التنفيذ اضافة الى تحديد مواعيد معينة لتقديم موازين المراجعة والحسابات الختامية، والالتزام بمبادئ الموازنة (شفافية الموازنة وشمولية الموازنة ووحدة الموازنة وسنوية الموازنة) عند تهيئة وتنفيذ الموازنة العامة الاتحادية والأمور المتصلة بها، وبما يضمن تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي وتعزيز تخصيص موارد الموازنة وتحسين كفاءة وفعالية الانفاق وضمان إدارة النقد على النحو الأمثل، وتحسين نوعية معلومات الموازنة المقدمة الى مجلس النواب والى الجمهور.

كما نصت الفقرة (أولا”) من المادة (4) من قانون الإدارة المالية الاتحادية، بان تعد الموازنة العامة الاتحادية على أساس تقديرات التنمية الاقتصادية والسعي لاستقرار الاقتصاد الكلي والتنمية المستدامة والسياسة الاقتصادية، والتطابق مع البرنامج الحكومي والتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني والمخاطر المتوقعة، لضمان تقويم الوضع المالي في العراق وتقليل التقلبات في الانفاق الحكومي، والانجاز الكفوء لتحصيل الإيرادات، في ضوء تنبؤات معتدلة لأسعار النفط والإنتاج النفطي والايرادات الضريبية والرسوم والايرادات الأخرى.

ان الموازنة ليست قوائم بأرقام صماء بأوجه ومقدار الانفاق العام للدولة خلال السنة المقبلة، ومصادر ومقادير الايرادات المتوقع جبايتها خلال نفس السنة، ومقدار الوفر المالي الذي سيترتب للخزينة العامة او مقدار العجز المالي في تغطية اوجه الانفاق والذي على السلطة المالية تدبير مصادر تمويله. وانما اصبحت الموازنة من اهم وثائق الدولة الديمقراطية في الجوانب السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، حيث انها تمثل خطة الحكومة للسنة المقبلة فيما يتعلق بإدارة الدفاع الخارجي والامن الداخلي، وما تتضمنه من خطط لرفع المستوى المعاشي والعلمي والثقافي وتقديم الخدمات العامة المختلفة للمواطنين. وفي جانب الايرادات فهي تعبر عن السياسة المالية والاقتصادية للسنة المقبلة بما تمثله من رفع او تخفيض او الابقاء على مستوى الضرائب والرسوم وأجور الخدمات العامة. وبالتالي فأنها تمثل الفرصة السنوية المتاحة لمسائلة الحكومة عن خططها المستقبلية ومحاسبتها عن ادائها للسنوات السابقة.

ولغرض التحقق من مدى تطابق مشروع الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2023، والذي اقره مجلس الوزراء بتاريخ 13/03/2023، مع الأطر والمحددات الواردة في القانون آنف الذكر، ومع الأطر الاقتصادية والمالية والإدارية الرشيدة، نعرض فيما يلي ملاحظاتنا على المشروع المذكور:

ان ما أقره مجلس الوزراء، هو مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية المقترحة لسنة 2023، ولن تكون له الصفة القانونية الا بعد مناقشته وإقراره من قبل مجلس النواب، ومن ثم توقيع رئيس الجمهورية على القانون واصداره في الجريدة الرسمية.

تأخر إقرار قانون الموازنة لسنة 2023، خلافا” لنص المادة (8) من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019، والتي تنص على ان يقدم وزيرا التخطيط والمالية الى لجنة الشؤون الاقتصادية او ما يحل محلها في مجلس الوزراء مطلع شهر آب من كل سنة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لدراسته وتقديم التوصيات الى مجلس الوزراء في شهر أيلول من كل سنة، ليتولى مجلس الوزراء وفق المادة (11) مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية واقراره وتقديمه الى مجلس النواب قبل منتصف شهر تشرين الأول من كل سنة، وذلك بسبب تأخر تشكيل الحكومة الحالية. وبالتالي فانه يكون قد تم تغطية (3) أشهر من نفقات السنة 2023، على أساس الصرف بنسبة (112) من موازنة عام 2022.

ان فقرة الإيرادات لا زالت محكومة بأوضاع سوق النفط العالمية، ومحددات الإنتاج والتصدير، والعلاقة مع إقليم كردستان في موضوع قيد قيمة صادرات النفط الخام من الإقليم ضمن إيرادات الموازنة العامة الاتحادية. وقد أظهرت الدراسة التحليلية التي سبق وان قمنا بها للموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2003 – 2020، من واقع الحسابات الختامية المنشورة على موقع وزارة المالية، بأن نسبة الإيرادات النفطية من اجمالي إيرادات الموازنة تبلغ (90.7%).

تمت المبالغة في تقدير سعر برميل النفط في مشروع الموازنة المقترح بمبلغ (70) دولار، خلافا” للوضع الدولي القائم: الحرب الروسية الأوكرانية، التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والغرب من جانب والصين من جانب آخر، منذ عهد ترامب وحتى الان في المجالات السياسية والاقتصادية، ولا زال مستعرا” بسبب قضية تايوان والحرب الروسية الأوكرانية …. وغيرها من المواضيع.

ففي الوقت الذي تقر فيه وزارة المالية في بيانها عن الموازنة بان الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة من الاضطراب غير المسبوق بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية والاوبئة والأزمات المالية والتباطؤ الاقتصادي كما ان من المتوقع ان ينخفض النشاط الاقتصادي في منطقتنا بشكل حاد، الا ان وزارة المالية تقفز فوق الواقع لتخلص الى نتيجة بأن الموازنة المالية اوجدت حيزا” واسعا” والذي وفرته الموارد المالية التي اتيحت لها. والحقيقة ان هذه الوفرة المالية موجودة في خيال الحكومة العراقية فقط، ولم تستنج من الواقع السياسي والاقتصادي الدولي والمحلي. أولا” لإرضاء الكيانات الحزبية المؤتلفة بالحكومة، وثانيا” لأظهار ان هذه الحكومة تنتقل بالعراق الى مرحلة جديدة من النمو والتطور والرفاهية. ونحن هنا في واقع الحال لا نحاول ان نرمي اللوم على رئيس الوزراء الذي فرضت عليه هذه التشكيلة الوزارية التي تطمح كما هو حال الحكومات السابقة الى تقاسم ما يتاح من الكعكة العراقية، بعيدا” عن الشعب ومعاناته وتطلعاته وطموحاته التي أصبحت لا تتعدى المأكل والمشرب والكهرباء. في حين أصبحت دول لا تمتلك ثراء العراق البشري والمادي تتنافس على سبر الفضاء الخارجي. وطبعا” نحن لا نلوم الشعب العراقي لأن ما يجري منذ عشرين عاما” في العراق أنما يصب ضمن إطار تحقيق اهداف غزو العراق عام 2003.

ان سعر برميل النفط الخام المصدر، والذي اعتمد عند اعداد تقديرات إيرادات الموازنة العامة الاتحادية من النفط للسنوات (2015 – 2019) كان (56.0، 45.0، 44.4، 46.0، 56.0) دولار للبرميل للسنوات المذكورة على التوالي. وفي قانون الموازنة العامة لسنة 2021، فقد اعتمد سعر (45) دولار للبرميل. وبالنظر لعدم تشريع قانون موازنة عامة لسنة 2020، وتم الصرف بنسبة (112) من موازنة عام 2019، نكون قد اعتمدنا سعر البرميل لسنة 2019 والبالغ (56) دولار في سنة 2020.. وكذا الحال لسنة 2022، نكون كأنما اعتمدنا سعر البرميل لسنة 2021، والبالغ (45) دولار. وبذلك يكون معدل سعر البرميل للسنوات المذكورة والبالغة (8) سنة (49.18) دولار للبرميل. وهي تقديرات تحفظية، ولكنها كانت منسجمة مع تنبؤات الوضع الاقتصادي الدولي.

كان يفترض بوزارتي التخطيط والمالية عدم مغادرة معدل سعر البرميل السابق والتحليق بعيدا” تحت ذريعة مغادرة التقشف الذي فرض خلال الفترة السابقة بسبب عدم تشريع موازنة لسنتي 2020 و2022، حسب ما ورد ببيان وزارة المالية.

واضح ان الهدف من تضخيم الإيرادات كان لغرض المغالاة في النفقات، لتحقيق مصالح الأحزاب المؤتلفة في الحكومة، حيث أعلن رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي يوم 13/03/2023، بان إقرار مجلس الوزراء لمشروع الموازنة يعني إقرار مجلس النواب لها، باعتبار ان الوزراء يمثلون الكتل النيابية في مجلس النواب.

ان سعر برميل النفط المعلن دوليا” عند مناقشة مشروع الموازنة من قبل مجلس الوزراء بتاريخ 13/03/2023، كان بحدود (81.70) دولار للبرميل، عليه كان يفترض التحفظ على السعر السائد واعتماد معدل السعر السابق مع زيادة بنسبة (10%)، ليكون السعر المقترح (54.1) دولار للبرميل (*). حيث انه بمجرد الإعلان عن احتمال افلاس بنك سويس كريدي يوم 15/03/2023، انخفض سعر البرميل الى (71.67) دولار للبرميل.

أعلنت منظمة الطاقة العالمية بتاريخ 15/03/2023، بان مخزونات النفط وصلت الى اعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2021 (**)، ولا غرابة بأن مثل هذا البيان يؤدي حتما” الى انخفاض في أسعار النفط العالمية.

ان اعلان افلاس بنك سيليكون فالي (svb) في الولايات المتحدة، والذي قدرت قيمة محافظه الاستثمارية المتعثرة بمبلغ (196) مليار دولار، وكان من نتيجة هذا الإعلان ان خسرت الأسهم العالمية بحدود (452) مليار دولار. ومن المرتقب أيضا” افلاس بنك كريدي سويس – سويسرا (Credit Suisse- Switzerland، وما سيجره ذلك على خسائر في النظام المصرفي والأسهم والسندات والاستثمارات الدولية، وان الازمة المالية العالمية 2008/2009، ونتائجها السلبية ليست ببعيدة.

أشار بيان وزارة المالية الى ان ديون العراق الخارجية لما قبل عام 1990، تبلغ (5.867) مليار دولار، وديون مستحقة خارج نادي باريس تبلغ (40.401) مليار دولار، وديون خارجية بعد عام 2003، نتج اغلبها عن الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي تبلغ (12.926) مليار دولار، وبذلك يكون مجموع الديون الخارجية وفق ما تقدم مبلغ (59.194) مليار دولار. اما الدين الداخلي فقد وصل الى حدود قياسية حيث بلغ (70.505) ترليون دينار عراقي بنهاية عام 2022. وإذا احتسبنا الدين الداخلي بسعر الصرف الرسمي المعلن للدولار والبالغ (1,300) دينار للدولار، يكون الدين الداخلي بحدود (54.234) مليار دولار، وبذلك يكون اجمالي الديون الداخلية والخارجية للعراق كما في 31/12/2022، مبلغ (113.428) مليار دولار. وبالتالي يكون من واجب الحكومة العراقية وضع خطة مكثفة لتسديد هذه الديون، بدلا” من اقتراح ديون جديدة عن عجز الموازنة المقترحة لسنة 2023، والبالغ (64.131) ترليون دينار عراقي وبما يعادل (49.331) مليار دولار امريكي (عن سنة واحدة)، واثقال كاهل الأجيال القادمة بهذه الالتزامات. ان هذا لا يمثل حتى الحد الأدنى من الإدارة الرشيدة للاقتصاد والمالية العامة، لأن من الواضح ان مشروع الموازنة وفق ما تقدم، ما هو الا عملية حسابية لموازنة الإيرادات والنفقات والعجز، وان ما ورد في بيان وزارة المالية ما هو الا كلام نظري، لم يجد له في مشروع الموازنة أي حيز من التطبيق.

كما ذكرنا آنفا” فان العجز المخطط في مشروع الموازنة لسنة 2023، يبلغ (64.131) ترليون دينار، وبما يعادل مبلغ (49.331) مليار دولار، وهو يشكل نسبة (47.6%) من اجمالي الإيرادات البالغة (134.553) ترليون دينار، وبنسبة (32.3%) من اجمالي النفقات العامة البالغة (198.684) ترليون دينار. في حين تنص الفقرة (رابعا”) من المادة (6) من قانون الإدارة المالية، بانه لا يجوز ان يزيد العجز في الموازنة التخطيطية على (3%) ثلاثة من المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وحيث ان بيانات وزارة التخطيط تشير الى ان الناتج المحلي الإجمالي للنصف الأول من سنة 2021، يبلغ (97.875) ترليون دينار، عليه يكون اجمالي الناتج المحلي (التقديري) لسنة 2021 بمقدار (195.750) ترليون دينار. وحيث ان نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق لسنة 2022، حسب اعلان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد بلغت (9.3%)، عليه يكون الناتج المحلي الإجمالي (التقديري) لسنة 2022 بمقدار (213.956) ترليون دينار. واذا احتسبنا العجز المخطط لموازنة 2023 بنسبة (3%) من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2022، يكون مقدار العجز المخطط المسموح به لسنة 2023، مبلغ (6.418) ترليون دينار، وبما يعادل مبلغ (4.937) مليار دولار، ولا يجوز تجاوز ذلك. في حين ان العجز المقترح في مشروع الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2023، يبلغ (49.331) مليار دولار، وهو يشكل عشرة اضعاف العجز المسموح به بموجب قانون الإدارة المالية الاتحادية.

ورغم انني غير مختص بالقانون، الا انني أرى انه لا يمكن القول بانه يمكن تجاوز ذلك باعتبار ان قانون الإدارة المالية الاتحادية هو قانون عام، وان قانون الموازنة السنوي هو قانون خاص يقيد القانون العام، وهذا غير صحيح لأن قانون الإدارة المالية هو أيضا” قانون خاص وهو دستور الموازنة العامة الاتحادية، وعلى أساسه تبنى الموازنة السنوية بشقيها الجاري والاستثماري. خاصة وان الغرض من اصدار قانون الادارة المالية الاتحادية هو ان ينشأ هيكل شامل لمباشرة السياسة الضريبية وسياسة الموازنة بما يتفق وافضل الممارسات الدولية، من خلال وضع مراحل منظمة لصياغة الموازنة الاتحادية وعدد من التقارير المطلوبة لغرض زيادة امكانية الاعتماد وشفافية عمليات الموازنة. وفي رأي ان من يتجاوز ذلك حاله كحال من يصدر قانون ويشير في متنه الى انه استثناء من احكام الدستور.

الراي والمقترحات:

بغية انسجام قانون الموازنة العامة الاتحادية المقترح لسنة 2023، مع قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، ومع ما ورد من اهداف الموازنة في بيان وزارة المالية بخصوص مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنة موضوعة البحث، وحتى يمكن تنفيذ البرنامج الحكومي الذي التزمت به الحكومة الحالية امام مجلس النواب، وتحقيق تطلعات الشعب العراقي، باقل الخسائر الممكنة بما يتماشى مع الوضع السياسي والاقتصادي الدولي، غير المنضبط حيث تولد كل ازمة مجموعة من الازمات الأخرى، وبالتالي لا تصح التنبؤات والتقديرات التي تغفل هذا الواقع، عليه نقترح ما يأتي:

تحديد سعر البرميل من النفط الخام الذي يعتمد في الموازنة لسنة 2023، على أساس مبلغ يتراوح بين (54 -55) دولار للبرميل، وإعادة احتساب إيرادات الموازنة وفقا” لذلك.

الالتزام بنسبة العجز المقررة في قانون الإدارة المالية الاتحادية، والبالغة (3%) من الناتج المحلي الإجمالي التقديري، للسنة السابقة لسنة الموازنة.

إعادة النظر بالنفقات المقترحة في الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2023، استنادا” الى الإيرادات المقدرة والعجز وفقا” لما تقدم، مع مراعاة انه تم تنفيذ ثلاثة أشهر من الموازنة على أساس الصرف بنسبة (112) من نفقات سنة 2022.

يتم التصرف بأي زيادة تتحقق في إيرادات النفط عما هو مخطط في قانون الموازنة لسنة 2023، وفقا” للآليات المحددة والصلاحيات المخولة بموجب قانون الإدارة المالية الاتحادية.