لماذا مشروعنا هو (الدولة الوطنية) ؟.
احمد فاضل المعموري
خلفية تاريخية حول مخاض المرحلة السابقة والراهنة …
الحلقة الاولى …
تجربة الحكم بعد 2003 من قبل الإسلاميين في العراق (الشيعة والسنة ) كانت تجربة مريرة وفاشلة لفسادها والدليل أن احزاب الاسلام السياسي، لم يظهروا بعد استلام السلطة اي منجز على المستوى الشخصي او على المستوى المؤسساتي الحكومي كنموذج يحتذى به في العلاقات أو البناء او الخدمات او التعليم او الصحة او الصناعة او توفير الحد الادنى من متطلبات المعيشة اللائقة والكريمة للمواطن العراقي الذي هو مصدر السلطات في منظومة تشريع القوانين والحكم السياسي بما رسمه الدستور العراقي .
النواب باعتبار ممثلين الشعب والامناء لهذا التمثيل في مجلس منتخب ،ولكن انحراف بوصلة التمثيل السياسي من تمثيل سلطة الشعب في الدستور الى تمثيل سلطة الحزب الاتفاقي بين الاحزاب الكبار ، وحسب حاجة قيادات الحزب (مثل اتفاق حزب الدعوى مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ) مما ولد مشاكل متراكمة على المستوى الداخلي والخارجي وعدم مصداقية الشعب العراقي بالتجربة الديمقراطية وعدم الاستمرار بالمشاركة الشعبية لدوره السياسي ضمن انتخابات تمثل تطلعات المواطن، ضمن برنامج تنمية اجتماعي وعمراني واضح وصادق ومعلن من قبل المشاركين في العملية السياسية والتي جاءت ضمن التعددية الحزبية التي اطلقها الامريكان ليكون برنامج اقناع للناخب العراقي ،وهو حديث العهد بالديمقراطية والانتخابات وصوت يعول عليه في تمكين الاحزاب والعمل لاسترداد الحقوق والحريات المسلوبة .
ولكن مخاض الاحزاب في الاستحواذ على السلطة والمناصب وتشكيل اللجان الاقتصادية للأحزاب المشاركة في العملية السياسية ، قد التي انهكت وافرغت ما يجنيه ويصدره العراق لتكون في جيوب الفاسدين من الشخصيات والاحزاب ضمن صفقات فاسدة ومشبوهة، في ظل عدم وجود برنامج متكامل ورؤية أو الية حقيقية لممارسة دورها السياسي في عملية اعادة البناء ،حيث كان اعتماد هذه الاحزاب على القوة الخارجية التي تمثلت بالاحتلال الامريكي للعراق وفق التوصيف القانوني للحرب الأمريكية للعراق مما وضع الشعب العرقي امام تحدي قبول بالتغير القسري لإزالة الدكتاتورية ونظام الحكم والتي ولدت حروب عبثية وحصار في وعدم وجود مفهوم لإدارة الدولة بشكل صحيح وخلق الازمات في المنطقة والعراق من اجل التخلص من الازمات، فكان خلق الازمات جزء من سياسة النظام السابق والهروب من العقوبات التي انهكت الشعب العراقي وحطمت قدرة المواطن على الصبر ،فكانت ردة الفعل القبول او السكوت بالمحتل من اجل ايجاد حل للازمة العراقية التي طالت في ظل تهميش كل الدعوات والمناشدات من الدول الحليفة والصديقة والمحايدة بالتنحي عن الحكم او ايجاد ترضية سياسية قائمة على المصالح بين الطرفين فكانت كل الردود سلبية ورسائل تعكس ان الصدام الحتمي قائم بخراب هذه الدولة العريقة والشعب الجبار ولم يكترث لمعاناة وهموم المواطن العراقي بعد انكفاء الاحزاب الاخرى العريقة امام اغراءات الاموال والمناصب او عدم وجود احزاب سياسية مدنية حقيقية تعمل في اوساط المجتمع .
حتى المثقفين كانوا مثقفين باتجاه واحد وهو اتجاه السلطة والاخرين مثقفين ثقافة ذاتية لا يستطيعون عكسها على الاخرين ، بل كان هناك الاتجاه الديني الذي استوعب الحركة الشعبية نتيجة الفراغ السياسي الخطير الذي مارسته سلطة النظام الاسبق عندما سمحت بالتحول من سلطة الدولة العلمانية المدنية الى حزب السلطة المؤمنة والذي خضع لأهواء ورغبات سلطة القائد ، عندما استحدث منهاج الحملة الايمانية والانفتاح الديني بعد تشدد لعقدين من الزمن فكانت ساحة الاسلام السياسي (ممثلة بالحوزات والجوامع والحسينيات وحركة رجال الدين لها من الحرية لتنموا على حساب الحركة المدنية الوطنية أذ اخذنا بالاعتبار أن الاديان تأخذ بالامتداد الجغرافي كموطن للشعوب و هي مفتوحة الى الدول الاخرى ، فكانت خسارة المجتمع العراقي ببقاء دكتاتورية حزبية سياسية متصلبة بالرأي وانفتاح على تجربة دينية جديدة في العراق لا يؤمن بها ولا تخدم قضية بناء دولة ديمقراطية منهاجها الفلسفي التعددية السياسية لبناء دولة مؤسسات، وهي تختلط وتتعارض بفكرة الفقه الديني الاسلامي التي هي نابعة من أراء فقهاء الاسلام فكانت هذه الصورة المشوهة في المفاضلة بين ثوابت الاسلام والديمقراطية في الدستور العراقي التي اليوم نحن في مأزق كبير ، فكانت التجربة الدستورية مربكة وظهرت كل عيوبها بعد التصويت على الدستور الدائم ونفاذية مواده اصبح من كانوا اشد المتمسكين به هم من ينادون بضرورة التخلص منه او تعديله وفق ما يضمن مكتسباتهم في هذه التجربة السياسية الفاشلة .
أن أحزب السلطة كانت ولازالت مستمرة بكيفية تغذية مواردها وسياساتها الحزبية على حساب سياسة أدارة الدولة العراقية ، فكان رهانها كيف تدير العراق بقبضة شبيهة بقبضة صدام حسين وتجربة حزب البعث الذي أدار العراق في بداية تسلمه للسلطة وهو لا يتعدى خمسمائة فرد من المنتمين ، ان الأحزاب الاسلامية كان أول رهان سقطوا فيه هو تخليهم عن اعادة بناء العراق وفق التجربة الايرانية التي هي تجربة جديرة بالتطلع اليها وتقليدها وفق منهاجهم لو كانوا صادقين ، وانما اكتفوا ببناء تجربة احزاب سلطة لحكم العراق الذي هو مؤسس منذ سنة 1921 وليس دولة طارئة ، فتوالت الاخطاء من عدم وجود حدود بينهم وبين المحتل الامريكي في البرنامج الى تعاملهم بالأزمات الكبيرة وكأنها تافهة فكأنت ترحيل المشاكل مرحلية من اجل كسب الوقت وهو نفس الاسلوب الذي مارسه النظام السابق بحق الشعب العراقي فكبرت الازمات حتى اصبحت مشاكل غير مسكوت عنها فتفاقمت المظاهرات في مدن العراق المناطق الغربية وقمعت بدون أدارة للازمة فتولدت حركت الاحتجاجات واصبحت وفق المفهوم السياسي ،وانتقلت الى مناطق الجنوب والوسط .ولان السياسة لا تعتمد الصداقات او العلاقات الشخصية وانما مصالح وكانت مع الوقت أزمة تحدي وأزمة وجود مجتمعي وهي قنابل موقوته فتم خلق التيارات المتطرفة والارهابية ( تنظيم القاعدة وداعش ) لتكون الفوضى بديل اعادة البناء والاعمار واحتواء الازمات والتلاعب بالخارطة السياسية للعراق، فكانت حصة المواطن من ثروات وخيرات العراق هي التهجير والقتل والاخرين على اقل تقدير تعينهم منتسبين في الجيش العراقي أو سلك الشرطة مع ان حل الجيش العراقي والاجهزة الامنية والتصنيع العسكري جزء كبير منهم اصبحوا عاطلين عن العمل لا يجدون قوت يومهم فانخرط الكثير منهم الى هذه التنظيمات الارهابية والاخرين كانوا في خدمة الاحزاب وتقربوا نتيجة تقديم الولاء الشخصي على الولاء لبناء العراق، فأصبحت علاقة مافيات فاسدة وارهاب يحتاج الى دولة مؤسسات بأجهزة ومقومات عالية من النزاهة والكفاءة والعلمية فكيف بالعراق الذي هو فتي على هذا التنظيم الارهابي ، فكانت دوامة الارهاب تستنزف ما موجود من امكانياته حتى الدول التي ساعدت العراق في ازمته كانت تدخل بالمزايدات والمساومات السياسية ،حتى الاسلحة المقدمة ليست هبة او هدية او عطية وانما هي ديون على الشعب العراقي ، يدفها بعد انتهاء الحرب او يعطي تنازلات اقتصادية كاستثمارات او سياسات فظهر مفهوم أخر هو مفهوم ايجاد موارد اضافية والساحة السياسية تسمح في ظل تشتت الولاءات والاجهزة الرقابية والامنية على عدة اطراف .
فكان الحل الاقتراض من الدول وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي صناديق محرمة في المفهوم الاقتصادي في ظل واردات العراق النفطية الكبيرة ولكن هذه السياسات مارستها حكومة ما بعد 2007 والسبب مجهول حيث بدأت الاقتراض بمبالغ تافهة رغم الوفرة المالية وصعود أسعار النفط عالمياً ، فكانت المشاكل تكبر رغم الموارد الهائلة فكان العراق سنويا يتراجع بمديونه بحدود عشرين الى خمسة وعشرين مليار دولار، ومشاكل التنمية مستمرة على حساب حقوق الشعب العراقي ، الفساد ، والتخلف ، والانحطاط الثقافي ، والتزوير ، واعلام حكومي بعيد عن الحقيقة ، وظهور مفاهيم جديدة (استهلاك اعلامي )هدفها تحجيم المشروع المدني الوطني ،مثل معارضة سياسية صورية وهي تشترك بالحكم بدون تنازلات ،ورؤساء احزاب وتيارات يمثلون السلطتين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية للتحكم بإرادة المواطن ونهب موارد الشعب العراقي برواتب وامتيازات تفوق الدول الصناعية العشرين على مستوى العالم وهي ممارسات ليست سياسية وطنية انما سياسات حزبية وهي اقرب ما تكون للمافيات السياسية ، ظهور فساد غير مسبوق في العراق ، مافيات غسل الاموال وتجارة المخدرات وتجارة السلاح وتجارة الاغضاء البشرية وتجارة القمار في صالات و الروليت والاستثمار بإجازات وهمية هدفها تبيض الاموال ،ومزاد العملة الفاسد ، والمصارف الاسلامية الاهلية لتدوير غسل الاموال، وبيع المراكز والمناصب للأحزاب الحاكمة و استحداث مناصب جديدة هدفها ترضية احزاب جديدة .
ان إسكات صوت المواطن المسكين بعد أن تظاهر وخرج مطالبا بالخدمات (الماء والكهرباء والعمل )وهي ليست حقوق أو حريات انما واجبات الدولة التي تمتلك ثاني احتياطي في العالم من خزين النفط وهو مرتبط بالتنمية السريعة ،لا نها خاضعة للتطور العالمي في ايجاد بديل او ظهور سياسات تحجم من قيمته العالية خلال السنين القادمة وهناك سباق محموم في هذا الامر من الدول الصناعية. أذا حقوق الشعب العراقي التي لم يحصل عليها هي دستورية في كثير من مطالبه ( العمل حق مشروع م22، حماية الامومة والطفولة والشيخوخة م29/ب ، تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي م30- أولا، وثانيا ، لكل عراقي الرعاية الصحية م31، لكل فرد حق العيش في ظروف بيئة م33، التعليم حق تكفله الدولة م34/اولا، ) والكثير من مواد الدستور الدائم ، فكان العراقي نصيبه التجاهل والتهميش وعدم تلبية مطالبه في ظل هذه الحكومات اما امتيازات النواب والاحزاب فكانت هي التي تشرع وتعطى على حساب المواطن العراقي .
احمد المعموري
Almamori_ahmed@yahoo.com