لماذا بقي عليّ وحيداً كما أنا اليوم؟

بعد رحيل رفاقيّ؛ يبدو أنني سأبقى أكرّر وحيدأً في غربتي .. ما كان يُكرّره عليٌّ (ع) مع نفسه آخر آيامه حين عجز حتى (أبو الأسود الدؤولي) لأن يُضاحكه رغم تعدد النكات التي كان يأتي بها من البصرة, لذا كان ينفرد في (النُّخيلة) و يمدّ رأسه في ذلك البئر العميق و يصيح من قلبه المُدمّى:

[ما لزمنٍ يُفتقر فيه إلى درهم من حلال و صديق يُرتاح إليه](1). و كان سبب ذلك لكونه (ع) كان صادقاً و واضحاً و شفّافاً في تعامله, لا يصانع غير وجه آلحقّ و لا يهمه حتى لو واجه المتاعب و المصاعب و التهم و كم واجه من آلتّهم حتى نعتوه بآلكفر و النفاق و الكذب و الدجل حاشاه – إلى الحدّ الذي تعجبت الأمّة و بلاد الشام كلها حين قالوا : [لقد إستشهد عليّ في محراب الصّلاة], متسائلين بتعجّب : و هل كان عليٌّ يُصليّ!؟

على بقي وحيداً لسبب واحد لا غير, حيث كان يريد للعدالة أن تشمل ظاهر الأمر و باطنه, بلا غشّ و لا قناع و لا تحزّب و لا مؤآمرات و لا محاصصات لسرقة الناس و غشهم!
لهذا رفضوه و فضلوا عليه المنافق و الكاذب و الزاني و القاتل و الظالم كمعاوية و أسياده و ووووو …… و كما هو الحال آليوم في حكوماتنا و دولنا, حيث لا تريد الأمة و الشعب فيها خصوصا نُخبها من ينادي بآلعدالة .. بل لسان حالهم يقول: [نحن عملنا و نعمل لأجل إسترداد حقوقنا التي نهبت من الحاكمين؛ قلت لهم: و هل تريدون تطبيق العدالة .. قالوا .. كيف و كل الدلائل تشير إلى أننا سنحكم .. و حين أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الحكم ؛ تريدنا أن نطبق العدالة!؟
هذا ضد العدالة!!
قلت إذن ستكررون فعل الفاسدين؟
لا خيار لنا في هذا الوضع سوى الفساد .. إنظر و تأمل أخي الكوني .. كيف إن العدالة تبدلت معناها بسبب مسخ قلوب و عقول العراقيين و الناس إلا ما ندر!؟

عليٌّ (ع) حين إستلم الحكم كان قد تغيير كلّ شيئ حتى السنن و العبادات الشكلية ناهيك عن تلك المتعلقة بآلمال و الحكم و القضاء و الأملاك و كل ما يتعلق بآلبطن و ما دونه, لذلك ورث ألأمام تركة ثقيلة حتى ترجى من المسلمين أن يتركوه لحاله ليكون لهم وزيراً خيرا لهم من أمير!

لكن الناس – و للأسف لا يدركون الحقائق خصوصا النّخب منهم .. إلا بعد فوات الأوان و خراب البلاد .. لاجل أرباح سريعة و رواتب مضاعفة لأشباع بطونهم و ما دونها على حساب المشاريع و الأرباح الكبيرة و المستقبل الزاهر حتى الآخرة, لأنهم لا يفكرون سوى بأنفسهم.

كان على الدّوام أيام تواجده في (الكوفة) العاصمة يعيش مع الناس كأي فرد في المجتمع لا إمتيازات و لا جكسارات و لا حمايات و لا ولا .. بل راتب كراتب أيّ مسلم فقير أو يهودي أو مسيحيّ أو كافر يعيش بظل الدولة, صادف يوماً أن مرّ بسوق الكوفة, فرآي تلميذه البار (ميثم التمار) الذي كان مختصّاُ بوكالة و بيع التمور .. رآه و هو يُرتّب و يُصنّف نوعا من التمر في دكانه, و كان يبلل كفاه في كل مرة كي يسهل عملية العزل و الترتيب و التنظيف مما كان يبقى شيئا من ماء يديه على التمور فيُلمّعها و كأنها جُنيت للتو من النخل, فكان شكله البرّاق يغري ناظر المشتري!!

و حين رآه عليّ(ع) .. حَذّرهُ من إستخدام الماء ثمّ مسّ التمور و هي مبللة , لأنه سيوهم المُشتري بأنه تمرٌ طازج تمّ قطفه قبل ساعة .. لا أيام فيبيعه بثمن أغلى من ثمنه الحقيقي و بذلك يُلّوث لقمته بآلمال الحرام!!

شهيد العاصمة (ميثم التمار) قال لأمامه و خليفته و رئيس 12 دولة إسلامية وقتها؛ يا مولاي أنّما أبلل يداي كي لا تلتصق التمور بها و كي أسرع في إنجاز العمل براحة .. و لم تكن نيتي الغش أو إيهام المشترين بما تفضلت!!
أجابه الأمام: ألنية لا قيمة لها حين يكون نتاج عملك غش الناس و الكسب ألحرام في الواقع!؟

قال شهيد الكوفة (ألتّمار): سمعاً و طاعة يا مولاي, و آسف على ما سبق.
هذه عدالة الأسلام ألعلوي ..
فإين منها علماء الأسلام اليوم .. ناهيك عن ألعوام وآلدّعاةو المتحاصصين .
ألفيلسوف الكونيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد في نهج البلاغة .. كما ورد عن رسول الله(ص) بنفس المعنى تقريباً: [أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من حلال]. تحف العقول: ٢٤٧ و ٥٤ و ٣٦٨.
– و عنه (ص) أيضاً: [يأتي على الناس زمان ليس فيه شئ أعزّ من أخ أنيس و كسب درهم حلال]. تحف العقول: ٢٤٧ و 54 و 368.

محبتي لكم يا أستاذنا العزيز .