الكاتب / ثائر الربيعي
لقد فقد ابليس منزلته العظيمة أذ هو المدلل عند الله ويأس من رحمته ,ليس لأنه رفض السجود لأبونا آدم من حيث ما يريد الباري ,بل لأنه لم يحفظ صفة الوفاء التي أراداها منه الخالق, وتعامل بمنطق الفوقية والتعالي على أمر الباري عندما خاطبه الله بقوله تعالى{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ما قيمة المرء وهو يعيش في هذه الدنيا دون وفاء …الوفاء هو الحبل المتين الذي يبني به الانسان حياته مع الاخرين ,حياة الصدق والمحبة والاستقامة والعدل ,كل هذا بفضل هذه الصفة التي تذوب عند المرء الأنا ويكون بذلك محب للخير ناكرٍ للذات التي هي مصدر دفع الانسان نحو افعاله وسلوكه ,ففي كربلاء المقدسة وأنت متمسكٌ بشباك الحسين (ع) تجد نفسك أمام عملاق متعملق قدمه في عمق الارض ورأسه يعانق السماء ,لم أجد أي وصف سوى أنني قلت له {يا ابا عبد الله نحن احرار على نهجك وسائرون على دربك يريدون منا العبودية والخضوع رفضناها بكل قوة رغم سطوة من لا سطوة له ’لأننا نتخذ منك مناراً ونبراساً في سلوكنا } بقي الحسين عبر التأريخ يصارع الطغاة وحقدهم الاسود لأنه حمل في قضيته مشروع وفاء للأمة التي يريد لها الكرامة والإباء لا الذلة والهوان ,بقي لأنه جسد الوفاء بكل معانيه ليس وحده فحسب بل حتى اهله وأنصاره كانوا على نفس الخطى والثبات في ساحة الوغى ,لم يستخدم اساليب وحيل ليصل لمبتغى ما يريده ’بل كان همه الاول والأخير هو تحرير الأمة من استحواذ غرور الشيطان عليها وبدأ يتلاعب بها عن طريق من باعوا أنفسهم له ,حتى أن معسكر الظلام الذي قاتله كان يرى ويشاهد نداء الامام المعصوم المفترض الطاعة وهو يقول لهم {اما من معين يعيننا اما من ناصر ينصرنا اما من ذاب يذب عنا وعن حرم رسول الله” } ليس ضعفاً منه هو الجبل والطود الشامخ ولكن اراد أن يستنهض فيهم ما تبقى من الحمية والمروءة ,لم يأبهوا لصوت الحق والنور ,وذهبوا وراء صوت الباطل والرذيلة ,لأنهم لم يروضوا نفوسهم على تجاوز ال (أنا ) وكانوا عبيد شهواتهم ومغريات دنياهم ,ما قيمة المناصب وفخامتها وزبرجها وصاحب المنصب متجرد من الوفاء ..الوفاء لدماء الشهداء الاحرار ,ومشانق اعداماتهم لا تزال تؤرق مضجع الجلاد ,وصوت الامهات الثكلى ,والأرامل وأنين الاطفال ,تنكر نسبة كبيرة منهم يا سيدي يا أبا الضيم لمآسينا وجراحنا وتخذوا منها جسراً لمأربهم ومبتغياتهم ومصالحهم منذ أن اعتلوا كراسي السلطة جاؤوا بمن هو غير مؤهل ووضعوهم بمواضع فيها قرارات تمس ارواح الناس ومقدراتهم وأصبحت العوبة بيدهم ,أين الواعز الاخلاقي والإنساني والشرعي في عملهم رمي وراء الظهر بعدما سيطرت عليم نزوة السلطة وغرورها ؟ ذهبوا ورحلوا في أول امتحان وضعوا به ,هنالك من نجح لأن النور لا يزال يرقد في نفسه مستقراً,والخاسرون تربع الشيطان على صدورهم معتقدين أنهم فائزون لأنهم يعيشون الطبقية بتكوينهم الذاتي وينظرون للناس بنظرة دونية وهي نتاج لواقعهم المرير الذي يريدون أن يعكسوه على العالم تعويضاً للنقص في تركيبتهم الشخصية .