شكرا صاحب الـ 10000دينار لقد علمتنا أن الحياة عطاء وإيثار !

احمد الحاج
عَلِمَ صاحب الـ 1000 دينار اﻷصفر بحجم التفاعل الكبير مع مبادرته الإنسانية العفوية السابقة والتي قد ألهمته إياها الحاجة الماسة بعد أن عصفت به ريحها الهوجاء من كل حدب وصوب وهو الكريم بن الكريم ، الفاقة التي صُفِعَ بها بكف الظروف المادية القاسية على إثر نزولها كالصاعقة في ساحته على حين غرة ..غبار اﻷرصفة..ضيق ذات اليد ..وهج الطرقات وهبته بمجملها أفكارا نيرة ومبادرات خيرة ليست كبقية المبادرات واﻷفكار حتى صار مَثلهُ اﻷعلى في الحياة وديدنه هو شكر الله تعالى أولا وآخرا ومن ثم رفع القبعة للتجارب المريرة التي ألمت به بدلا من لعنها ولسان حاله يردد أبيات السياب : لك الحمد مهما إستطال البلاء ومهما إستبدّ الألم..لك الحمد، إن الرزايا عطاء وان المصيبات بعض الكرم!
التفت اليَّ هامسا في أذني ” اذا كانت مبادرة الـ 1000دينار اﻷصفر قد حظيت بكل هذا التفاعل الوجداني الكبير ﻷننا وبرغم ما مرَّ بنا من كوارث ، كرماء ، عاطفيون، إنسانيون، فما بالك بمبادرة الـ 10000 اﻻف دينار اذا ؟!
قلت هات ما عندك يارجل وﻻ تبخل !
قال بل سنسير على اﻷقدام سوية ونذرع الطرقات التي تعج بالفقراء والمحتاجين والمتعففين ممن لايعلم حالهم أحد الا الله تعالى وإن لم تظهر على بعضهم إمارات الحاجة لعفتهم وإكبارهم سؤال الناس على أنفسهم ،سنمشي سوية جيئة وذهابا لمعرفتها عن كثب ، ذاك أن رؤية الأشياء على حقيقتها بأم العين واقعا (عين اليقين ) ليست كمعرفتها نقلا عن مصدر ثقة عندك (علم اليقين) وضع ما قيل في المعروف قديما نصب عينيك على الدوام ، أن ((أفضل الناس مابين الورى رجل ..تقضي على يده للناس حاجات)).
قلت نسير على بركة الله إذن لنرى ما في جعبتك هذه المرة ، ومشينا حتى وصلنا الى صيدلية كبيرة تعج بالمراجعين فقلت في نفسي مؤكد أن صاحبنا سيدس يده في جيبه ليستل منه الـ 1000 دينار اﻷصفر إياه ليصنع به شيئا ما كما في المرة السابقة واذا به يخرج 10000 اﻻف دينار خضراء هذه المرة مكتوب عليها بالقلم الرصاص ( خذ ما يكفيك ، وتصدق بالباقي ) ليضعها بين فتحات السلايد الخارجي للصيدلية .. لماذا ؟
قال ﻷنني أعلم يقينا بأن عشرات المرضى من مراجعي مذاخر اﻷدوية والصيدليات فضلا عن المستشفيات والمستوصفات يعيشون أسواء حقبة تعانيها المؤسسات الصحية بما فيها وزارة الصحة كما جاء على لسان وزيرها الذي قدم إستقالته مؤخرا بسبب الفساد الهائل المستشري في كل مفاصلها ، وبناء عليه فإن المرضى يواجهون ضغطا ماديا كبيرا يستنزف جيوبهم الخاوية ويثقل كواهلهم ويزيد من أعبائهم وكثير منهم يكون بحاجة الى أي مبلغ من المال مهما كان ضئيلا ليعينه على شراء كامل الوصفة الطبية من دون تجزئتها على مراحل تفقدها في أغلب اﻷحيان فائدتها الطبية المرجوة ، وﻻشك أن الـ 10000دينار هذه ستلعب دورها في تقديم يد العون ﻷحدهم فإن كفته فبها ونعمت ، وإن لم تكفه لشراء كامل الوصفة المكتوبة في- الراجيته – فقد كفيناه بعضها وأجرنا على رب العباد ، وإن كفاه جزء من الـ 10000 وفاض منها فنحن قد أوصيناه مسبقا بأن يتصدق بما تبقى على غيره ، هل تعلم أني قد حُرمت من شراء الدواء لأمي العجوز أثناء فترة محنتي كوني لا أمتلك ثمنه فكنت أدعو لها بالشفاء العاجل وأن لاتحتاج الى الدواء حاليا ريثما تتحسن الظروف المادية وكم تمنيت لو أن كل صيدلية وضعت صندوقا صغيرا يضع فيه المراجعون الميسورون مبلغا من المال لتدفع به تكاليف وصفات من لا مال عنده من المراجعين من بعدهم ، ولله در القائل :
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ ..فهمُ كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
قلت : وماذا لو لم ير الـ 10000 أو يتنبه لها أي مراجع مريض أو أنه رآها وتحرج من أخذها ،ليعثر عليها صاحب الصيدلية في نهاية المطاف حين إغلاقها فيضمها الى بقية وارداته؟
قال : نكون قد علمنا الصيدلي في هذه الحالة درسا بليغا في الإنسانية لن ينساه أبدا مفاده ” يسروا وﻻتعسروا ، بشروا وﻻتنفروا ، إعملوا على تخفيف معاناة الناس فليس كل مافي هذه الدنيا الفانية ..مال !!”.
قلت : وان إختلسها نشال خفيف اليد ؟!
قال : سيفرح بها كونها لقطة جاءته من غير عناء وسينشغل بها عن نشل جيوب الناس ومحفظاتهم في تلكم الليلة على اﻷقل فنكون عن عصمنا الناس من نشله من جهة ، وحمينا النشال ذاته من هواه ومن ذنب جديد يقترفه يضاف الى سجله الحافل بالمعاصي واﻵثام من جهة أخرى ، الم تسمع الى قولهم :
إزرع جميلا ولو في غير موضعه…فلن يضيع جميل أينما زُرِعا
مررنا بسوق شعبي واذا بصاحبي يضع 10000دينار أخرى بمكان نظيف منظور حيث حشر جزء منها في شق صغير بأحد الجدران القديمة عند مدخل السوق وقال ” أما هذه فلمساعدة متعفف يحلم بالعودة الى بيته وعياله ويده ملآنة وهو محمل بالفواكه والخضر ليفرح بها أولاده وزوجته فإن كفته كاملة فبها وإن فاضت فسيتصدق بناء على نصيحتنا له على آخرين يمرون بنفس ظروفه القاسية ..لقد مررت بهذا السوق 30 مرة أثناء المحنة من دون أن أتمكن من التسوق حتى كدت أن أبكي في أحدها متسائلا “لماذا أمتَحن كل هذا الإمتحان العسير وقد كنت سخيا وكريما ولم أكن يوما بخيلا ؟ ” الجواب وﻻشك هو ماتراه بنفسك اﻵن فبعض الإمتحانات الربانية غايتها إعانة خلقه وتفتق آذهانهم عن وسائل مبتكرة لترسيخ معاني الفضيلة واﻷلفة والتراحم والمودة بين الناس ، وما أجمل الحديث النبوي الشريف على لسان النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم في صنع المعروف وأهله : ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف”.
ثلثنا بفرن للصمون فصنع مثل ما صنع في الصيدلية ولنفس اﻷسباب قائلا باللهجة العامية الدارجة ” ثق لقد مررت بأيام عجاف فلوس صمون ماعندي ” وكم تمنيت لو أن كل صاحب فرن كتب على واجهة فرنه – اللي ما عنده فلوس الصمون، يأخذ ما يريد على حسابنا – وكم تمنيت لو أن في كل فرن ومخبز يوضع صندوق صغير يدس فيه الميسورون مبلغا يسيرا من المال يخصص لمن لايمتلك ثمن الخبز من بعدهم !
أطرق رأسه قليلا ، سكت هنيهة ، ثم قال ها قد إنتهينا اليوم من قصة الـ 10000الاف وغدا بإذنه تعالى سنسير لمعرفة حكاية الـ 50000دينار …وأعلم رعاك الله بأن الفقر بعد طول غنى مدرسة تُعَلمك ما لم تكن تعلمه من ذي قبل فلا تسأل لماذا إفتقرت وأنا السخي الكريم ؟ بل قل الحمد لله الذي أفقرني لفترة ثم أغناني ثانية من فضله ربما ليعلمني أبوابا غير مطروقة عندي على اﻷقل في الكرم والجود والصدقة ، ماكنت ﻷعلمها لولا أني ذقت مرارات الجوع ،ذل الدين ، وعشت حياة الفقراء وقاسيت معاناتها الكبرى كما هي ومن غير رتوش .. صديقي .اودعناكم اغاتي