بقلم : عبود مزهر الكرخي

ولنكمل ماسطرناه في جزءنا الأول من مقالنا والتعرف على طبيعة المواقف للمكونات الأخرى وأكبر مكونين هما المكون الكردي والمكون السني.
وكما قلنا ومن خلال معرفة الدوائر الخارجية الأمريكية والصهيونية ومن لف لفها أنه عندما يتم طرح المشروع سوف يكون لغط وشد وجذب ويكون هناك طرف مؤيد للقانون وأخر معارض والمسير بقاعدة خالف تعرف واتفقنا على أن لا نتفق وكان المكون الكردي والسني من أبرز المؤيدين للقانون بحكم إن الأخوة الأكراد كان هذا أول تمهيد لإنشاء دولتهم التي يحلمون بها وقد سافر مسعود البارازني من اجل طرح أقامة دولة كردستان ولهذا الغرض والذي صرح بإقامة دولته ولو على ثلاثة أمتار لأن الأجواء قد أصبحت مهيأة لذلك وقد أيده كل حاشيته وزبانيته من سياسي التحالف الكردستاني وكالعادة والذي يبدو أنها خطة من كاكا مسعود للبقاء على عرش السلطة بعد أن شارفت مدة رئاسته على الانتهاء وضرورة اللجوء إلى الانتخابات لاختيار رئيس جديد وهذا ما يمثل قتل لطموحاته السياسية وما يحلم من بقاءه في السلطة. مع العلم انه قبل فترة وجيزة كانوا يصرحون كل أخواننا الأكراد أنهم جزء من العراق ومن اللحمة الوطنية وأنهم عراقيين قلباً وقالباً …الخ هذه التصريحات التي شبع منها العراقيين وعرفوا لماذا تصدر ولأي شيء وفقط الوحيد الذي كان نائم ويتقبل هذه التصريحات ويسوقها على أنها دليل على وحدة العراق وشدة لحمته الوطنية والتي صدعت رؤوس كل العراقيين هذا المصطلح الجديد في عالم السياسة هم كانوا قادتنا وساستنا من المكون الشيعي ويمررون أي شيء للأكراد ولو كان على حساب مصلحة العراق والشعب وهذا كان يمثل منتهى الاستهانة بمصالح الوطن وشعبنا الصابر الجريح.
هذا من جانب أما الجانب السني فهو كان يلتزم جانب المعارضة وعدم الموافقة على أي أجراء تقوم به الحكومة واعتبار هذا المكون هو مكون مهمش كما يحلو التصريح بهذه المفردة الجديدة والتي دخلت إلى عراقنا الحبيب لتدخل قاموس السياسة عندنا من ضمن الكثير من المفردات الطارئة التي دخلت قاموسنا هذا الجديد وكانوا يعملون على تصوير ذلك للعالم أجمع على أنهم مكون مضطهد ومهمش ويتعرض إلى الاضطهاد بدعوى الطائفية من قبل المكون الشيعي والذي يمسك الحكم وفي كل فترة يشد الرحال ساستهم إلى أمريكا وكذلك دول الجوار من أجل التصوير لهذا المفهوم ولكن الحقيقة غير ذلك فهم كانوا يقومون بتلك الرحلات من أجل أيجاد لهم مقعد في الساحة السياسية والإيحاء لتلك الدول بأنهم قادة للمكون السني وأنه لا يمكن الاستغناء عنهم في أي عملية يراد منها أجرائها في العراق سواء من قبل ماما أمريكا أم غيرهم. يعني الأمر كان لايتعدي الحصول على منصب وكرسي في العملية السياسية أي صراع مصالح ومناصب وليس وارد في ذهنية هؤلاء التفكير في مصالح طائفتهم وحتى شعبهم لأنهم يريدون ضمان أن يكونوا لاعبين في الساحة السياسية وعدم الخروج لبقاء الامتيازات والمكاسب النفعية أن تكون باقية لهم.
وكل هذه الأمور التي يقومون نسوا أنهم مشاركين في العملية السياسية ووزرائهم وساستهم في البرلمان ويصولون ويجولون فيهما ولهم من الامتيازات ما لاتعد وتحصى ويمارسون مهامهم الجسيمة والمهمة من دول الخارج في عمان وأبو ظبي وغيرها كما ينطبق ذلك على الساسة الأكراد ولكن بتغيير بسيط أنهم يمارسونه من دولتهم كردستان. وحتى الوزارات في المكون السني تباع بالمزايدة لمن يدفع أكثر حيث تعرض الوزارات للمزايدات. وكانت الطائفية والعرقية هو المحرك لكل هؤلاء المكونين والتي أتهم بها المكون الشيعي من خلال الإيحاء بذلك للعالم وبسياسة متقنة تديرها أجندات خارجية من دول الجوار وفي مقدمتها السعودية ومن لف لفها لتصل إلى الدوائر الغربية من أميركا وإسرائيل وتنفذها أجندات داخلية من هؤلاء الساسة تدعمها سياسة إعلامية وماكنة ضخمة في هذا المجال من اجل خلط الأوراق في العراق وتأزيم الأوضاع وخلق الضبابية في الواقع العراقي والتهويل في الأخبار والتصوير على إن العراق وشعبه هو في حالة انهيار ويوشك على الدخول في حرب أهلية بل هو داخل فيها وأن الوضع العراقي ميئوس منه ولابد من تقديم مشاريع وقوانين تنقذ العراق وشعبه من هذا الموضع المأساوي وقد خرجت عدة مشاريع كان أخرها هذا قانون الكونغرس والذي هو التمهيد لتقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم وأضعافه مع العلم أن الكل يصرح بأنه من اجل مساعدة العراق وتسليح المكونات الطائفية في العراق وضمان أمنه وهو جس نبض لردة فعل العراقيين وكيفية ردود الأفعال التي تصدر من العراقيين لتخرج بعد فترة قوانين ومشاريع أخرى تستهدف تقسيم العراق مشابهة لسايكس بيكو.
ونأتي إلى التعامل مع المكونات الأخرى من قبل المكون الشيعي فالغلط فينا نحن فنحن لم نعرف كيفية التعامل داخلياً وخارجياً فالداخل كانت سياسة التوافق والتحدث باسم المصالحة الوطنية وتبويس اللحى وعقد الصفقات السياسية ومن وراء الكواليس وتمرير القوانين بسلة واحدة هو السمة الغالبة في كيفية سن القوانين وإدارة البلد ، فالطرف الكردي لا يمرر أي قانون بدون أن يبتز الآخرين لأقصى ما يمكن من أجل مصالحه حتى ولو كان على حساب مصالح العراق وشعبه لأنهم يعتبرون أنفسهم دولة قائمة بذاتها ودائماً يهددون بالانفصال وحق تقرير المصير وكانت صيغة الانسحاب من البرلمان والحكومة هي الصفة السائدة في عمل أغلب الدورات الانتخابية وبالتالي أدى ذلك إلى تعطيل الكثير من القوانين ولتنام على أدراج ورفوف مكاتب البرلمان والحكومة, ومن خلال استقراء الواقع كان الجانب الكردي له سياسة وأجندة يتم توجيهها من الخارج ومن ضمنها تركيا العثمانية وحتى إسرائيل والشواهد كثيرة على هذا الاستقراء والجميع يعرفه ولا داعي للدخول في هذا الموضوع.
ومن هنا فأن اللاعب الشيعي كان يوجد فيه الكثير من التقصير وعدم الإحاطة بما يجري في الساحة وقد نبهت مرجعيتنا الرشيدة(دام اله ظلها الشريف) إلى هذه المخاطر في توجيهاتها المتكررة وعلى ضوء الأحداث التي تجري في العراق ولكن كان أغلب ساستنا يتبنون بيت الشعر الذي يقول :
لقد أسمعت لو ناديت حياً***ولكن لا حياة لمن تنادي
لانشغالهم بإدارة الصراعات السياسية وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وجعل الولاء للحزب والطائفة والعرق هو فوق الولاء للوطن وشعبه مضاف له الفساد المستشري والذي ذكرناه آنفاً والكثير من الأمور هي التي أوصلت الأمور إلى ما نحن عليه أي كانت هناك سياسة فاشلة في أدارة الحكم والعملية السياسة مضاف إليها عدم توحد الصف الشيعي بل وصل الأمر حتى التحالف مع المكون الأخر من أجل ضرب هذا الحزب أو ذاك إي كنا متفرقين وقد استغلت تلك الأطراف ذلك التشرذم أحسن استغلال في سبيل الدخول وضرب الصف الشيعي وضرب تجربة الحكم من خلال هذا التفرق والدلائل والشواهد كثيرة على ذلك…ولهذا يقول جبران خليل جبران في مقولة جميلة (ويل لأمة سياستها ثعلبة و فلسفتها شعوذة,أما صناعتها ففي الترقيع)
ومن هنا فالقانون لم يأتي من فراغ بل كان محصلة نهائية لكل ما ذكرناه بل حتى أن القانون وتقسيم كان بطلب من الطرفين الكردي والسني عندما كانوا يذهبون إلى أمريكا ومقابلة المسئولين وعقد اللقاءات وحتى عند دول الجوار والتوجيه من قبل تلك الأجندات العربية وحتى الغربية العمل على هذا الاتجاه.
والقانون كان من أحد أهدافه المتعددة هو ضمان أمن إسرائيل وكذلك ضرب إيران من خلال تحطيم الهلال الشيعي والذي هو مصدر قلق لكل من أميركا وإسرائيل من خلال أقامة الإقليم السني المحاذي لسوريا ولبنان أي لحزب الله اللبناني وهي مخططات درست بعناية وطبخت وجهزت وليست وليدة المرحلة الحالية بل منذ سنين بل وحتى عقود وكان ترتيب المنطقة حسب المصطلح وهو الشرق الأوسط الجديد والغاية منه أقامة دويلات وعلى أساس عرقي وطائفي وأثني وخصوصاً في العراق بعد أن كادت صفحة داعش على الانتهاء لخلق صفحة جديدة وهي تقسيم العراق وخلق دويلات متشرذمة سرعان ما يدب بينهما الصراعات والنزاعات من أجل المصالح الاقتصادية وتقاسم الثروات بحكم أن أغنى منطقة من خلال هذا التقسيم سوف يكون الجنوب والفرات الأوسط وهذا لا يرضي الإقليم السني وحتى الكردي بحكم قلة ثرواتهما مقارنة مع الإقليم الشيعي ومن هنا يبقى العراق وشعبه في مسلسل الصراعات ونزيف الدم والفوضى ويبقى ضعيفاً ومهمشاً ويحتاج إلى من يقف إلى جنبه دولة أو دول قوية لكل إقليم وهنا تبرز أميركا وباقي دول الغرب وحتى إسرائيل لتصبح ثرواته وأراضيه نهب لكل طامع ومن هب ودب كما يحصل الآن ولكن وبصورة مصغرة وغير ظاهرة للعيان في الوقت الحاضر.
ولو رجعنا إلى ما قاله الحاكم سيء الصيت بريمر في مذكراته التي ألفها في كتاب عن فترة في العراق فيقول عن زعماء السنة وبالحرف الواحد فيقول “كما كانت هناك حاجة لأعضاء وطنيين وذوي كفاءة من السنة. ومحاولة الوصول إليهم وضعتنا في مواجهة مشكلة مزمنة إلا وهي عدم وجود زعماء سنة يعتد بهم فكافة السنة الناشطين سياسيا تقريبا تم استيعابهم إما في حزب البعث، أو في الأجهزة الأمنية، أو اغتيلوا بتهمة الخيانة. ليصل أن أغلب الساسة من السنة هم في الخندق المعادي لتجربة الحكم في العراق” وتوجد الكثير من الدلائل والشواهد التي تثبت بتعاونهم مع داعش ومع أغلب الإرهابيين وهناك الكثير من الوثائق والأقراص المصورة التي تثبت ذلك ولكن يتم التحفظ عليها وعدم نشرها للرأي العام ليطلع عليها العراقيين بدواعي مفاهيمنا الطارئة الجديدة وهي التوافق واللحمة الوطنية …الخ
ويضيف بريمر فيقول”ضقت ذرعا بألاعيب السياسيين العراقيين وانعدام حس المسؤولية لديهم”. وأيضاً يقول “لم نجد شخصية عراقية أمينة ووطنية تحكم عراق ما بعد صدام”.
مع العلم أن هذا بريمر هو وضعه في هذا المنصب كان بخطة مدروسة ومتقنة من أميركا وإسرائيل وهو أول من أسس المفهوم الطائفي في العراق من خلال أنشاء مجلس الحكم في ذلك الوقت وكان عمل متقن ومحترف في كل ما عمله في العراق من زرع الطائفية وخلق الفوضى حيث هو من حل الجيش وسن الكثير من القوانين التي لم تكن أياً منها في صالح العراق.
وقد صدق قول الأمام الشافعي في شعره إذ يقول :
نعيب زماننا والعيب فينا ***وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ***ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ***ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
فنحن من أوصلنا أنفسنا إلى هذا الوضع المزري والبائس وما يحصل الآن من هجوم بربري على العراق وشعبه من قبل داعش ومن قبل الجميع بضمنهم دول الجوار هو الذي نحن أوصلنا أنفسنا نحن ومن قبل كل المكونات وبغض النظر عن المسميات لأن نحن من انتخبنا هؤلاء السياسيين وأوصلناهم إلى سدة الحكم بالرغم من معرفتنا بخلفياتهم وأدائهم السيئ في كل تلك السنين السابقة وهم من كرسوا الطائفية ومبدأ المحاصصة ولأصغر مفاصلنا في مجتمعنا العراقي مع العلم أن الشعب رغم كل ذلك هو يرفض هذه المصطلحات وهذا التقسيم العرقي والطائفي وبكل مفرداته ولكن تلك التقسيمات موجودة عند ساستنا ويغذونها وباستمرار لضمان بقاء هؤلاء الساسة على كراسي الحكم.
وقد كانت مرجعيتنا الرشيدة(دام الله ظلها الوارف)سباقة في التحذير والتوجيه في نبذ هذا الأسلوب العقيم والخطير على عراقنا وشعبنا الصابر الجريح ولكن لا حياة لمن تنادي ليأتي هذا القرار الظالم محصلة لكل هذه الأمور التي ذكرناها ولكن بقيت مرجعيتنا الرشيدة المتصدية لكل المشاريع الجائرة التي تريد النيل من الوطن وشعبه فأصدرت توجيهاتها برفض هذا القرار جملة وتفصيلا المجرم ولتقطع الطريق على كل المتصيدين في الماء العكر للعراق وشعبه ولتبقى مرجعيتنا الرشيدة وكما نردد ونقول هي صمام أمن وأمان العراق والعراقيين ولتخرس كل الأصوات النشاز التي أيدت القرار وباركت له ولتسقط كل الأحلام الخائبة لمن يريد الشر بالبلد والشعب والنيل من قبل أمريكا والصهاينة وكل الأجندات الخارجية والداخلية ومن لف لفهم وليبقى العراق موحداً بكل أطيافه رغم أنف الجميع لأنه بلد الأنبياء والأوصياء وأئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم أجمعين) والعراق هو مسدد من السماء ويسير بهذه البركة المهداة من الله سبحانه وتعالى والسماء ولأنه لا يصح إلا الصحيح.
وقد صدق قول الشاعر السيد مصطفى جمال الدين إذ يقول :
بغداد ما اشتبكت عليكِ الاعصرُ*** إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ***ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ
وقست عليك الحادثات فراعها *** أن احتمالك من أذاها اكبرُ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.