لمحة تاريخية في نشأة العقائد اليهودية
ادهم ابراهيم
كنت اتسائل دوما عن اصل العبرانيين في مصر قبل مجئ النبي موسى عليه السلام ، عندما كان الفراعنة يسومونهم سوء العذاب ، حتى جاء موسى لينقذهم . 

 وقد تبين لي بعد تقصي طويل ان هؤلاء العبرانيون ، وهم اصل ماسمي في وقت لاحق بني اسرائيل في مصر القديمة ، كانوا من اتباع وجنود اخناتون الذي آمن باله واحد . . وبعد وفاته انقلب إبنه توت عنخ امون على فكر ابيه وعاد إلى  تعدد الالهة ، ولكن قسما من اتباع اخناتون ظلوا يعبدون الاله الواحد في السر ، ورفضوا التخلي عن عقيدتهم التوحيدية . وعلى مر الزمان اصبحوا عبيدا عند الفراعنة لاختلاف دياناتهم ، وفي وقت لاحق نزح آل يعقوب ، وهم اخوة يوسف الى مصر واستقروا بها ، فاختلطوا مع المصريين التوحيديين . وهذه بداية قصة بني اسرائيل في مصر ، حتى جاء موسى ليخلصهم من اضطهاد الفراعنة .

والنبي موسى هو ابن عمران بن قاهت بن لاوى الأخ الحادى عشر لسيدنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام .

وقد أيد هذا الراي أندرو كولينز وكريس أوجيلفي-هيرالد في كتابهما (توت غنخ آمون..  مؤامرة الخروج) *_الذي اكد على أن المقبرة التي وصفاها بأنها أعظم كشف أثري في التاريخ وأصبحت  حديث العالم ، كانت تضم برديات عن خلفيات الصراع الديني منذ عصر اخناتون  حتى الخروج . وقالا (إن الذين خرجوا من مصر كانوا مصريين من أتباع  اخناتون فرعون التوحيد وكهنة مؤمنين بديانة آتون وبعض الآسيويين ) بدون  ذكر لقوم موسى من اليهود . 

وقد اندمج هؤلاء الموحدين وعددهم بالالاف مع بني اسرائيل عندما جاء يوسف واخوته ونزلوا في ارض مصر ومكثوا فيها وكان يقدر عددهم بمائة .

 لقد حكم اخناتون الموحد للاله مصر عام 1351ق.م ، وامتد حكمه نحو 38 عاما . 

اما موسى عليه السلام فقد كان في عهد رمسيس الثاني . وهذا الفرعون هو الذي غرق في البحر بعد اللحاق بموسى واتباعه وذلك عام 1227 .وبعدها ذهب موسى واتباعه الى اطراف اراضي كنعان .

ومن جانب آخر فان السبي البابلي لليهود قد تم علي يد نبوخذ نصر الذي كان حاكما في بابل في العراق القديم ، حيث قام  باجلاء اليهود من فلسطين مرتين؛ مرة في عام597 ق. م.،والمرة الثانية في عام 586 ق.م .

استمر السبي البابلي لليهود مدة سبعين سنة ، تعلم اليهود خلالها من الحضارة البابلية والسومرية الكثير ، ولذلك نرى ان كثير من النصوص في التوراة مشابهة لاساطير وحكايا بلاد الرافدين وخصوصا الحضارة البابلية . 

استلهم اليهود خلال اسرهم في بابل الحضارة البابلية من كل جوانبها ونقلوها إلى تراثهم فيما عدا الاله الواحد . . وقد استمد التوراتيين* فكرة خلق السماء والارض من البابليين على غرار ما جاء في الالواح السبعة حيث كان اللوح السابع من ملحمة التكوين البابلية تصف جلوس الاله مردوخ (وهو سيد الآله) على العرش في القصر الجديد المشيد على الماء . وهكذا جاء في التوراة ان خلق السماء والأرض قد تم في ستة ايام واستراح الخالق في اليوم السابع (اي السبت) . وكلاهما اكدا على غمر الماء للارض في بدء الخليقة . اضافة الى قصة الطوفان المذكورة في الواح الطين في عهد جلجامش وهي اقدم وثيقة دونت عن هذه الحادثة ، ونقلوها الى عقائدهم في التوراة ، الاصحاح السادس من سفر التكوين . فنجد يهوه ، وهو اسم الله المذكور في التوراة ، يأسف لان الانسان يفسد ويعمل الشر في الارض فيرسل طوفان شامل لاغراق الانسان والبهائم والدواب والطيور .

يقول الدكتور بهنام ابو الصوف في مقابلة له ان اليهود عندما اسروا في بابل كانت لديهم قصص وافكار شفهية ، ولم تكن مدونة ، ومن هنا كانت سهولة تضمينها قصص وافكار بابلية وسومرية جديدة . وتم اغناء معتقداتهم بقصة الخلق والثعبان ووجود الشر والجنة وشجرة الحياة والطوفان ، وغيرها .

وهناك وجهات نظر تاريخية من ان الواح موسى المكتوب فيها الوصايا العشر ، كانت سائدة في بلاد الرافدين قبل موسى بفترات طويلة . مثل لاتسرق ، لاتزني ، وهي قيم ثقافية واجتماعية للحضارات البابلية والسومرية .

ومن جانب اخر فان فكرة خلود الروح دون الجسد عند اليهود كانت مأخوذة من السومريين الذين قالوا بخلود الاسم (وهذا ماجاء في ملحمة كلكامش) ، ولم يأخذوا بخلود الجسد التي كانت سائدة عند الفراعنة .

يقول المفكر العراقي الدكتور فالح مهدي، في مقدمة كتابه “البحث عن جذور الإله الواحد”

إن هذا الكتاب سيفكك العهد القديم والتوراة ويعيد ما سرقه اليهود من الآداب البابلية والرافدينية ككل وضموه إلى تراثهم . 

حيث  يورد السيد فالح مهدي في هذا الكتاب قصة الخلق البابلية وقصة الطوفان السومري، ويعمل مقارنة بين أدبا السومري وآدم العبري من خلال قراءة أنثروبولوجية عبر اللغة والمكان والاختبار والسلوك ، يفكك فيها العهد القديم وما جاء بالتوراة ويرجع كل شيء إلى أصله الحقيقي، أي إلى الأساطير الرافدينية بكل وضوح .
ادهم ابراهيم

_____________________________

*_ (ترجم الكتاب رفعت السيد علي وصدرت نسخته العربية عن  مكتبة دار العلوم بالقاهرة ) . 

*توصل الباحثون اليوم الى ان التوراة لم يكتبها شخص واحد وانما عدة اشخاص ، لوجود تكرارفي القصص . كما ان فيها نصوص تتحدث عن صفاة موسى ، وموته ودفنه .