كلهم غربان …فلا يعيرن أحدهم الآخر بالحرب في بلاد الأوكران !!

احمد الحاج
بمتابعة فاحصة ومتأنية لأفلام الكاوبوي والغرب الاميركي المتوحش وتوجس الرسائل المبطنة التي يراد ايصالها الى المشاهدين لتشكيل وعي جمعي منحرف ومنحاز ومسيس ومقلوب رأسا على عقب يرى جنة الدجال نارا وناره جنة ، الامين خائنا والخائن امينا ، الكاذب صادقا والصادق كاذبا ، المحتل محررا ، والمدافع عن ارضه ووطنه وعرضه وماله وشرفه ودينه محتلا ، سرعان ما ستكتشف الطريقة التي يفكر بها الكاتب والسيناريست والمخرج والمنتج والمصور فضلا على جمهور النقاد والمشاهدين .
فبطل الفيلم في جل افلام الكاوبوي تقريبا وكنت متابعا نهما لها ، عبارة عن وغد لقيط قذر سكير ورعديد ولص محترف غير متدين ولايؤمن بشيء ما ان يترك امراة عابرة سبيل حتى يخادن أخرى ، الا أنه ومع كل هذه القذارات وتلكم الموبقات فإنه رجل شريف – هكذا يراد تسويقه عالميا – يدافع عن حقوق الانسان ويحرص على قتل الهنود الحمر وسلخ فروات رؤوسهم ، وكذلك يفعل بالمكسيكيين اصحاب الارض ، والاخيران هما ايقونة الشر في أفلام الويسترن ولن تجد هنديا ولامكسيكيا صالحا فيها قط …الصالح منهم فقط هو ذاك الذي يتعاون مع الاميركان ضد ابناء جلدته ويدل عليهم فهذا مكسيكي او هندي تائب ، مثقف ، متفهم ، سائر في ركب الحضارة الغربية بخلاف بني جلدته فكلهم متخلفون شريرون اوباش – مع ان الهنود هم اصحاب الارض التي اغتصبها الباحثون عن الذهب واللاهثون خلف الفرو والارض الجديدة اضافة الى المهاجرين الاوربيين ومعظمهم من اللصوص وقطاع الطرق والفتلة وسقط المتاع الفارين من اوربا خلال الصراع الدامي بين البروتستانتية والكاثوليكية ايام محاكم التفتيش وتهمة السحر المسلفنة ، وتهمة الهرطقة المبيتة سيئة الصيت والسمعة لـ- علس – كل من لايتوافق مع الملك وحاشيته وطائفته ، كذلك الحال مع المكسيكيين بقبعاتهم العريضة فجلهم اشرار يتوجب سحقهم حتى انني بقيت ولأيام عدة حزينا على نهاية ” ديفي كروكيت ” وهو بطل سير شعبي اميركي لايختلف عن بقية الابطال الورقيين – المصنوعين والملمعين سينمائيا – قتل داخل حصن الامو في واقعة حقيقية جسدتها السينما الاميركية لاحقا بفيلم ضخم بطولة جون وين ،انتج عام 1960 ليعرض في السينمات العربية – تعرف احنه بكل شيء في اخر العالم – فترة السبعينات ليظهر المكسيكيين اصحاب الارض على انهم المعتدون وان كروكيت هذا وزمرته هم المدافعون عن الحقوق السليبة ..والعكس هو الصحيج تماما !
ولكم كنا سذجا حين كنا نطيل التصفيق ونطلق العنان للصفير داخل سينما الخيام او غرناطة او اطلس او سميراميس ونحن نشاهد افلام السباغيتي ويسترن مع كل هندي احمر تسلخ فروته على يد الكاوبوي الاميركي – الشررررريف جدا ..والمتعووود دايما – لتتتواصل السذاجة ازاء المكسيكيين وشخصيا كنت اصرخ بأعلى صوتي من الطابق الثاني مع علمي بأن الكاوبوي الشريييييف جدا لن يسمع ” دير بالك يمعود ..اجوك من وره …اطلع يمنه ..روح يسره ..يمعود اضرب ..لك وين الحصان ؟!” .
كنا ولسذاجتنا نفرق بين حرامين فنمدح الاول ونباركه ونثني عليه خيرا ونصفه بأنه حب راق وعلاقة مقدسة ، فيما نحتقر الثاني ونهجوه بشدة ونصفه بأنه نتن ومدنس ..فعندما كان بطل الفيلم يخادن امرأة ساقطة بالحرام فهذا بنظرنا ” حب حلال ” لأن البطل راضي ، والقاضي راضي ، والقس راضي ،والبطلة مقتنعة بالموضوع ،وصاحب الحانة يوزع المشروبات الكحولية مجانا احتفالا بالمناسبة ، وصديق البطل يعزف على الجيتار لتهيئة الاجواء الرومانسية للبطلين في الارض الخلاء وتحت ضوء القمر ،فمالها وما لنا الناس ؟! بخلاف العلاقة الاثمة بين زعيم العصابة وساقطة اخرى لأن هذه كبيرة ، وفعل محرم ، يجب ان نغض ابصارنا عنها ، ونحذر الناس منها لأنها تغضب الرب ..كذلك الحال مع القتل ” فقتل الافارقة والهنود الحمر والمكسيكيين في افلام الكاوبوي ، وبعدها الفيتناميين الشماليين ، واليابانيين ، والالمان الشرقيين أيام جدار برلين ، والكوريين الشماليين ، والكمبوديين في افلام هوليوود الحربية حلال حلال حلال ..اما قتل البيض والكوريين الجنوبيين والبريطانيين والفرنسيين والفيتناميين الجنوبيين والالمان الغربيين في السينما فهذا حرام حرام حرام !
واذكر انني بلغت ذورة سذاجتي حينها حين شجعت قوات التاج البريطاني في فيلم الزولو ضد الافارقة المساكين المدافعين عن بلدهم وارضهم بعد غزو البريطانيين لها …ويوم عرضه في سينما سميراميس وملأت السينما صراخا على طريقة ” يمعو اجوك من وره ..لك انطوا سلاح …لك لا ..قد مات الجنرال البريطاني الذي قتل كذا الف افريقي في ارضه ..شهيدا يا ولدي!” تصور اننا كنا يومها نتعاطف سينمائيا بتأثير – غسيل العقول الهول يهودي – مع اكبر سفاح اميركي الجنرال جورج أرمسترونغ كستر الذي اباد مئات الهنود الحمر ظلما وعدوانا لأجل عيون ” منجم بلاك هيلز ” للذهب في مونتانا لأن السينما الاميركية كانت تظهره بمظهر البطل القومي والانساني المدافع عن الحريات والمناهض للاوباشيات ليتبين لنا بأن العكس هو الصحيح …وان ” عرب وين ..وطنبورة وين !” .
بالمقابل فإن من يتابع الافلام الروسية ايام الحقبة السوفياتية سيجدها تفيض انسانية واشتراكية وتضحية وعذوبة – وانتوشكا – حيث الكل يخدم الكل ويساعده – وكلها كذب في كذب – ستالين لوحده قتل وتسبب بمصرع أكثر من 50 مليون انسان بين 1927- 1953.، واعدم كل الضباط البولنديين بعيد استسلامهم ونفى الشعب الشيشاني الى سايبيريا ..كل الجوامع في ارجاء هذا الاتحاد المقبور قد حولت الى خمارات ومراقص وملاه ليلية فيما تم هدم 10000 مسجد بعد رفع شعار ” الدين افيون الشعوب ” حتى ان نسخة وحيدة للقرآن الكريم ظلت محفوظة في احد الكهوف لمن اراد قراءة القران الكريم او الاستماع اليه وهو يقرأ بلسان من يجيد قراءته لأن اللغة العربية منعت تماما كذلك الاذان وتلاوة القرآن وقد تم هدم 14 الف مدرسة اسلامية وقرآنية ، فظل هذا المصحف محفوظا داخل كهف مهجور في احدى الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي المقبور وعددها 15 جمهورية ، ست منها اسلامية ، وكان الحج محرما كذلك الصلاة وصوم رمضان والحجاب ..!!
اليوم يتكرر المشهد فهذا بايدن يعير بوتين بإختلال اوكرانيا وغزوها وتدميرها وحصارها ، ليرد عليه بوتين ويعيره بغزو واحتلال وتدمير العراق من قبل بذرائع واهية ، وأخال أن بايدن سيرد ليذكر بوتين بتدمير سوريا وقبلها الشيشان ، ليرد عليه بوتين ويذكره بإحتلال وتدمير فيتنام والصومال وافغانستان …ليرد بايدن فيذكره بجرائم السوفييت في جورجيا واذربيجان وطاجكستان واوزبكستان وتركمانستان وتجاربها النووية هناك ، ليرد بوتين ويذكره بجرائم اميركا وقنبلتي هيروشيما ونجازاكي الذريتين في اليابان ..ليرد سباكيتي معكرون ويحذر من جرائم روسيا في اوكرانيا ، فيرد بوتين ويذكره بجرائم فرنسا النكراء في كل من المغرب والجزائر وتونس وسورية ولبنان في الوقت الحالي وايام زمان ، ليرد جونسون على بوتين ويحذره من جرائم الروس في كييف ، فيرد عليه بوتين ويذكره بجرائم بريطانيا وتاجها الوهمي في الهند والباكستان ، في العراق ومصر والسودان ..ليرد المستشار الالماني داعيا الى تطبيق مبادئ حقوق الانسان ..فيرد عليه بوتين قائلا له ” اكلب شيشة ، ملك عيشة ” ويذكره بجرائم الالمان ايام الرايخ الثالث وهتلر في بولندا والنمسا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا والنرويج وهولندا واليونان ..ليرد الرئيس الايطالي سيرجيو مرتديلا ..عفوا “ماتاريلا” ويحذره من مغبة الاعتداء على المدنيين الاوكران وترويعهم والحرص على مغادرتهم البلاد بامان فيرد عليه بوتين بعد ان يحذره قائلا ” صحيح انت ايطالي تعشق الطعام والاناقة ، بس حاليا مالك علاقة بالسباكيتي ولا بأدوات الحلاقة ” ويذكره بجرائم يشيب لهولها الولدان ارتكبت في كل من ليبيا والحبشة و بدم بارد بقيادة موسولويني على يد ..الطليان !
الخلاصة التي اسوقها الى الشعوب العربية هي انه ” لافرق بينهم اطلاقا وتأريخهم الدامي والاستدماري الاسود لاتكفيه عشرات ، بل قل مئات المجلدات الموثقة بالخرائط والمصادر والصور ” فلايضيفن العرب الى خلافاتهم التي لاحصر لها خلافا جديدا حتى انك بت ترى مواقع تؤيد بوتين والروس ، ومواقع تؤيد الاميركان والاوكران …واكتفوا بالحديث عن خلافاتكم المستهلكة المعتادة والتي ملت الاجيال سماعها لكثرة ترديدها كالببغاء في كل وقت وآن .اودعناكم اغاتي