الواقعية السياسية تحتم على الفاعل السياسي أو المتخصص والدارس في الشؤون السياسية التعامل بلغة الواقع السياسي القائم على الساحة المعنية ، وإستخدام المفردات وطرح الأفكار المتصلة بهذا الواقع ، وذلك لا يعني بالضرورة القناعة أو القبول بالوضع القائم بقدر الإعتراف به على أنه واقع حال مؤقت لا يمكن تجاوزه ، تلك هي ميزة الواقعية السياسية ، التي غالبا ما تستخدم من أجل عبور مرحلة ما أو صناعة واقع جديد مختلف .

تقوم العملية السياسية الفاشلة في العراق على أساس المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب وتشكيل الخارطة الإدارية والإقتصادية والسياسية للبلاد ، وبما أن قدر العراقيين السيئ فرض عليهم هذا الواقع المؤسف ، أذن التفكير ضمن حيثياته وعناصره أصبح من الأمور المفروضة على الجميع في الوقت الراهن ، فوفق المحاصصة تكون رئاسة الوزراء من حصة المكون السياسي الشيعي ، ولا يمكن البحث خارج إطار المكون عن شخصيات لشغل المنصب ، الغريب ان الوسط السياسي الشيعي لم يقدم بديلاً عن حزب الدعوة يتولى مهمة تشكيل الحكومة ،على الرغم من وجود كتل سياسية شيعية اخرى داخل التحالف الوطني والبيت الشيعي ، أبرزها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ، والمجلس الاسلامي الاعلى بزعامة عمار الحكيم ،فما هو السر وراء إصرار القوى السياسية الشيعية على تكليف حزب الدعوة في تشكيل الحكومة رغم فشله الذريع في تقديم أي رئيس ناجح ، بدءاً من الجعفري مروراً بالمالكي وصولا للعبادي ، جميعهم أثبتوا فشلاً ذريعاً لا مثيل له على الإطلاق ، وكانوا سبباً رئيسياً في الإنقسام الطائفي في المجتمع ، وتفشي ظاهرة الفساد بشكل مرعب ، وإستقواء الجماعات الإرهابية بشكل لم يعهده العراق من قبل.

رغم ان حزب الدعوة يضم صفوة السياسيين الشيعة على مستوى التحالف الشيعي ، لكنهم يفتقرون لكاريزما وعقلية رجال الدولة ولا يمتلكون قاعدة جماهيرية مقارنة بالتيار الصدري الذي يستند على قاعدة جماهيرية واسعة تؤهلهم لكسب تأيداً أوسع بين الأوساط الشعبية الشيعية في حال تشكيله للحكومة.

أشارت بعض التسريبات الصحافية إلى ان التحالف الوطني يبحث عن بديل للعبادي لرئاسة الحكومة ، رغم أن لم يتسنى لنا التأكد من صحة الأمر ، لكن على وجه العموم ، يبقى الأمر بعيداً من حيث الحصول على الموافقة الأمريكية على هكذا  مشروع في الوقت الراهن قبيل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ، بينما من الناحية الموضوعية للأمر فهو يمتاز بشيئ من الموضوعية ، إذا ما أقر حزب الدعوة بفشله السابق والحاضر في رئاسة الحكومة ، وعليه أن يكتفي بما قدمه من نماذج فاشله لحكم البلاد وأن يعود لقواعد عمليته السياسية وينزل لرغبة الشارع الصدري الذي أثبت حضوراً فاعلاً توجتها التظاهرات الاخيرة ويسلم رئاسة الحكومة للصدريين ، الذين أثبتوا أنهم الشارع الشيعي الأقوى في الوقت الراهن ، خاصة أن جزءاً كبيراً من الأزمة الحالية بسبب دعوات الصدر للإصلاح!!، لذلك ينبغي على حزب الدعوة وباقي أطراف التحالف الوطني الإقرار بالواقع و قوة الشارع الصدري وتسليم مهمة تشكيل الحكومة لهم.

لا أرى في ذلك حلاً جذرياً للأزمة العراقية الجارية منذ 13 عاماً ، لكن أعتقد أن هذا الطرح يتماشى مع ما هو قائم على أرض الواقع في الوقت الراهن ، متعاطيا معه بواقعية سياسية مفرطة.