مأساة الحسين(ع) بين جفاء الشيعة و ظلم السُّنة – القسم الثاني
قبل عالم الذّر .. بستة آلاف عام, أبْرمَ الباري ميثاقاً مع آلأمام الحُسين (ع) ليصبح معرفة الجّمال قانوناً و معياراً للخلود, و يكون قدر الكون الذي سيتحدى به ربّ العباد أصل الشّر الذي سيظهر في الكائنات بما فيهم الملائكة و آلجّن بسبب رئيسهم ألشيطان الّلعين الذي سيُخلع رداء الحياء في لحظة تكبّر وعلو ليُطرد من منصبه بسببها, عندما يَعترضون بآلعقل – لا بآلقلب على خلق (آدم) لاحقاً: [قالوا أ تَجعلُ فيها من يُفسد فيها و يَسفك الدّماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك]؟ فكان الأمر فصل الخطاب الألهي مباشرةً مع أؤلئك المُعترضين على خلق أبونا آدم (ع) ألذي سقط في الأمتحان هو الآخر للأسف (فعصى آدم ربه فغوى)(1) و كان الباري تعالى على عظمته يناقشهم بكل “ديمقراطية” و “أدب” .. لأنه هو نفسه خالق الأدب, و لولا توبته – أي آدم ألذي توسّل بآلحُسين – لكان من الخاسرين, و كان فصل الخطاب بقوله تعالى وهو يختم الحوار بعد مباحثات طويلة و عريضة إحتوتْ الكثير من آلأسرار الغامضة بقوله: (إنّي أعلمُ ما لا تعلمون)!

فما الذي كان يعلمه الله؟ و ما هي أصل القصة (ألمحنة) التي ما عرف لا الشيعة و لا السنة ناهيك عن أصحاب الكتب السماوية – تفاصيلها و أسرارها الموثقة؟
بعد أنْ أتمّ الباري تعالى خلق أهل الكساء ألخمسة, قال تعالى للحسين (ع) : أريد تجلّياً في هذا الوجود العظيم بظهورٍ يليق بوجهي و مقامي فيه, لردم الشر الذي بدأ الشيطان يكتنفه ! فهل لك يا شُبّير (ألحسين) أنْ تكون لها؟
أجاب الحسين (ع) غير مبالياً و بكل بساطة : سمعاً و طاعة .. إنّه من دواعي الفخر و آلأعتزاز أنْ أكون أنا الذي منْ سيتحمل تلك الأمانة التي تبدو أنّها عظيمة جدّاً! لكن منْ أنا مُقابل عظمتك يا خالقي و ربيّ حتى تستشيرني بالرّفض أو القبول؟
ثمّ أنهُ معيَ منْ هم أولى بهذا الأمر العظيم كجديّ و أبي و أميّ و أخي, فلماذا وقع التقدير علينا؟
و ما هذا الأمر الذي يحتاج كلّ هذه المُقدمات و آلأذن و آلتحضير و أنت القاهر فوق الخلق و الكائنات و الوجود؟
أجابَ تعالى : سأخلق بشراً من صلصالٍ من حمأ مسنون, و سيكون هناك مراتب و أحداث و محن, و الكثير منهم سَيَكْفرون و يستكبرون, لأنّ الذي يُقدسني حتى هذه اللحظة ذو شأن عظيم, هو رئيس ملائكتي , و قد عبدني أربعة آلاف عام و ما يزال, إلاّ أنه سيختار طريقاً آخر لأستكباره مُتأملاً نيل ما ليس من حقّه, بعدما أصيب بالعُجْب, و هو ماردٌ أقسمَ على غواية العباد إنتقاماً, لأني شئْتُ أنْ أجعلكم خلفائي في هذا الوجود بعدما أثْبَتّم صدقكم و وفائكم لي من قبل, لذلك سيسعى بكلّ كيده كي يعلو عليكم و على أتباعكم, مُحاولاً إثبات موقفه تكبّراً و علواً أمام إرادتي, و ستكون أنت يا حُسين من يتصدى لهذه الأمانة العظيمة لإثبات حقيّ بمشيئتي, و سيأتي دورك بعد خيانة القوم لجدّك و أبيك و أمك الزهراء و أخيك شبر (ألحسن), حيث سينقلب القوم على أعقابهم, لكن يومك سيكون غريباً على أهل السموات و الأرض, و وحدك من يس حمل أمانتي و صورتي الحقيقة للأجيال بعد شهادتك الكونية المباركة, لتكون مثلاً أعلى للأنسان الكامل ألذي وحده سيعرف سرّ الوجود عبر الأزمان و آلأكوان!
قال الحسين (ع) ما آلأمر يا معبودي ؟ و قد شغل وجودك وجودي, و هواك هواي , فهل لي الخيار مقابل خيارك و أنا العاشق المتيم؟
و هل سينقلب الكون بعد إنقلاب القوم على أعقابهم بعد رحيل جدّي ألذي هو أمينك و حبيبك و خاتم رُسلك و أنبيائك ؟
قال تعالى : نعم هو كذلك لكنّك ستكون ناجياً و حائلاً عن وقوع هذا الأمر العظيم ؟
قال الحسين (ع) إذن و الله فُزْتُ فوزاً عظيماً.
قال تعالى هو كذلك , لكنك ستقتل و يقطع رأسك ثمناً لذلك!
قال : و عزتك و جلالك إنها أهون ما يكون عليّ ما دام في رضاك!
ثم أعقب تعالى : لكن يا حسين ؛ ليس هذا فقط , و إنما أصحابك الأوفياء و أهل بيتك الأبرار و هم خير البرية سيقتلون أمامك بإبشع صورة .. هنا أعقب الحسين بالقول : و هل ذلك سيكون يا إلهي برضاهم أيضاً أم مُجبرون علىه؟
قال تعال ى : بل بكامل رضاهم و إختيارهم, ثم قال تعالى : لكن يا حسين؛ لا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ ! بل سَيَقِتِلُ القومُ إخوتكَ و أوّلهم قمر الكونين أبا الفضل العباس.
قال الحسين: لقد عرفت هذا فقد أخبرني للتّو أبي, و كأنهُ يُواسيني, و تَعَهّدَ بأنْ يكون أخي العباس من خيرة الأصلاب قوياً شهماً ليدافع عني في تلك الواقعة.
فقال تعالى : نعم و هو كذلك.
ثم قال تعالى : يا حُسين عَلَيّ أنْ أُخبركَ بشئ مَهيب و إنْ كانَ يحزّ في نفسي قوله؛ لكني أنا الله المَلكُ العادل الحقّ المُبين وعَلَيَّ بيانه وهو: إنّ فصول المحنة لا تكتمل حتى يستشهد أصغر جنديّ معك لتكون واقعة الطف و هو إبنك الرضيع عبد الله ليكون واقعة الكون بحقّ.
هنا نَظرَ الحُسين و قد تمالك وجوده المقدس شيئاً من التوجس و التّرقب قائلاً : يا إلهي أ وَ يكونُ ذلك حقاً؟ لأنّ الطفل بكلّ المقايس;لا ذنبَ عليه؟
قال تعالى : إيّ و عزّتي و جلالي, بلْ إنّ أعوان الشيطان سيُقطّعونَ جسدكَ إرباً إرباً و سَيَسْبُونَ حرَمك و عيالك, و سَيَلْقونَ منْ بعدكَ الكثير من الأذي و الغربة و الذلة؟ لأنّ تلك الشهادة ستفصح عن الحق, و هي العَلَمُ الذي سترفعها من بعدكَ أختك زينب(ع).
قال الحسين (ع) رضاً برضاك .. صبراً على قضائك .. لا معبودَ سواك .. إقضِ ما أنتَ قاضٍ, ستجدني إنشاء الله من الصّابرين.
و هكذا قضى الله أمراً كان مقضياً.. يُتبع
الفيلسوف الكونيّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقطة هامة؛ البشر لا خوف ولا تردّد ولا حساب عليه حين يدّعي الأيمان والربوبية وعمل المعروف وهو سهل؛ لكنه عند الأمتحان يختلف الأمر و عادة ما يسقط في الأمتحان العملي, وهذا ما حدث مع الملائكة و الجن و أبينا آدم(ع) .. وهكذا كلّ البشر اليوم.