كيف صرنا “نذكر مساوىء موتانا” من دون محاسنهم ؟ّ!

احمد الحاج
كنا والى وقت قريب”نذكر محاسن موتانا”ونحجم كليا عن ذكر مساوئهم صغرت تلكم المثالب أو كبرت ، وذلك فور سماعنا بوفاة أحدهم سواء أكنا نحبه أو نبغضه ، نتفق معه أو نختلف ، نعرفه عن كثب،أو نسمع به ونسمع عنه،وذلك إمتثالا لما توارثناه عن أبائنا وأجدادنا كابرا عن كابر ومصداقا للحديث النبوي الشريف”لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا الى ماقدموا”ثم مالبثت أن تداعت أحوالنا،سفهت أحلامنها،إنهارت بعض قيمنا،تلاشت بعض تقاليدنا،تبخرت بعض أعرافنا ، تسافلت بالتدريج مثلنا أسوة بطباعنا، فقست قلوبنا ، وطالت ألسنتنا وصرنا”ننعى موتانا ولكن من دون أن نأتي على ذكر أي من محاسنهم على الاطلاق عمدا لاسهوا !”، ليهوي بنا الحال بمرور الأيام الى مهاو أخطر بكثير وماكان ينبغي لنا أن نهوي فيها،وبتنا”نذكر مساوىْ موتانا من دون المرور ولو عرضا على محاسنهم بدءا من مجالس العزاء المقامة للتعزية بالمتوفين مرورا بالقسام الشرعي فتقسيم الميراث وليس انتهاءا بمجالس الغيبة والنميمة والسمر المقامة يوميا لتناول لحوم من نعرفهم ومن لانعرفهم من البشر فنهديهم من حسناتنا القليلة ما لانقوى على إهدائه لهم مجانا ، لنأخذ مقابل ذلك من سيئاتهم الكثير، وربما الكبير ايضا !” ولسان حالنا يتمثل قول الشاعر :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا … مني وما سمعوا من صالح دفنوا
وكأن واقعنا وعلى خلاف ما توارثناه صار يندبنا ويدفعنا ويشجعنا ويدعونا وعلى النقيض من سجايانا الماضية الى التلوث بالرزايا التي أشار اليها وحذر منها أجدادنا قديما :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به … وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا !
وصار شعارنا وبخلاف السابق هو ” اذكروا مساوىء موتاكم ” بدلا من تلك التي تربينا عليها وأرضعنا اياها صغارا “اذكروا محاسن موتاكم”، وتأسيسا على ذلك أنصح نفسي أولا ومن ثم كل من يقرأ هذه السطور ثانيا بأن نذكر محاسن موتانا فقط لاغير،أو أن نصمت على الأقل ونكتفي بالنعي فحسب من دون التطرق الى أمر يسيء الى المتوفى والى سيرته المهنية والعائلية بما يحزن أهله ومعارفه وأصدقاءه ويحز في قلوبهم،أقول ما قرأتم آنفا لأن وصمة سب الأموات والطعن فيهم والتشفي بموتهم آخذة بالتغول والاستفحال،ولعل ما تطرقت اليه بعض المواقع بحق الخبير القانوني طارق حرب، الذي وافته المنية فجر الاربعاء بأزمة قلبية حادة أثناء نومه ليفارقنا عن 77 عاما قد أزعجني كثيرا وبالآخص أن تهجم تلكم المواقع عليه كان بطريقة فجة ، وقحة ، غير مؤدبة ، لإختلافها في بعض وجهات النظر معه ولاسيما في القضايا القانونية والسياسية والدستورية التي كان يطرحها ولعل من أبرزها “موقفه من حضانة الأبناء وضمهم الى أمهاتهم بدلا من الاباء ” وجل من لايسهو ومن لا يخطىء،وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه،فلاتكونوا كالذي قيل فيهم قديما :
إن يعلموا الخير أخفوه وإن علموا … شراً أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
في 15 ايلول من عام 2020 تحديدا إتصلت على الخاص بالخبير القانوني طارق حرب ، واستأذنته بأن يطلعنا متفضلا على جانب من موسوعته “التراث البغدادي ” وذلك بعيد أن زف الخبير القانوني والباحث الموسوعي العراقي الاستاذ طارق حرب،الى قرائه ومتابعيه ومحبيه خبر صدور الجزء الرابع من “موسوعة التراث البغدادي ” في 1000 صفحة ، وأزعم بأن هذه الموسوعة لما تضمه بين دفتيها من كم هائل من الأماكن والأحداث والوقائع والتأريخ البغدادي ستتخطى موسوعة الدكتور علي الوردي في لمحاته الاجتماعية من الناحية التأريخية والجمالية والسردية ، وان كانت دونها من الناحية التحليلية وقد اقترحت عليه رحمه الله تعالى أن يفسر لنا ملابسات الأحداث ودوافعها ونتائجها وحبذا لو كان ذلك في مقدمة تمهيدية نقدية موضوعية وتحليلية لتفسير مجريات التأريخ البغدادي على منوال مقدمة ابن خلدون ، ولا أدري إن كان قد إقتنع رحمه الله تعالى بما إقترحته عليه وأخذ به، أم لا !
حرب أشار يومها الى،أن“الجزء الخامس والأخير من الموسوعة قد اكتمل وهو في طريقه الى الطبع والنشر قريبا لتكون الموسوعةً بذلك في خمسة الاف صفحه من القطع الكبير”.
وقد حصلت منه رحمه الله تعالى على وعد أولي بإجراء حوار شامل معه بعيدا عن القانون وعن السياسة كليا لينحصر الحوار فقط في الجوانب الثقافية والاجتماعية والفلكورية والتراثية العراقية لحساب ” مجلة الكاردينيا” العراقية التراثية المعروفة الصادرة في سويسرا وقد رحب كثيرا في المقترح مثنيا على المجلة وأسرة تحريرها وكتابها وكل القائمين عليها ، كما استأذنته نشر بعض مقالاته المنشورة على صفحته في موقع التواصل في بعض اعداد المجلة وقد اذن لي بذلك ايضا وقد تم النشر فعليا ،الا أن انكبابه لتأليف الجزء الأخير من موسوعته الاجتماعية عن بغداد ،فضلا عن كثرة مشاغله ولقاءاته الاعلامية المتواصلة من دون توقف وفي كل وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة دفعة واحدة ، حالت من دون اجراء الحوار لعدم التفرغ ولاسيما ان الحوار وكما اتفق عليه بعيد كل البعد عن السياسة واروقة القضاء والقانون الذي يعشقه ويستضاف في وسائل الاعلام لأجله في كل مناسبة أو أزمة سياسية عاصفة تقلق الشارع العراقي ليطلع الجمهور الكريم على التفسير القانوني والدستوري لهذه القضية أو تلك بما عرف به من اطلاع واسع يكاد أن يتفرد به على معظم القوانين والكثير من الدساتير وموادها وفقراتها !
ومن الجدير ذكره،ان “موسوعة التراث البغدادي ،والتي يتابعها القراء بشغف كبير وإهتمام أكبر لما تتناوله من أحداث ولما تسلط عليه الاضواء الكاشفة من وقائع تأريخية حافلة تمتد من العهد العباسي وحتى نهاية العهد الملكي في العراق ،تمثل جهدا كبيرا وغير مسبوق عراقيا ولاعربيا في مجاله وتخصصه ومناط بحثه وبأسلوب شائق ماتع يكاد لايذهل عن كل شاردة وواردة وبطريقة السهل الممتنع الذي لايخلو من روح الدعابة المحببة للقراء عموما والبغادة منهم على وجه الخصوص “.
وكان الباحث والخبير القانوني طارق حرب ،قد اشار الى،ان”الحفاظ على التراث ضرورة أساسية للشعوب التي تسعى لتحقيق ذاتها الحضاري، وإثبات هويتها في ماضيها وحاضرها”، مبينا،ان “الموسوعة صدرت على التوالي بعناوين مختلفة هي (منمنمات بغداد) و(حوادث بغدادية) و(حكايات بغدادية) و( وقائع بغدادية)”.
رحم الله تعالى الباحث الموسوعي ورجل القانون طارق حرب واسكنه فسيح جناته والهم ذويه الصبر والسلوان . اودعناكم اغاتي