الفكر الغربي السياسي لا زال يدهشنا كلما استطاعت أذهاننا استيعاب شيء جديد من صنائعه واكتشاف بدعة من إبداعاته السياسية ولطالما يكون هذا الاكتشاف متأخرا بعد ذهاب فرصة التعديل والمواجهة .
ولا اعزي سبب ذلك إلى الفارق العلمي أو الطبقي بين الشعوب, عندما تم تقسيم طبقاتهم إلى عالم أول وثاني وثالث والكل يعرف المستوى الطبقي الذي وضعت به شعوبنا العربية فنحن قاعدة ذلك الهرم الطبقي ,والسبب في ذلك التأخر العربي ينقسم لمحورين رئيسيين هما السياسة والكفاءة,
والذين يمثلهما القادة العرب على محور السياسة والعلماء على محور الكفاءة , فإذا ما استطاعت أي جهة من السيطرة على هذين المحورين فإنها بالضرورة تكون قد سيطرت على البلد بماضيه وحاضره ومستقبله وهذا ما عانته الدول العربية ردحا من الزمن فالقرار السياسي كان لصالح الغرب وكذلك عملية تمييع الغضب الشعبي العربي وبث صورة محسنة لذلك القرار من قبل علماء البلد و مثقفوه وخبرائه ليعيش الشعب بدوامة السلطة والعلماء.
أما في ضل العولمة الحديثة وسهولة الحصول على المعلومة والنسبة البسيطة من الوعي عند شعوب دول العالم الثالث فقد عملت أمريكا في ضل هذه الضروف على خلق نوع جديد من التحكم وهذه المرة هو تحكم عن بعد يحصل من خلال تمرير المعطيات الزائفة بشكل غير مباشر إلى الشعب والتلويح له براية الديمقراطية العالمية وعمل لها صورة من البعد الثالث يمكن رؤيتها ولكن لا يمكن مسكها أو التعايش معها بشكل مادي حقيقي وملموس مستفيدين بذلك من الاندفاع العربي الفطري وغياب التحليلات المنطقية الصحيحة ووجود من صفق بحرارة للديمقراطية الغربية الجديدة التي ستنقل العالم من الحكم السكسوني إلى قانون المدينة الفاضلة بعد صحوة الضمير الغربي ومجيء قادة غربيون يحترمون الإسلام ويعملون على جعل العوالم الثلاثة عالما واحدا ليجلس معهم العرب على الطاولة المستديرة ولكن كل ذلك لا يتحقق إلا بشرط هو خروج الشعوب العربية على أنظمتها وإسقاط تلك الأنظمة وإبدالها بأنظمة ديمقراطية تحكم الشعوب من خلال عملية الاقتراع المعدة لهم خصيصا في غرف البيت الأبيض السوداء.
وتم لهم ربيع عربي مزيف بإسقاط أنظمة دكتاتورية واستبدالها بأخرى إرهابية سلفية وهذه المعادلة السياسية تطرح عدة متناقضات لا يمكن وجود احدها مع الأخر فلا يمكن لك أن تكون صادقا وكاذبا في الوقت ذاته كما لا يمكن وجود أمر وسطي بين الحق والباطل فكيف يعقل أن يشن العالم المتطور بقيادة أمريكا حربا هائلة ضد الإرهاب المسلم المتمثل بالقاعدة من جهة وان يساند ويصفق لها لتوليها الحكم في مصر وليبيا من جهة أخرى وكيف يتم الربيع العربي دون رفع الكتل الجليدية الاستبدادية الهائلة في الخليج مثل حكومات السعودية والبحرين وقطر وغيرها التي ساندت صدام وخلقت منه وحشا بشريا وساندت ألقذافي وصورت له انه القائد الأوحد الم تضع يدها بيد مبارك وتستعين به في حرب الخليج ؟ كما رأيناها تقف يدا واحدة وتستعمل كل إمكاناتها الحربية وتشن حربا طائفية ضد الشعب البحريني الأعزل وكذلك مد يد التخريب الى سوريا العربية والرقص على جراح الشعب السوري ألا يكفي سكوتهم على ذبح الشعب الفلسطيني كل هذه الأمور لم تتطرق إليها أمريكا لأنهم إلى اليوم يمثلون مصالحها في المنطقة ولكن رياح الربيع قادمة لا محال فقد تخرج الكرة من ملعب أمريكا لتصبح بساحة الشعب الحر.
كل هذه المغالطات الحقيقية وغيرها لا تقودنا إلا إلى استنتاج واحد أوحد هو أن شعوبنا العربية تواجه ألان نوعا جديدا من الاستعمار وهو يرتدي قناع الديمقراطية ليمكن له التعايش مع الشعوب العربية دون كشفه أو معرفته ولا بد ألان أيها العرب من البحث والتحقق من تاريخ من تختاروه ليمثلكم وان تستخدموا السلاح الذي بحوزتكم لاستئصال اخطر مرض يهدد حياة الشعوب وهو الجهل السياسي وإتباع الرموز المزيفة والدلائل الغربية المختلقة لغرض الإيقاع بثقافاتنا ومصائرنا والتي لا تخدم سوى مصلحتهم وليس لها سوى غاية واحدة هي إبقائنا بعيدا عن النافذة وعدم معرفتنا بالوجهة التي نقصدها..