محمد خليل :

 

تحليل مستقبل الانتماءات والهويات أمر بغاية التعقيد والصعوبة، وذلك من حيث الوسائط والظروف والإمكانيات المتاحة في عصر العولمة الذي غير مفهوم الهوية سطحياً وليس ضمنياً والذي لم تتّضح ملامحه بعد، ما إذ كانت إيجابية إم سلبية.

فعندما نناقش مفهوم الانتماءات والهويات، فيجب علينا ألا نهمش دور الصراعات والحرب الدينية والتوسعية، التي ُتعقد من تركيبة الهويات أكثر فأكثر، وتَخَلَّق هوية جديدة متماشية مع الوضع من حيث الشمولية، كالهوية والانتماء الديني في الشرق الأوسط.

لذلك فالنزوح والهجرة المستمرة من الشرق إلى الغرب، تعكس سلباً على انتماء المهاجرين وتهشم العلاقة المختلة مسبقاً بينهم وبين انتماءاتهم،

أما الباقون في هلع الحرب والموت، فربما لم تسنح لهم الفرصة او الإمكانية لمغادرة أوطانهم والعيش في ظلّ العدالة الغربية بانتماء ضائع وهوية مركبة،

فالبعض يحاول تقوية خطوط الانتماء بالأرض والهوية وبروزه الفكرة بإطار التضحية والصمود، طبعًا لا أشك أبداً بإخلاص البعض لهذه الفكرة ولكن من حيث المضمون، لا أعتقد أيضاً أن جميع الكائنات الحية وخاصة البشر مستعدين للموت، فالرغبة في الحياة فطرة وليست قرار، وخاصةً في عصر تكنولوجي ينقل صور نعمة الحياة بجميع جوانبها الإنسانية والمادية ومفهوم الحرية في العالم وخاصة في الشرق التي تحاول بناء كيان مجتمع ديمقراطي.

هناك سؤال محير، ما مدى قابلية الأفراد من المجتمع الشرقي في الاندماج في المجتمع الغربي، المختلف تماما اجتماعيا وحياتياً وخاصةً دينياً؟

مثلاً أنا أعيش في دولة لها تجربة عميقة مع هويات وقوميات مختلفة نسبياً، فهنا نجد أن البعض قد اندمج في المجتمع، والبعض خلق لنفسه خلية صغيرة تُمارس فيها جميع طقوسهم الدينية والاجتماعية والثقافية أيضاً،

ربما عندما أتحدث عن تلك المجموعة التي فضّلت عدم الانخراط في المجتمع الجديد، لديها أسبابها القومية، وعندما هاجرت „كالأتراك مثلاً” كانت الظروف ليست قاهرة والهجرة لم تتم إلا لغرض مادي ومعيشي، أي لم تكن لديهم أزمة هوية أو انتماء، ولكن في نفس الوقت أودّ التحدث عن الصربي والألباني الذي فضل الاندماج عكس جاره التركي „طبعاً هنا لا أشمل الكل، بل الأغلبية”

هنا نستنتج أن الحرب لها دور كبير وتساعد بشكل مباشر في اندماج الفرد، وذلك لمليء فراغ انتماءه وضعف هويته؛

ولكن ما يفزعني هو تجربة دول المغرب العربي في الغرب وخاصة في فرنسا، التي ربما لم تجزم العلاقة بين المهاجرين والمجتمع الفرنسي بعد، وذلك أعتقد للانتماء الديني للأغلبية، التي تؤمن بالإسلام كهوية قومية، لا كدين روحاني وهذه مشكلة كبيرة وخطيرة، لذلك شهدنا أحداث دموية من فرنسي”ذو أصول من المغرب العربي”  طبعًا الدول الأوربية ليست بهذه السذاجة لتقيم اللاجئين بمقياس تجربة فرنسا وخاصة عندما ننوه إلى دور السياسة في هذه العملية، ولكن نستطيع أن نرى أن هناك عدة تغيرات قد حدثت ولكن ليست بتلك التأثير القوي على البنية الاجتماعية بين المواطن والمهاجر.

وهنا تبقى الاحتمالات مفتوحة ومستقبل الهويات والانتماءات مرهونة على نسبة وعي الطرفين وعلى الظروف المحلية للدولة كالاقتصاد والسياسة وعلى الظروف الدولية أيضاً.