بعد صمت روسي طال أكثر من شهر عن موقف رسمي حيال الطائرة الروسية التي تحطمت في مصر وخلفت أكثر من مئتي قتيل ، جاءت هجمات باريس ليخرج الروس عن صمتهم ، فقد سارعت موسكو عقب أحداث باريس الدامية لحسم موقفها معلنة أن تحطم الطائرة كان جراء عمل إرهابي. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعرب لنضيره الفرنسي فرانسوا هولاند خلال إتصال هاتفي نية بلاده إقامة تحالف متين مع فرنسا لمحاربة تنظيم داعش معاً ، مبينا أن موسكو وباريس تعرضتا لهجمات إرهابية مصدرها داعش ، وأن البلدين يواجهان نفس التحديات .

هكذا سارع الرئيس الروسي لأحتواء الموقف الفرنسي بما يمثله من ثقل أوربي ودولي كبيرين ، وكان بوتين قد أمر البحرية الروسية بالتواصل مع حاملة الطائرات الفرنسية الموجودة في المنطقة والتعامل مع الفرنسيين بأعتبارهم حلفاء. وفي بيان للكرملين كشف عن إتفاق توصل أليه الرئيسان الروسي والفرنسي  على زيادة التعاون بين قواتهما المسلحة ووكالاتهما الاستخبارية في عملياتهما في سوريا ، موضحا نية موسكو تطوير خطة مشتركة بشأن سوريا مع البحرية الفرنسية .

إلى ذلك يستمر التحرك الروسي تجاه التصعيد ، فقد أخطرت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها من وصفتهم بالشركاء الدوليين ، ببدء الأجهزة الروسية المختصة البحث عن المجرمين الذين كانوا وراء إسقاط الطائرة في مصر ،  وخلال إجتماع أمني في الكرملين توعد بوتين بإيجاد الإرهابين الذين فجروا الطائرة ، مشدداً على ضرورة ملاحقتهم أينما كانوا .

توج التحرك الروسي الاخير عقب هجمات باريس بتصعيد للضربات الجوية الروسية – الفرنسية على معاقل تنظيم داعش في سوريا . يذكر أن روسيا قد أعدت في وقت سابق قبيل هجمات باريس وثيقة إصلاحات دستورية سيجريها النظام في سورية لأنهاء الصراع ، مما يعني أن الروس قدموا مشروعا جديدا حيال الأزمة السورية برعاية موسكو مباشرة.

من جهتها قالت صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية أن لدى باريس رغبة في إدخال روسيا في تحالف دولي واسع للحرب على داعش ، واشارت في موضوعا نشرته حمل عنوان ” هجمات باريس قربت بين الغرب وروسيا حول سوريا ” إلى  نية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة موسكو قريبا. من جهتها روجت قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية عبر أخبارها وتقاريرها السياسية للتحركات الروسية الآخيرة والتقارب الروسي الغربي ، إذ أطلقت القناة على أحدى تقاريرها ألأخبارية عنوان :” هجمات باريس وتفجير الطائرة الروسية يرسمان ملامح تحالف جديد ضد الارهاب”.

 

قراءة للتحركات الروسية :

يبدوا أن الموقف الروسي بات سريع الحركة عقب هجمات باريس .لذا نلخص أبرز الأهداف الروسية في الوقت الراهن من وراء تحركات موسكو الآخيرة ، والتي مؤكد ستشهد تصاعدا إقليميا ودوليا ، لربما لم تقدم عليه موسكو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإنهيار الإتحاد السوفيتي :

أولاً : سورياً ، تسعى موسكو كما يبدوا لإضعاف التحالف الغربي الداعي لأسقاط نظام الأسد من خلال جر التحالف الدولي لقتال داعش بالتحالف مع النظام السوري ، على الأرجح أن رحيل الأسد عن المشهد السياسي السوري سيكون وفق سيناريو درامي روسي!، موسكو في المحصلة النهائية تسعى للأبقاء على نفوذها داخل سورية من خلال النظام وليس الأسد.

ثانيا : إقليمياً ، روسيا تسعى لبناء تحالف إقليمي واسع يتشكل بداية من حلفاءها التقليديين ( العراق ، سوريا ، إيران ، حزب الله اللبناني) ولكسب تحالفات جديدة لربما تطال دول حليفة للغرب ، كذلك مصر التي يبدوا ان السياسة الروسية تسعى لترويضها من أجل جرها للمعسكر الروسي ، إذ أعطت موسكو الحق لنفسها لملاحقة مفجري الطائرة الروسية في مصر بعد اعلان الكرملين توجيه بوتين أوامره للجهات الروسية  المختصة بذلك  ” ذريعة للتدخل ” أو أي دولة أخرى ، بحسب البيان . كذلك اتفاقيتين وقعهما الرئيسان المصري والروسي لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء في مصر والحصول على قرض روسي لتمويل المشروع الاستراتيجي.

 

ثالثاً : دولياً ، روسيا تسعى للعودة للمحافل الدولية بقوة أكبر من السابق، سعي روسيا لدور أكبر يتناسب وحجمها في إدارة الأزمات الدولية والحصول على قدر من نصيب السيادة الدولية والنفوذ الأقتصادي والسياسي الذي تحظى به الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا لا يتحقق إلا بعودة روسيا كدولة قوية فاعلة وتبادر لإدارة الأزمات الدولية والاقليمية.

حيرة كبيرة وتساءل نطرحه حيال غرابة الموقف الروسي ، الداعم للحرب على الإرهاب من جهة ، ومن جهة المخابرات الروسية سهلت طوال السنوات الماضية مهمة فرار الالاف المقاتلين الشيشان  الى سوريا للقتال ضد النظام السوري ( الحليف لروسيا ) ضمن صفوف داعش  ( الذي تتوعده موسكو بحرب ضروس)!! ، لا يمكن لالاف المقاتلين يفرون بشكل ممنهج من روسيا والإعلام يتحدث عن ذلك الأمر جهارا نهارا ، والسلطات الروسية لا تدري عن ذلك ، ولم تقم بخطوات جدية لإيقافه!! ، أهل هي تناقضات وقع بها الروس ، أم خبث ودهاء للسياسة الروسية؟! ، يتخلصون من عبئ المتمردين الشيشانين بأرسالهم لسوريا ، ويساهمون في تقوية تنظيم داعش وإتساعه لتسويقه سياسيا وإعلاميا بأنه الأكثر خطرا من النظام السوري ، وأن كان يمر كل ذلك تحت أنضار المخابرات الروسية ، أهل تفوت هكذا فرصة لأرسال جواسيس بين صفوف المقاتلين بحجة الانتماء للتنظيم؟!. أن صح السيناريو المطروح ، فهذا يعني أن روسيا ساهمت بشكل كبير في صناعة تنظيم داعش على الأقل ، ليشكل خطراً يستدعي التحالف الدولي الداعي لأسقاط النظام السوري تغيير سياساته حيال سوريا والكف عن مناداته بتغيير النظام لينشغل في الحرب على داعش جنب إلى جنب مع روسيا وحلفاءها!!.

أهل الدور الروسي في هذه الأحداث لا يتعدى موضوع المتاجرة والأستثمار بالعمليات الارهابية التي ضربت فرنسا! لبناء سياسات دولية جديدة مناسبة للدور الذي تنشده موسكو ، أم يتخطى ذلك بكثير!!، في التخطيط والأعداد المسبق لبعض الأحداث الكبيرة التي تم رسمها مستقبلا من قبل الروس لتعطي النتائج الحالية!!!؟؟ . أهل عملت روسيا بصمت لإضعاف التحالف الدولي ضد داعش لصناعة أسباب حضورها  الجديد؟! .