مهند حبيب السماوي : يكتب

 

من بين أحد الأسئلة المهمة التي طُرحت بعد أنفجار العبوتين الداميتين في نهاية خط ماراثون بوسطن الامريكي في يوم الاثنين 15 نيسان عام 2013  والتي  أسفرتا عن مقتل ثلاث اشخاص وجرح اكثر من 140 اخرين، كان سؤال الباحثة والخبيرة النفسية والتربوية الدكتورة Laura Markham التي كتبت مقالا طرحت فيها تساؤلا مهما حول الحادث ابتعد في مضمونه عن الأسئلة الأمنية والسياسية والأقتصادية التي أشار لها العديد من الباحثين والمختصين في الولايات المتحدة الأمريكية واوربا والعالم.

سؤال الباحثة  Laura  كان يتعلق بالبعد النفسي والتربوي الناتج عن تفجير بوسطن، اذ طرحت في مقالها السؤال التالي:

كيف تتحدث مع اطفالك حول المأساة التي حدثت في بوسطن ؟

How To Talk with Your Child about the Tragedy in Boston

تؤكد الباحثة، في معرض جوابها على هذا التساؤل،ان العديد من الاطفال في الولايات المتحدة يعلمون بانفجار بوسطن، ولذا كيف سنجيب هؤلاء الاطفال على ماحدث في حين اننا لاندري لماذا حدث هذا الانفجار.. كيف نعيد التاكيد لهم بانهم يعيشون في امان في حين اننا لسنا متاكدين من ذلك، فعندما تهز ماساة كهذه ايماننا بحس الامان في هذا العالم يصبح من الصعب الحديث مع الاطفال حول ذلك.
لكنا تبقى برغم ذلك، كما تشير الباحثة، مسؤوليتنا ان نتحدث معهم وعلى نحو  يجعلهم يشعورن بالامان او نعيد لهم الشعور بالامان الذي فقدوه بعد الانفجار، وذلك من خلال ادارة انفعالاتنا امامهم بطريقة صحيحة تؤدي الى تجاوزهم للصدمة التي اصابت نفوسهم.

وانطلاقا من مقدمة رغبتك باعادة استقرار اطفالك واعادة الامان لهم استعمل النصائح التالية على حد تعبير الباحثة:

1- لاتسمح ان يكون جهاز التلفاز مفتوح امامهم دائما، خصوصا لاطفال تكون اعمارهم  اقل من  13 سنة ، والا سوف تصطدم اطفالك بمناظر مأساوية بصورة متكررة، فسماع خبر الانفجار شيء وتكرار الصور البشعة شيء اخر لانها بطبيعة الحال ستبقى في ذاكرتهم لفترة اطول.

2- انتبه لانفعالاتك امام اطفالك لانهم يتاثرون بها ، فيجب تهدئة نفسك قبل الحديث مع اطفالك حول الموضوع.

3- انتبه للعمر المناسب للطفل اذ ليس كل الاطفال سوف يهتمون بالموضوع ويفهمونه أو يطروح اسئلة حولها، ولا ينبغي للاب ان يثير الموضوع امام اطفال لم يطرحوا الموضوع اصلا.

4- اسال طفلك مالذي عرفه؟ اذا ربما سمع القصة من جهات أخرى فشوّشت عليه الحقيقة وبالغت فيها او اضافت عليها ماهو غير موجود فيها… اساله ماذا حكوا له ؟ ومالذي يعتقد ؟

5- اشرح لهم ماحدث ببساطة بحيث يفهم الطفل ماتقوله من غير تعقيد.

6- اجب على اسئلتهم المتعلقة بالمستقبل والامان الذي اختفى منه كما يظنون، ولاتتركهم يخافون من المستقبل.

7- استمع لطفلك واسمح لمشاعرهم بالتعبير عن نفسها.

8- تهيأ للاجابة على اسئلة وجودية قد يطرحها الطفل حول الحادث، ومنها لماذا يحدث هذا الانفجار في عالمنا هذا؟

9- احترم ردود فعل طفلك، فبعضهم يبكي واخر يحزن وثالث يستمع.  

نصائح قيمة بالطبع من باحثة مختصة في المجال التربوي طموحها أن ” تغيير العالم من خلال دعم الابوين” على حد تعبيرها الذي يكشف عن اهمية مايمكن ان يتعلمه الاباء على مستقبل الطفل.

وهو امر ينبغي ان ينتبه له المختصين في المجال التربوي والنفسي في العراق الذي يسمع فيه الاطفال يوميا بحوادث التفجير والقتل والارهاب على يد الجماعات المسلحة، بل ان بعض هؤلاء الاطفال يرى تلك الحوادث وتفصيلاتها على التلفاز، وربما على مواقع الشبكة العنكبوتية، وعلى مرأى ومسمع من اباءهم وامهاتهم الذي نحتاج ان نربيهم ونثقفهم على كيفية تعاملهم مع  الاطفال وهم يشاهدون او يسمعون بحوادث الارهاب قبل ان نحاول ان نربي اطفالنا على هذا الامر.

فالآباء في العراق ومعهم الامهات يعانون من نقص الثقافة التربوية المتعلقة بالاطفال عموما اما كيفية تعامل الطفل مع ما يجري في العراق من حوادث ارهابية فانا اؤكد بان نسبة من يعرف ان يوجه طفله نحو التعامل الصحيح مع الحدث هي نسبة متدنية جدا خصوصا مع آباء وامهات لايعرفون قواعد التربية واساسها وليس كيفية التعامل مع هكذا حوادث يمر بها الطفل!

تقتضي الظروف الحالية من الآباء ان يحاولوا ان لايمدوا تأثيرها النفسي الى أبنائهم حتى لايجنون عواقب ذلك جيل محطم نفسيا، متشائم في رؤيته للعالم، عنيف في تعامله مع الآخر، مضطرب السلوك نتيجة مشاهد العنف الذي عاشها والدمار الذي لحق بشخصية الطفل التي من المفترض ان تكون بمنأى عن مجال واعلام مأساوية اشرار هذا العالم وخرائبهم الكارثية.   

ان نتائج الارهاب الذي يضرب بقوة كل شبر في أرض العراق لاتنحصر في مايخلّفه من ابرياء هم ضحايا جنون مرتكبيه ووحشيتهم، كما لاتقتصر أبعاد خسائره الاخرى في مجالاتها السياسية والاقتصادية بل ان احدى اهم نتائج هذا الارهاب هو الحالة التي يمكن أن يكون عليها الطفل العراقي في المستقبل وماسوف يشعر به وكيفية اثر ذلك على سلوكه وتصرفاته وتفكيره وتعامله مع الاخر، وهو أمر لا أظن ان الكثير يفكر فيه او يتخيل مدى عواقبه المستقبلية على الجيل القادم.

يجب على المعنيين في المجال التربوي والنفسي ان ينتبهوا لما اثارته مقالة الباحثة Laura Markham من مضمونات ودلالات ثرية تعنينا نحن في العراق بالدرجة الاولى بسبب الوضع المأساوي الذي يعيشه هذا الجيل الذي لا اتوسم في مستقبله، تحت ظرف اللامبالاة وانعدام التثقيف والنسيان، ان يكون جيلاً واعداً ننتظر منه ابداعاً في مجالات الحياة.  

أرغب ان انوه اخيراً انني وبعد ان اكملت ترجمة وكتابة المقالة وجدت مقالاً آخراً للكاتبة  Carrie Goldman بعنوان ” عشرة طرق لمساعدة الاطفال لكي يشعروا بالامن بعد تفجيرا بوسطن “

10 Ways to Help Kids Feel Secure After the Boston Bombings

ذا مضمون يكشف عن ستراتيجية للتعامل مع الاطفال الاميركيين بعد تفجير بوسطن من خلال عشر خطوات مشابهة لما ذكرته الباحثة Laura بالاضافة الى بعض التفاصيل الاخرى التي تصب في مجملها في مصلحة مستقبل الطفل الامريكي الذي تسعى مثل هذه المقالات وغيرها الى التركيز عليه والاهتمام بمستقبله الذي دقت تفجيرات بوسطن ناقوس الخطر أمامه، لدرجة  اثارت قلق المهتمين بالتربية ومن لديهم رؤية وبرنامج واضح لمستقبل بلادهم.