عبد الحاج حمود الكناني  
تقع محلة البوحيات (آل حيات) في منطقة المربعة والحاج فتحي، وتطل على نهر دجلة الخالد، هذه المحلة سكنها (آل حيات) وسميت بأسمهم لكونهم شكلوا اغلبية سكانها.. وقد أدت حملة علي رضا اللاز وقيادته للجيش العثماني، ضد الوالي داود باشا الذي اعلن استقلال العراق عن الدولة العثمانية متأثراً بخطى محمد علي باشا في مصر، أدت الى ابادة سكان هذه المحلة وتشريد اهلها في أنحاء البلاد،

 وكذلك في بلدان العالم، ورافقت الحملة كوارث طبيعية اسهمت في أندراس هذه المحلة التي قام بحرقها علي اللاز، انتقاماً من سكانها الثوار الذين عشقوا الحرية، ونبذوا العبودية للمستعمر العثماني، وساندوا الوالي داود باشا في دعوته الانفصالية، والأستقلال بالعراق عن سيطرة الدولة العثمانية. 
رافقت تلك الحملة الشرسة كوارث منها فيضان نهر دجلة  وغرق المدينة، وأنتشار مرض الطاعون الذي فتك بالآلاف.
لقد واجه سكان محلة البوحيات، المنحدرين من قبيلة (آل حيات)، وهي احدى القبائل العراقية ، وتتوزع في ثلاث مناطق رئيسة في العراق هي: الانبار (حديثة) موطن القبيلة الاصلي، والبصرة حيث لجأ اليها الذين هربوا من بطش الجيش العثماني واصبحوا من المجاميع المهمة والكبيرة في المحافظة. 
وبغداد حيث بقي من ظل منهم وأختبأ بين المحلات البغدادية.. وهي قبيلة أصيلة وكريمة لها جذور عميقة في التأريخين العربي والاسلامي.. 
وقد تيسر لي أن اتناول طعام العشاء في مضيفهم في منطقة حديثة، مع مجموعة كبيرة من الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية والأجتماعية والأعلامية والسياسية، أثناء أنعقاد ندوة (حديثة في التاريخ) التي نظمها مركز احياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد بالتعاون مع قائممقامية قضاء حديثة عام (1998). وشارك فيها جمع كبير من وجوه واعلام البلد الكبار، من بينهم العلامة المرحوم الدكتور حسين علي محفوظ، وشيخ المؤرخين

(شخصيات واعلام) 
الدكتور حسين أمين والشاعر علي الحيدري، والدكتور صالح الهاشم والاستاذة نبيلة عبد المنعم والدكتور حسن العبيدي والدكتور طارق عبد الوهاب مظلوم، وغيرهم وقد تسابقت وتنافست قبائل المنطقة الغربية الاصيلة وقتها على تضييف الوفد القادم من بغداد على مدى ثلاثة ايام طوال انعقاد الندوة، ولكن القرعة كانت لصالح قبائل الجنابات وآل حيات وآل جعفر والبونمر والآلوسيين وكانت الليلة الأولى في مضيف الشيخ محمد الجنابي مع وجبة الغداء.. ووجبة العشاء في مضيف آل جعفر، وكانت وجبات الغداء لليومين الأخرين في مضيفي البونمر والآلوسيين. في حين كانت وجبة العشاء لليوم الثاني في مضيف (آل حيات) في مرابعهم التي تبعد مسافة (20) كيلومتراً عن مركز القضاء.. وكانت  أمسية لا تنسى امضاها وفد بغداد مع أهالي حديثة في ديار آل حيات، حيث كانت وجبة عشاء فاخرة تخللتها أجواء لطيفة. وقد تعرفت على العديد من رجال هذه القبيلة التي يطلق البعض عليها (الحيانيين) بالنون، والبعض الآخر يسميها (آل حيات) بالتاء، حتى قيل ان منطقة الحيانية في البصرة تنسب اليهم، لوجودهم الكثيف في البصرة. وكان أحد أبنائهم محمد الحياني محافظ (متصرف) البصرة سابقاً، وقتل مع الرئيس عبد السلام محمد عارف في حادثة الطائرة الشهيرة، ومن بين الشخصيات التي توطدت بيني وبينه علاقة طيبة، وتحدث لي كثيراً عن قبيلته وأجداده، ومحلته السابقة، الباحث عبد الكريم الملا نوشاد خلف الحياتي، والذي ذكر أن اجداده توزعوا في بقاع العالم، وقد تميز واشتهر الكثير منهم في مجالات مختلفة ومتعددة، ويفتخر انه من هذه القبيلة، حيث هو الآخر قد تميز باشياء عديدة في حياته، فقد اثره الملك فيصل الثاني حينما رفع له يده عند زيارته البصرة، وكان مع مدرسته عام (1952) ثانوية العشار، وظل ينظر اليه حتى ابتعد موكبه عنه من خلال سيارته المكشوفة وأهداه الدكتور هاشم جواد وزير خارجية العراق صورته مذيلة بتوقيعه مع رسالة عام 1961. وكان من المتقدمين في الدورة الانكليزية المتقدمة لمعلمي العراق والتي اقيمت في كلية بغداد، حيث حصل على الدرجة الأولى على معلمي المنطقة الجنوبية، والثاني على بغداد عام (1965) واصبح في جبهة جديدة، ساحتها العتاب والورق وأدواتها القلم والمبراة..

(مناصب رفيعة) 
وتبنى مشروع أحياء ذكر محلة البوحيات، محلة اجداده الذين احد احفادهم اصبح مديراً لشركة فورد للسيارات والبطل الحسن بن علي بن حيات الذي رد الجموع بمفرده، والذي احتوى اطفال شهداء السادة الحسينية في منطقة الجربوعية- الهاشمية- الفاقدين آباءهم وسماهم أبناء وبنات الحسن بن علي السويقي المدني الغائب، فزرع الثقة في قلوبهم بعد يأسهم بسبب مصائب الحرب من مواقع مضارب خيلهم في الكويت والزبير والبصرة والحلة. وبعضهم يسكن محلة الرحمانية في بغداد، ومحلتي بنات الحسن، والسيد ملا حسين العلاج المنصور الحياتي من حماة ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني (قدس سره). وامير الدين الحياتي شيخ الاسلام والمبرة السلطانية للأيتام في عهد السلطان. والشيخ أبراهيم الحياتي الحنفي الاعظمي الذي رحل مع اخيه محمد الى بلاد الروم (تركيا). 
والسيد احمد افندي الحياتي الحنفي شيخ المدرسين في أبا صوفيا. 
وقاضي قضاة المسلمين في دار السلطنة والبوسنة وحلب ودمشق الشام وبغداد دار السلام، والذي افتخرت السلطنة بنسبه – ومن طلابه وتلامذته الصدر الاعظم ضياء باشا، والشيخ  محمد البرزنجي، والشيخ البار عثمان بن سند الوائلي الغزي البصري الذي قال: هو العلوي الذي علا في عصره كالشمس، والفاطمي الذي فطم النفس.. 
ومصطفى فيضي الحياتي، رئيس اطباء السلطنة.. 
والسيد المولى محمد امين الحياتي شيخ الأسلام العام في دار السلطنة وقاضي قضاة المسلمين في دمشق ومكة ودفن في دمشق الشام.
وقد عمل على تثبيت الحقائق التي تتعلق بالمحلة وأثارها الباقية المتمثلة بمسجد الامام ظهير الدين الحسيني، والذي يحوي أديمه الطاهر سيف الحسن بن علي. 
ودافع عن تاريخ المحلة واوقف محاولة استغلال المنطقة المحيطة بالجامع لبناء عمارة تجارية من قبل أمانة بغداد، بعد أن استطاع مع قريبه المرحوم محمد عليوي الحياني ، اخراج الوقفية الخاصة بالمبنى والارض من وزارة الاوقاف السابقة .. 
وهو يستذكر تاريخ المحلة وتلك الواقعة التي فتكت باجداده زمن داود باشا، حيث ذكرت في كتب التاريخ، بانها كيوم القيامة، اذ تفسخت الجثث وملأت الشوارع، وكانت اجزاء الجسم تنفصم عن الجسد بسهولة، بفعل الحرب والفيضان والمرض. لقد طوق الجيش العثماني تلك المحلة الثائرة والتي امتدت شرارة ثورتها الى المحلات البغدادية الاخرى، وشاركت في الانتفاضة وناصرت الوالي داود باشا الذي احب العراق واهله ، وأراد أن يحقق الحرية لهم في دولة مستقلة عن السيطرة العثمانية. غير ان بعض العشائر التي تقطن مناطق تحيط ببغداد ساندت القوات العثمانية، وجرى فرض حصار على مدينة بغداد ادى الى استسلام داود باشا مؤثراً مصلحة الشعب العراقي على مصالحه في الاحتفاظ بالحكم. وقد احبه الشعب كذلك لأنهم وجدوا فيه الأمانة والغيرة والصدق والاخلاص. وعرفوا أنه عدو الانكليز.

(دعوة للاهتمام) 
لقد قدم الباحث الحياتي كماً جماً من المعلومات عن تلك المحلة المنكوبة عرفت بمآسيها ومتاعبها ومصيرها الأسود على يد علي رضا اللاز القائد العسكري العثماني. ونجح في تنقيباته في المصادر التاريخية في اصطياد ما يتعلق بآل حيات ورجالهم ومواقفهم ودورهم في تاريخ العراق الحديث، وهو بذلك خدم التاريخ والحقيقة الضائعة والتي جعلت بعض المؤرخين يتعمدون عدم الاشارة الى تلك الفاجعة المروعة، او يهملون ذكرها لغاية في نفس يعقوب، مما حرفوا المتابع والمهتم من فرصة لمعرفة مجريات الاحداث في القرن الثامن عشر، لاسيما الحقبة التي سبقت سقوط الدولة العثمانية.. 
ونقول: يجب على المؤرخ ان يتجرد من تبعياته ومرجعياته وحتى طائفته ودينه حين يتناول تلك الحقبة المهمة من تاريخ العراق.. 
ويجعل من الحقيقة ديدنه وهدفه لاجل ان تكون دراسته ذات قيمة وتأثير. وعلى الجهات الفنية والثقافية والادبية، تقع مهمة تحويل النقاط المضيئة في تاريخ البلاد الى اعمال فنية راقية. 
تتوفر على نزاهة النص، ومصداقيته، وأداء ممتع ورائع، وتأثير فكري وسياسي على الجمهور والفعاليات الأخرى.. وتكون وثيقة مهمة، وتسجيلاً لمجريات واحداث تلك الحقب والدهور..