ذكريات عراقية لاتخلو من السوداوية مع الثلج الأبيض!!

احمد الحاج
لي مع الثلوج الكثيفة مواقف وذكريات كثيرة تتذبذب بين الطرافة والسوداوية ، بين الحزن والفرح ، ذاك أني عشت أعلى قمم الجبال العراقية لسنين والعيش في أعلى القمم الجبلية غير المأهولة يختلف كليا عن العيش في السفوح والوديان والسهول، أذكر منها اننا تهنا بسبب الثلوج ذات يوم ليلا انا وأحد رفاق القصعة – حافظ البصري- وبقينا نبحث عن ملجئنا طوال الليل وسط عاصفة ثلجية قوية من دون جدوى لأن الثلج الكثيف يخفي جميع المعالم والشواهد تماما كرمال الصحراء المقفرة -عشت فيها ايضا- وبعد جهد جهيد عثرنا على الملجأ ودخلناه وكأننا دجاجتين مجمدتين أخرجتا من الفريزر توا..الطريف..أننا نمنا من غير إضاءة ولا تدفئة ولا حتى أغطية كوننا قد تسلمناه قبل يومين فقط ولما تأتي التجهزات بعد بما فيها النفط المطلوب والفانوس والمدفأة !
ومن الذكريات انني كنت ذات يوم في قمة جبلية هي الأعلى في المنطقة – قمة هرمن – تمثل آخر نقطة من الحدود العراقية وأمامها الأرض الحرام المليئة بالألغام وفوقها نصب يشبه المسلة يمثل نهاية الحدود واذكر وبعد أن حصلت على إجازة تنامى الى سمعي أن سبعة من رفاقنا المجازين قبلنا قد تعرضوا الى إنهيار ثلجي أسقطهم في الوادي السحيق ولم نعثرعلى جثثهم الا بعد ذوبان الثلوج وذلك بعد مرور ثلاثة أشهر،رحمهم الله تعالى والهم ذويهم الصبر والسلوان ، ومن الذكريات أن كثرة النظر الى الثلج الأبيض الذي يحيطك من كل جانب من دون وجود معالم بألوان أخرى تعادل إنعكاس الشمس عليه سيصيبك بعمى ليلي مؤقت يجعلك لاترى أي شيء على الإطلاق ما يوقعك بمطبات كثيرة ويعرضك الى مواقف محرجة أكثر ولاعلاج لهذه الحالة سوى بوضع – سخام – الفحم الأسود أسفل العين أو بالنظر الى ألوان أخرى غيربياض الثلج ، ومن الذكريات أن المشي فوق الثلج الكثيف في القمم والسفوح من دون ربط شبكة أسفل الحذاء ستحول حياتك الى جحيم لايطاق لأنك من دونها ستغوص في الثلج لنصف متر تقريبا أو أكثر..ومن المفارقات أنني نمت 7 أيام في كهف عرضه أقل من مترين وعمقه لايتجاوز المتر ونصف وعلوه نصف متر حيث كنا ندخله حبوا أما فوهته فكانت تجاه الريح الباردة وكنت أمد قدمي خارج الكهف فيما أنا داخله وفي أول يوم من دخوله صلينا فوق الثلج خارجه بلا سجادة ولا قطعة قماش حتى ، وفي اليوم الثاني تعرضنا الى قصف كثيف تسبب بإستشهاد عدد من رفاقنا ونتيجة لوعورة المنطقة تم سحبهم فوق الثلج محمولين على البطانيات قبل أن يتم نقلهم على ظهور البغال الى الوادي تمهيدا لنقلهم الى محافظاتهم ، وفي اليوم التالث أكلنا قصعة – محمضة – وفي اليوم الرابع بلغني أن بديلي – حسن النجفي – قد فقد بسبب السيول الجارفة أسفل الوادي وفي اليوم السابع تبين أن حسن هذا قد أضطر الى الإختباء من السيول والقصف الكثيف في ملجأ على الطريق ليظهر أمامي فجأة بعد إستتباب الأوضاع وما إن رأيته حتى تبددت كآبتي وهتفت على طريقة الأفلام المصرية بصوت عال جدا – حسسسسسسسسن – واذا به يعيد الكرة اليَّ – احمممممممممد – هنا تذكرت فيلم ” سلام يا صاحبي “وفيلم ” شفيقة ومتولي” فما كان مني الا أن ضيفت حسن بـبقايا – القصعة المحمضة – وأدخلته الى الكهف ليرتاح قليلا مع أن لا شيء داخل الكهف يدفع للراحة وبالأخص تلك الصخرة التي تتوسطه والتي كانت تضغط على عمودي الفقري وتسبب لي الآما لاتطاق طوال الليل، فاتني أن أخبركم أن – بسطالي – فضلا عن الجواريب قد تعرضا للتلف اثناء عبور النهر الجارف ما أضطرني الى إرتداء – كونيتين – مخصصتين لبناء السواتر فوق البسطال لتلافي تسرب الثلج الى قدمي من خلال الثقوب ، ومن ذكريات الثلج أنني تعرضت الى ما يشبه لسعة البرد لأيام بعدأ ن جمدت – بساطيلنا – التي تركناها عند باب ملجأ ثالث أعلى قمة أخرى، أما القمة الرابعة فذكرياتي مع الثلج فيها تمثلت بهبوب عاصفة ثلجية إستمرت ثلاثة أيام ما تسبب بقطع جميع طرق الإمدادات حتى نفذ منا الماء كليا فحاولنا إذابة الثلج الا أنه أسفر عن – ماء يغص بالشوائب لايصلح للطبخ ولا للشرب – فتبرعت بالسير ثلاث ساعات الى مجرى النهر نزولا لأحمل منه الماء شبه المتجمد الى القمة على ظهر – الكديش – وهناك غضبت الدابة مني كثيرا بسبب تساقط الثلوج وصعوبة السير خلالها واثناء إمساكي بخطامها سحبتني بقوة فسقطت وسط النهر وأنا أتمثل قولهم مع التعديل ” النهر المتجمد من تحتكم والثلج الساقط من امامكم ومن فوقكم والماء يبلل كل ملابسكم فأين المفر ؟!”
ومن ذكرياتي أني غامرت – المشكلة انني من المغامرين ومن المتبرعين بإقتحام لجة المواقف الصعبة عندما المس خورا وكسلا وجبنا يعتري من حولي لتشجيعهم من دون أن أدرس طرق الخروج منها ابتداءا ما يوقعني في مطبات عديدة – بصناعة المرق يوما بماء الثلج مع انني لا اجيد من فنون الطبخ غير قلي البيض فحسب على – صوبة علاء الدين – وبعد مرور ساعتين وقبيل نضج الطعام الوحيد عندنا قلت اصلي جالسا داخل ملجأ لايسمح لأمثالي من طوال القامة بالصلاة داخله وقوفا ريثما تجهز المرقة واثناء الصلاة واذا بأحدهم يدخل فجأة ويصطدم بقدر المرق ويسقطه أرضا ،هنا كدت أن أبكي – من كل عقلي – وأنا في الصلاة لضياع الجهود أولا ولسقوط الطعام الوحيد عندنا ثانيا ولما نمر به من معاناة وحرب لا ندري متى تنتهي ثالثا ..الا اننا نشاء وغيرنا يشاء والله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء يفعل ما يشاء ..اذ لعل المرق المصنوع من ماء الثلج الملوث آنذاك كان سيضرنا اكثر مما ينفعنا …ومن الذكريات أن صاحبي- عادل الشهرباني – سقط من اعلى القمة بسبب الثلوج فتلقفه عدد من الجنود عند السفح قبل ان يقضى عليه سقوطا في الوادي ..ومن الذكريات اننا صحونا يوما واذا بالبغلين المربوطين بباب الملجأ قد ماتا من شدة البرد ما يعني اننا – سنحمل متاعنا وماءنا ووقودنا من الآن فصاعدا على ظهورنا – والغريب ان لكل بغل رقم عسكري يدق أعلى لثته ومن يسجل بذمته يحال الى محكمة عسكرية ليشرح للقاضي أسباب وفاة البغل فإن لم تكن الاجابات مقنعة للهيئة القضائية فأنه سيغرم ثمنه اضعافا ويؤخر تسريحه من الخدمة بعقوبة وربما يسجن كذلك !!
ومن الذكريات ان إحدى القمم كنا نصعد اليها من خلال التسلق عبر- كيبل – مثبت على صخرة بمسامير كونكريتية كبيرة وبمجرد الصعود كان يتوجب عليك أن تسير منحنيا تماما لأن اية رفعة رأس عراقية هناك = رصاصة قناص في الجبهة عدل !
كل ذلك تذكرته اليوم بمجرد رؤية الثلوج في شوارع بغداد وقلبي يعتصر ألما على النازحين العراقيين والسوريين في الخيام إضافة الى كل المشردين والفقراء والمساكين في العراق والعالم ، فلاتنسونهم من صالح دعائكم وحبذا لو ارفق الدعاء بمساعدات عينية وغذائية ومالية لمد يد العون لهم ، وأقول لجميع السياسيين العراقيين الفاسدين منهم ومدعي الاصلاح والتغييرزورا وبهتانا ممن باتوا يضحكون على ذقون الناس بوضع قدم في التظاهرات وأخرى في السلطة للحصول على الوزارات والمناصب الرفيعة مدعين انهم لايتدخلون بتشكيل الحكومات وأنهم معنيون فقط بمحاربة الفساد مع أن فاسدا واحدا في صفوفهم لم يحل الى القضاء طيلة 17 عاما مستترا بثلته التي تزعم انها ستتولى محاكمته بالنيابة عن القضاء – بالمشمش – واقول لقد سئمنا من خداعكم المتواصل وسئمنا من إهمالكم المتعمد حتى لمطالب جماهيركم الماسة وأولها بناء المستشفيات والمدارس والمعاهد والطرقات والجسور والمنازل التي تليق بهم وبآدميتهم مع أنكم تفوزون بأصواتهم في كل مرة من دون ان تخدمونهم واقعا ولا مرة ! اودعناكم اغاتي