عدنان حسين

كل أسبوع تقريباً تعلن السلطات الأمنية عن القاء القبض على مجموعات إرهابية وعصابات جرمية، وبخاصة تلك المسؤولة عن هجمات أو تفجيرات منفردة أو مسلسلة هجمات، لكن في مرات نادرة تعرض علينا هذه السلطات التفاصيل الضرورية التي تساعد في تحصين المجتمع ضد الارهاب وأعمال الجريمة المنظمة، فثمة عملية تعتيم غريبة تجري في هذا الشأن.
هذا التعتيم هو جزء من عملية واسعة لا تسمح للرأي العام بالاطلاع على هذه التفاصيل عبر وسائل الاعلام، فحرية تدفق المعلومات في هذا المجال وغيره مقيدة عملياً. وجرت شرعنة هذا التقييد في “قانون حقوق الصحفيين” الذي شُرّع في العام الماضي وكان في حقيقته قانوناً لحماية الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها من حق الصحفيين في الوصول الحر الى المعلومات وحقهم في بث هذه المعلومات أيضاً. والان تسعى الحكومة الى فرض قيود أخرى مريعة للغاية عبر مشروع القانون المقدم الى البرلمان تحت اسم “قانون جرائم المعلوماتية” الذي سيكون سيفاً بتاراً مسلتاً على رؤوس العاملين في الإعلام الجديد ومستخدمي وسائله، ما يعكس نزوعاً نحو دكتاتورية حقيقية متوحشة.
في بريطانيا التي امضيت فيها سنين عديدة، وكذا الحال في سائر البلدان الاوروبية، ما تكاد تقع جريمة عادية أو ارهابية حتى يتلقى الجمهور كل التفاصيل المتعلقة بها بما فيها مكان وقوع الجريمة ووقتها وشهادات الشهود العيان إن وجدوا والصورة الحقيقية أو المتخيلة للجاني .. ولاحقاً تقدم محطات التلفزيون والصحف برامج وتحقيقات تكشف فيها تفاصيل الجريمة ودوافعها وعواقبها، فيتعلم الناس الطرق والوسائط التي يستخدمها المجرمون لتنفيذ جرائمهم لكي يكون المجتمع على دراية تامة بما حدث ومستعداً للحؤول دون وقوع جرائم مماثلة ومتمكناً من التعاون مع سلطات الدولة لمواجهة المجرمين وملاحقتهم.
أما عندنا فان الجرائم، على كثرتها المفرطة، تعامل معاملة أسرار الآلهة، إذ تُفرض أسوار هائلة عليها وبخاصة الجرائم الارهابية، الا في ما ندر وبدوافع سياسية في الغالب، فلا يقول أحد لنا كيف حدث ما حدث؟ كيف نفذ الارهابيون جريمتهم؟ من أين جاءوا بالاسلحة والذخائر؟ كيف نقلوها؟ كيف مرت بنقاط التفتيش التي تحاصر الأحياء والشوارع والناس؟ وأجهزة الإعلام هي الأخرى – بسبب هذه السرية على الأرجح – لا تتابع ما يحدث بالتفاصيل الكاملة، فيبقى الفاعلون مجهولين والفعل نفسه مجهولاً بدرجة كبيرة .. حتى الضحايا الاحياء من مصابين وأصحاب ممتلكات متضررة لا يبالي أحد بهم وبمصائرهم، فتفوت فرص كبيرة لتوعية الناس بالآليات التي يعمل بها الارهابيون وللتعبئة ضد الإرهاب ومن أجل انخراط المجتمع الى جانب الدولة في مكافحة الجرائم الارهابية والعادية.
بدلاً من الأغاني الهابطة وبرامج الحوارات السخيفة التي يعجّ بها فضاؤنا التلفزيوني، بوسع محطات التلفزيون أن تقدم كل ليلة واحدة من الحكايات المأساوية للارهاب فتهز المجتمع بأسره وتستحوذ على انتباهه كما المسلسلات التركية أو المصرية أو السورية، فمن يقنع سلاطيننا، بحسب التعبير الأثير لسرمد الطائي، بانهم باستراتيجية مملكة الآلهة التي يعملون بها انما يقدمون خدمات كبرى للارهابيين والمجرمين بعدم الكشف عنهم وعن تفاصيل جرائمهم المروعة.