إنها شبكة من الجريمة المنظمة التي تقف على هرم رأس المال في العالم، من أولوياتها الهيمنة المطلقة على العالم و الحيلولة دون بلوغ أي قوة أخرى إلى درجة المنافسة والندية، وتبرر لنفسها استخدام أقذر الوسائل والأساليب لتحقيق هذه الغاية . تتخفى خلف منظومة قيمية تحت مسميات الحرية الفردية وحقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية وحق تقرير المصير للأقليات القومية وحرية المعتقد واقتصاد السوق الحر وحرية انتقال رأس المال وحرية الهجرة وتنقل السكان وفتح الأسواق أمام التجارة العالمية وحرية توريد المواد الخام والطاقة .
وفي الوقت الذي تصارع في سبيل تجريد الإنسان من التزاماته الوطنية والدينية والقومية تتخذ من هذه الانتماءات ذريعة للتدخل في دول العالم كافة متى تطلبت مصالحها ذلك، وليس هدفها المحافظة على كرامة الإنسان وقيمه، بل من أجل الوصول بهذا الإنسان إلى مرحلة “اللاانتماء” لأن هذه الصراعات التي تفتعلها تهلك وترهق المجتمعات إلى درجة يضيقون ذرعاً بالمبادئ ويفقدون الثقة بها . و شبكة الجريمة الإمبريالية هذه تستخدم في صراعها الوسائل المنحطة كافة من أمراض وبائية وفتنة طائفية وعرقية ومجاعة وحصار وفساد إداري ومالي وتدخل عسكري .
وعلى الرغم من أن ظاهر المنظومة القيمية للإمبريالية يوحي بمبادئ إنسانية، وهو ما استمرت على ترويجه طيلة فترة الحرب الباردة التي استمرت(45) خمسة وأربعين عاما، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية عام 1990، إلا أنها عندما انفردت بامتلاك مربع القوة من هيمنة إعلامية, وتفوق تكنولوجي , وقدرة عسكرية هائلة, واقتصاد عملاق كشفت عن وجهها القبيح، ولم تَعُدْ بحاجة إلى عمليات تجميلية, أو إيجاد تبريرات أو إعطاء مسوغات أو البحث عن غطاء أممي، ويكفيها أن تحرك أي محيط إقليمي باتجاه خلق بؤرة أزمة؛ لتتدخل بوصفها القطب الكوني الأوحد في العالم الذي تقع عليه مسؤولية استتباب الأمن والسلم العالميين، والمعنية بمعالجة محاور الشر في العالم، وأنها المنقذ العالمي( السوبر مان) فهيمنت على الكرة الأرضية كما الأخطبوط الذي يلفُّ أذرعته حول كرة. وبالنظر لتكاليف الهيمنة الإمبريالية الضخمة لجأت لابتزاز دول العالم المتقدم ودول “البترو دولار” في تمويل وتغطية هذه الكلفة، وترويض منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لتنفيذ إرادتها، ومتى ما وجدت انعدام الرغبة أو الاستجابة عند أي من الدول الحليفة أو محاولة للتقاطع مع مصالحها حرَّكت فصائل وألوية المافية المنتخبة والمدربة والمجهزة والمنتقاة من سجون العالم كافة، ومن عتاة المجرمين ممن تلفظهم البؤر الساخنة في العالم، و ممن أدمن الجريمة وقطع بها شوطاً بعيداً، وتقطعت لديه الوشائج الأخلاقية كافة التي أجريت عليها عمليات تكوينية لسلخ أية بذرة أخلاقية موجودة لديها؛ لكي لا تتوانى من ارتكاب أفظع وأحقر الجرائم ممن لا يقدم عليها المقاتل السوي الطبيعي تحت سيطرة شبه آلية متجردة من الشعور الإنساني التي تبدو عليه من الناحية الخارجية؛ لتجعل مختلف دول العالم ساحة للعمليات الإرهابية بما في ذلك أراضي حلفائها, بل في داخل أميركا نفسها، وقد اتضح أنها تقف خلف أبشع الجرائم التي ارتكبت في العراق وسوريا ودول الربيع العربي، وأدَّت إلى تدمير البنية التحتية والاقتصادية والعسكرية وبتمويل “البترو دولار” الخليجي دون أن تخسر أمريكا سنتاً واحداً, كما أنها في بحث مستمر عن الكفاءات العلمية في العالم؛ بغية شرائها أو احتوائها، وإذا تعذَّر ذلك قتلها .
وأخذت الإمبريالية تقطع الطريق أمام القوى الاقتصادية العالمية بافتعال الكوارث الاقتصادية(كما حصل للنمور الآسيوية عام 1997التي تسبَّبت لها بخسائر بلغ حجمها (700) سبعمائة مليار دولار بالإضافة إلى حركة النزوح الهائلة التي حدثت لرؤوس الأموال لخارج البلاد) . وهي تقف خلف الكوارث الوبائية مثل فلاونزا الطيور والخنازير وجنون البقر والأيدز والإيبولا، وتحقّق من ذلك عدة أهداف منها تحقيق خسائر مادية للمنافسين، أو جزء من عملية تجارب مختبرية، أو تسويق لأدوية مضادة لهذه الأوبئة؛ بغية تحقيق أرباح مادية، وهي تتَّخذ من شعوب الكرة الأرضية برمتها فئران مختبرات للتجارب سواء على صعيد تجربة الأسلحة الجديدة التي تنتجها, وتعمد إلى إشعال فتيل الحروب العسكرية في العالم؛ لامتصاص النمو الاقتصادي متى ما وجدت في هذا النمو خطراً على صدارتها، ولتسويق أسلحتها المدفوعة الثمن من قبل أوربا ودول “البترو دولار”.
وأخذت الإشكاليات الأمريكية الكونية على مستوى العالم تبرر وتشرعن بشكل لا يعير أهمية للرأي العام العالمي، فبدلا من أن تبحث عن مدافن سرية لمخلفات اليورانيوم في الأصقاع البعيدة من الكرة الأرضية، قامت بإعادة تدويرها وتصن

بقلم: شلال الشمري