العقوبات الامريكية على ايران . وموقف العراق منها
ادهم ابراهبم
في ظل برلمان لايمثل الشعب وحكومة مرتبكة بين مراكز القوى للاحزاب الحاكمة في العراق . وشعب تائه بين التقاليد العشائرية والطقوس الدينية . ونخب ثقافية واعية مغيبة عمدا . نشهد صراعا بين القطبين الفاعلين في السياسة العراقية واقصد الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية . وياتي ذلك نتيجة الطلاق الرجعي بينهما  بعد زواج موقت عقده اوباما عند التوقيع على الاتفاق النووي ، وفسخه ترامب من جانب واحد . وسيكون هذا الصراع في تصاعد مستمر مع تصاعد العقوبات الامريكية على ايران

وفي الوقت الذي نتعاطف فيه مع الشعب الايراني لايسعنا ان نقف موقفا يتعارض مع قرارات دولة عظمى ونحن حتى لم نصل الى مستوى دولة حقيقية متماسكة ، في حين تتردد دول صناعية كبرى تجاه هذه العقوبات وخصوصا المانيا وفرنسا وسائر دول الاتحاد الاوروبي ، وقد اتخذت هذه الدول مواقف سياسية مؤيدة لايران لوجود مصالح متبادلة معها . ولكن اغلب الشركات الاوروبية الكبرى خشيت من العقوبات الامريكية وانسحبت من ايران واوقفت تعاملها معها ، ولذلك نشهد الان تخبطا سياسيا في دول الاتحاد الاوروبي في كيفية انقاذ الاتفاق النووي ، وتعطيل العقوبات الامريكية على ايران ولكن دون جدوى فاصبحنا نشاهد مقاطعة اقتصادية اوروبية كبيرة لايران ،  وبيانات سياسية مؤيدة لها
اما بالنسبة للعراق فهناك من يرى ضرورة الاستجابة التامة مع عقوبات الادارة الامريكية للحفاظ على علاقاتنا معها , لما لها من ثقل على الساحة العراقية وعلى منطقة الشرق الوسط كذلك . وهناك من يتعاطف مع الجانب الايراني بدوافع عنصرية او طائفية او مصلحية , ويحاول تعطيل هذه العقوبات , او تقديم اكبر قدر ممكن من المساعدة للجانب الايراني وانقاذه من نتائج هذه العقوبات ولو على حساب مصالح الشعب العراقي

اذا نظرنا الى مصلحة العراق بعيدا عن المزايدات والولاءات فاننا سنجد ان مخالفة هذه العقوبات سترتب على العراق التزامات لاقبل له بها ، وربما سيشمل بنفس العقوبات على ايران ، والتي لاتؤثر على الاقتصاد حسب وانما على بيع النفط , كما ستؤدي الى تجميد الاصول المالية ايضا , اضافة الى انسحاب الشركات الكبرى العاملة في العراق ، مع ايقاف الدعم الاممي والامريكي وخصوصا التحالف الدولي في محاربة المنظمات المتطرفة , كما ستؤثر على موقف الحكومة من المناطق المتنازع عليها .  وسيؤدي كل ذلك الى زيادة الصراعات المحلية وفقدان الامن ، وصولا لاسامح الله الى الحرب الاهلية

ان الولايات المتحدة قد منحت العراق استثناء” محدودا وموقتا يتعلق
باستيراد الطاقة الكهربائية ، او بتزويد العراق بالوقود اللازم لتشغيلها .  ولايمكن التوسع بهذه الاستثناءات لانها محددة وتحت شروط ايضا . ولو كانت امريكا حريصة على مصالح الشعب العراقي لاقدمت على تحسين الطاقة الكهربائية خلال السنوات الماضية بدلا من منح الاستثناءات له ، وكان بامكانها الضغط على الحكومة العراقية لهذا الغرض كما ضغطت وتضغط الان على ضمان تدفق وتصدير النفط وعدم التهاون في هذا الحقل المهم لها

واذا عدنا الى سنوات الحصار على العراق في تسعينات القرن الماضي لنجري مقارنة اولية بين هذا الحصار والعقوبات المفروضة على ايران  . نرى ان ايران والدول العربية لم يمدوا يد المساعدة في وقتها الى العراق . ولم نسمع احدا يتعاطف مع الشعب العراقي المسكين المغلوب على امره , وقد تجرع واكل طعاما لايليق بالانسان السوي ، بل وحتى اغذية غير صالحة للاستهلاك البشري , وافتقد الدواء , وانعدمت امامه كل فرص الحياة ، ثم ختمت امريكا حالة البؤس العراقي هذا بقصف مدنه وقراه واحتلال كامل ترابه الوطني . وكان الغرض من الحصار على العراق تدمير طاقات الشعب العراقي ، اكثر من تدمير النظام . . اما العقوبات الامريكية على ايران الان فانها لاتهدف الى اسقاط النظام بل تعديل سلوك ايران على حد قول مستشار الامن القومي الامريكي ، واكد ذلك ايضا وزير الخارجية بومبيو في تصريحات عديدة

نحن نعلم ان امريكا دولة امبريالية غاشمة ، ونعلم مالذي فعلته في العراق
وغيره من دول العالم الناهض . ولكننا في المقابل نرى انظمة اقليمية مارقة لها طموحات غير مشروعة بالتوسع والهيمنة على دول اخرى مثل النظام الايراني الذي يهدف الى اعادة المجد الامبراطوري لكورش ، ويبذل الاموال الطائلة لتحقيق هذه الاوهام  . كل ذلك على حساب ازدهار ورفاهية شعبه المسكين الذي يعاني الامرين من نظامه الثيوقراطي الظالم ، والكل يعلم بان زمن التوسع الامبراطوري قد ولى ولن يعود . .  مثله مثل النظام التركي الذي يحلم بعودة السلطنة العثمانية على حساب دول وشعوب المنطقة المغلوبة على امرها

ان ايران سوف تعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة نتيجة العقوبات
الامريكية عليها .  ولكنها دولة برغماتية تعرف مصالحها جيدا , وعندما تجد الطريق مسدودا فانها سوف تذهب للمصالحة والاتفاق مع الامريكان ، كما فعلت سابقا وابرمت الاتفاق النووي معهم ومع الدول الاوروبية . ولكن
كيف سيكون موقف النظام السياسي في العراق من العقوبات على ايران ؟ . . على الارجح سيكون موقفا انتهازيا غير واضح لا للشعب العراقي ولا للعالم حيث سيحاول التهرب من هذه العقوبات , والتغطية على ممارسات النظام الايراني الرامية للتعكز على الاقتصاد العراقي وابتزازه رغم ضعفه ومعانات شعبه . وقد اضحى على خط الفقر او ادنى . .  ومازال يعاني من عديد المهجرين الساكنين في الخيام ، او العائدين الذين لا يملكون ماينفقونه على اطفالهم . ومازالت المناطق الجنوبية تشكو من البطالة وقلة الخدمات الاساسية وخصوصا  الماء والكهرباء ..  في حين ان الاولى به النأي عن النفس ، وعدم الانزلاق الى الصراعات الاقليمية والدولية فقد عانينا بما فيه الكفاية من الولاءات التي لم تجلب لنا سوى الفقر والجوع مع الحروب والمآسي المستمرة
ادهم ابراهيم