بين “حي الثورة ” و “حي الرحمة”
جواد أبو رغيف
“57 ” سنة عجاف عاشها الهاربين من كفر الجوع والإقطاعوالشيوخ بهم، من محافظات الجنوب والفرات،حيث اتخذوا جناح الليل جملاً،فامتطوهبجلودهم العارية خفافاً دون عّز ،سوى عزة نفوسهم ونقطة حيائهم،وكرامتهم التي أبواامتهانها.
وصل الغالبية منهم العاصمة “بغداد” سيراً على الأقدام.استقروامجبرين قرب حركة العمل ومركز المدينة،فكانت “العاصمة والميزرة” محطتهم الأولى،ولأنهملا يجيدون مهنة سوى الزراعة،فقد اشتغل معظمهم كعمال بناء مع “أسطواتبغداد”.
لم تهتم الدولة العراقية آنذاك كما اليوم بوضعهم،ولم تؤمن لهم وضعهمالسكني،فاعتمدوا على أنفسهم ببناء بيوتهم،التي كان أساسها (قواطي الدهن)،يملئونهابـ “الطين”،ويشيدون “الجدران” ويسقفونها ب”البارية”،بعد أن يضعوا “أعمدة الخشب” ك “جسور”،ولشدةألبوس سميت أحدى قراها “قرية المنكوبين” .
استطاع “اخو كميله” صنع الاستقرار،بوقت قياسي و زاحمالبغداديين على مهنهم.
بعد “ثورة الزعيم 1958 “،تمت أزاحتهم عن البغداديين لامتصاصغضب سكانها،فمنحهم “عبد الكريم قاسم 144 م “،وعبرهم “قناةالجيش” في الوقت الذي كانت “منطقة شارع فلسطين”،تؤويهمجميعاً،وبمساحات اكبر مثلما وزعت بعد ذلك “600 ” و “400 “م!!!.
(لازلت أتذكر ذلك الشيخ المصاب بحالة نفسية، وهو يرتجز أمام مركز شرطةالجوادر …..كرّيم يومك ما ننساه)،فهو يعتقد كما الكثيرين،بفضل الزعيم بإسكانهم!.
نتيجة الرمي السريع لهم في تلك البقعة،فقد غابت المدارس الابتدائية،وطبيعيالمتوسطة،وهكذا المراحل الأخرى،حتى فقد جيل كبير منهم حق التعليم،وعلى قاعدة”التخلف الفكري يّولد الفقر والتخلف السياسي يّولد الاحتلال)،استُغلوا أبشعاستغلال،سيما عندما تمكن “حزب البعث” من السلطة،فقد انخرطت شريحة كبيرةمن شباب المدينة كـ “نواب ضباط” في “الجيش العراقي”،فكانواحطباً لمعارك “القائد الضرورة”!.
استمرت “سياسة التجهيل” تجاههم،ومتلازمته الفقر في المدينة.
ليستمر الفقر والفقراء بدوامتهم!.
اليوم وعلى الرغم من الفارق الزمني السالف الذي استطاعت دولمجاورة،كانت صحارى قاحلة التحّول إلى قبلة يحجها ملايين الناسمن بلدان مختلفة ،بنصفذلك الزمن.
يعيد الساسة الديمقراطيون،نهج أسلافهم الدكتاتوريون،في استهداف تلكالشريحة وتلك المدينة ومخرجاتها.
“حي الرحمة”،الذي يقطنه أحفاد أولئك الذي سكنوا مدينةالثورة عندما قذفهم الزعيم،بعد أن تشظوا من بيوتها ذات “144 م “،ولمتكفيهم وقوفاً!.
يستغلهم ساسة اليوم كـ “مشاريع انتخابية” تنتهي صلاحياتهامع قفل “صناديق الاقتراع” !.
عام “2013 ” شكل المالكي “لجنة مبادرةالسكن”بشعار “لكل عائلة سكن” استطاعت من قطع شوط كبير في إنهاء معاناة الكثيرين،وتم تطويب مناطق عديدة.
حي الرحمة تم تطويب “600 ” بيت وظل “315 ” بيتدون سندات،كونهم لم يتواجدوا حين زيارة اللجنة!،فعمل لهم ملحق لتطويبهم،وهو حاصلعلى موافقات أصولية،ومتوقف الآن على رف احد المدراء العامين في أمانة مجلسالوزراء، منذ العام 2013 !!!.
الكارثة أمس قرأت خبرمنشور يحمل قرار تطويب تلك الأراضي،بقرار جديد،لا يستند إلى قرار لجنة مبادرةالسكن،التي منحت السندات مقابل”15 ” ألف دينار عراقي،وتريد بيع المتبقينقطع الأراضي البالغة “315 ” بيت بسعر خيالي،يعجز أهالي حي الرحمة منشراء بيوتهم التي سلبت منهم قوتهم وعرت أطفالهم حتى شيدوا كأسلافهم سقوفاً تصلحللبقاء،وليس للسكن فالمنطقة دون مجاري ولا تبليط ولا مدارس ولا مركز صحي !.
فهل يسلم جيلاً جيلاً ….بعده الجهل؟
aburkeif@yahoo.com