لست متيقن إن الصفح عن جميع المحتضرين أمر واجب، بمجرد اقتراب أجل أحدهم، يَرى القتلة والطغاة، أنفسهم أبرياء عند وضع رؤوسهم على وسادة القدر.؟
نعم الهروب من العقاب هو عين الظلم ذاته، والفساد لا يعني بالضرورة أمور مخلة بالشرف، أو جنحة ترتكب هنا وينجو فاعلها هناك.
فوضى عارمة تعصف بالمجتمع العراقي، خروج عن القانون بات سمة ملازمة لدى أغلب ضعاف النفوس، الرادع معدوم حتى الموت، “ومن أمن العقاب أساء الأدب”.
كان الإنسان يعيش في العراق قبيل التغيير مثخن بالجراح، مع ذلك تراه أسدل عليها برقع الحشمة متأسيا.. “بصاحب الشيء أولى بحمله”.
أستبشر هؤلاء خيرا بتحقيق الأمنية وزوال تلك المُدّى التي كانت في يوم ما سبب جراحهم، أملا منهم بحكيم يداوي ما ظهر منها وما بطن.
هي أمنية ليست صعبة المنال، أحيانا تبدو الأمور أسهل مما تصوره عقولنا، لكن ما أفرزه الواقع كان بمرارة الجراح السابقة، عقول مريضة تقبع بأجساد جميلة، خطت لنفسها القدر مع تناسي آلام الناس وتشنجاتهم.
أوهمونا بفكرة جميلة كانت تراود الكثير، بل كانت بلسما لجراح بعضنا، نعم كلمة هو قائلها “الديمقراطية” هي الحلم الوردي الجميل الذي يستطيع ازالة عوالق الجسد المتعب، وإعادة حيويته ونظارته.
لم يخطر ببال أحدهم إن الديمقراطية فن وعلم واجب تعلمه من الصغر، وترويض النفس عليه، وإن لها وجوه عدة، قد يكون منها (رصاصة رحمة بذلك الجسد الفاني).
مع تطور الزمن وتعدد أفق الديمقراطية أصبح من المستحيل أن تكون هي البديل عن الحياة السابقة؛ فقد ضاقت النفوس ذرعا منها، وتسامت الأرواح بين الحالات الثلاث حيث وجدت الهواء مهربا حرا لها.
حان الوقت لترك العمل بمسميات الغرب ومصطلحاته، واختراع مصطلح جديد يليق بنا كشعب وحضارة، قادر على بناء نفوس أبناء الوطن، كفى فرقة وتفرقة، لن يكون ذنبنا اننا ولدنا لأب وأم عراقيان ليتهمونا بالتبعية لآخرين، هل الشبه قريب الى هذا الحد لهؤلاء، حتى أصبحنا لا نميز أوجه التشابه بيننا، وننظر لمجرد الخلاف الواهي عما يبعدنا عن بعضنا.
حتما سيكون الشبه قريب جدا لو أوغلنا بقتل بعضنا البعض بدواعي دينية وابتعدنا عن انتمائنا لنلتقي عند أول رصاصة قنص تروم ذهابنا الى عالم الحساب والعقاب.
حتما لن يفلت أحد من يد العدالة الكبرى؛ مهما حصل ومهما حَمَلَ من أعذار، لأن اللعبة في النهاية ليست بأيدينا بل كانت أيدينا دمى متحركة بيد لاعبينا.

بقلم: جعفر العلوي